خبير آثار يكشف خطورة هدم التراث ويطالب بتغليظ عقوبته

 الباحث الأثرى د. حسين دقيل
الباحث الأثرى د. حسين دقيل

كشف الباحث الأثرى د. حسين دقيل حقيقة ما نُشر أمس تحت عنوان "حبس وغرامة تصل لـ 5 ملايين جنيه عقوبة هدم مبان تراثية وتاريخية"، مؤكدا أنه أمر قديم بقدم القانون الذي ضمن هذه العقوبة، وهو القانون 114 لسنة 2006، الخاص بتنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري.

موضحا أن القانون صدر عام 2006 من 17 مادة، وأقرت المادة الثانية عشرة منه أنه: " .... يعاقب كل من هدم كليًا أو جزئيًا مبنى أو منشأة مما نص عليه في الفقرة الأولى من المادة الثانية من هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه، فإذا وقف الفعل عند حد الشروع فيه جاز للقاضي أن يقضى بإحدى هاتين العقوبتين".

ولما عُدّل هذا القانون بالقانون رقم 3 لسنة 2020، أُضيفت إليه المادتان الثانية مكرر والثالثة مكرر، وهما مادتان تنظمان عملية التعويض وبيع وشراء تلك المباني بعد هدمها.

ويرى د. حسين دقيل أنه بالرغم من العقوبة التي تبدو قاسية إلا إنها نادرا ما يتم تطبيقها لأسباب عدة منها، أن المادة الثانية نفسها وبالرغم من التعديل الحاصل لها إلا أنها تتضمن ثغرة قانونية يلجأ إليها مُلاك الفيلات ذات الطابع المعماري المتميز لكي يخرجوها من مجلد التراث ليسهل بيعها وهدمها، حيث تنص تلك المادة على أنه: "يُحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمباني والمنشآت ذوي الطراز المعماري المتميز المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تعتبر مزارا سياحيا"،

فمشكلة هذه المادة كما يقول قانونيون هي حرف العطف بين كلماتها التي تكون الثغرة القانونية، وبالتالي فإن القاضي يأخذ الجملة كلها على بعضها، بمعنى أنه لو لم تتوافر شروط التاريخ القومي والشخصية التاريخية والمزار السياحي كلها في نفس العقار يتم إخراجها من مجلد الحفاظ على التراث ومن ثم تكون بوابة التحايل على التراث والتاريخ.

كما أن الواقع يؤكد أن ما يحدث في السنوات الأخيرة، من هدم لمباني ومعالم تراثية؛ لهو أمر في غاية الخطورة، فهدم التراث له مخاطر عديدة منها:

أن عمليات هدم التراث هي هدم للذاكرة المصرية، وحرمان للأجيال القادمة من التعرف على تاريخهم وتراثهم، وهي تعمل على قطع التواصل بين الماضي والحاضر.

كما أن عمليات هدم المواقع التراثية تساعد في نشر ثقافة الهدم للمواقع التراثية بين المواطنين وتفقد مصر وأبناءها التذوق الفني والجمالي المتمثل في هذا الجمال المعماري الذي ظل لعقود طويلة يبث في نفوس الرائين الشعور بالروعة.

كما أن عملية هدم التراث التاريخي تفقد مصر موارد مالية محتملة، حين يتم تحويل تلك المباني إلى مزارات سياحية.

كما أن اقتطاع وإزالة وهدم أي مبنى تراثي يضر بالنسيج العمراني المميز للمنطقة التي يقع بها. فالمناطق التراثية تتميز بأنها تربط بين الماضي والحاضر.

ويناقض هدم التراث ما جاء بالدستور المصري، فالمادة 47 من دستور عام 2014 تقول صراحة إن الدولة مُلتزمة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، أما المادة رقم 50 منه فقد نصت على أن تراث مصر الحضاري والثقافي والمادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والقبطية والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ علية وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والإعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، وتولى الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر.

كما أن هدم التراث يتنافى مع الالتزام بالقوانين والتشريعات التي أصدرتها الحكومات المتتالية، كقانون رقم 144 لسنة 2006 السابق ذكره، أو القانون 119 لسنة 2008، الخاص بالتخطيط العمراني والتنسيق الحضاري وتنظيم أعمال البناء والحفاظ على الثروة العقارية.

كما يتنافى هدم التراث أيضا مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كاتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية، والتي أقرت "أن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء، فكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية". وكذا اتفاقية اليونسكو التي دخلت حيز التنفيذ في 24 أبريل 1972، والتي تقرر واجب كل دولة في حماية التراث الذي تمثله الممتلكات الثقافية الموجودة في أراضيها. وكذلك ما تضمنه إعلان اليونسكو العالمي لعام 2001 بشأن التنوع الثقافي، والذي تضمن الاعتراف بالتنوع الثقافي باعتباره "تراثا مشتركا للإنسانية" تُعد حمايته ضرورة أخلاقية ملموسة لا تنفصم عراها عن ضرورة احترام كرامة الكائن البشرى ذاته. وما تضمنه أيضا إعلان اليونسكو لعام 2003 بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي من الاعتراف بأهمية التراث الثقافي والالتزام بمكافحة تدميره المتعمد بأي صورة من الصور حتى يمكن نقل هذا التراث إلى الأجيال القادمة.

ويشير د. دقيل إلى أنهذه المخاطر، تتطلب ضرورة الإسراع في التوقف عن هدم التراث مقدما بعض المقترحات التي يعتقد أنها تساعد في الحفاظ على التراث ومنع هدمه:
 
ضرورة الاعتزاز بتراثنا الذي نتميز به عن غيرنا؛ فبعض الدول الأوروبية والعربية التي لا تملك تراثا حضاريا وتاريخيا مثل مصر تبحث عن أي مبنى كي تجعله أثرا، وتحتفي به.

ضرورة الاهتمام بنشر الوعي الثقافي والتراثي. وعلى وسائل الإعلام القيام بدور كبير في إبراز هذا الجانب، فالمواطن قد يكون معذورا في بعض الأحيان عندما لا يكون لديه وعي بأهمية التراث الذي يملكه.

وهذا يدعونا أيضا أن نبادر بضم كل المباني والعقارات التي تدخل في نطاق التراث وتضعه تحت حوزتها، وعليها بأن تقوم بتعويض أصحاب تلك العقارات بما يرضيهم.


ضرورة قيام البرلمان بدوره في التشريع من أجل إصدار قوانين، والعمل على تغليظ العقوبة الواردة بها من أجل ردع كل من تسوله له نفسه المساس بالتراث سواء كان من قِبل الحكومة أو المواطن.

ويشير د. حسين دقيل إلى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وقد أنشئ هذا الجهاز بقرار رئيس الجمهورية رقم 37 لسنة 2001. وهو مهتم طبقا لأهداف إنشائه بالتراث، مؤكدا ضرورة تفويض هذا الجهاز ومنحه صلاحيات أكثر، واعتماد ميزانية خاصة به تكون كافية لأداء عمله، وتنظيم لوائح جديدة تمكنه من الإشراف على المباني التراثية وحمايتها وترميمها وتطويرها.

ومن المهم أيضا أن يقوم المواطنون بدورهم في حماية التراث، فبإمكانهم إقامة جمعيات لحمايته، ودفع النواب بالبرلمان إلى القيام بدورهم في المراقبة والتشريع الخاص بهذا الجانب، كما بإمكان المواطنين أيضا رفع دعاوى قضائية على كل من تسول له نفسه هدم التراث وأن يستغلوا في ذلك القوانين التي نصت على عدم هدمه والمساس به.
 

اقرأ أيضا: «التنسيق الحضاري» ينظم حلقة نقاشية عن "جاردن سيتى المدينة الحدائقية اسم