سينما إسكندرية «كمان وكمان» وحكاية أول عرض سينمائي

فيلم شاطئ الذكريات
فيلم شاطئ الذكريات

محمد كمال

هناك اختلاف حول الدولة التي شهدت أول عرض سينمائي في العالم فالمعظم يتجه إلى أنها فرنسا في 28 ديسمبر 1895 على يد الأخوين لوميير أوجست ولويس عندما قدما في باريس 10 أفلام مدة كل فيلم 46 ثانية، لكن البعض يميل إلى أن العرش السينمائي الأول كان في ألمانيا لفيلم مدته 15 دقيقة يتخلله مجموعة أفلام قصيرة، وذلك بتاريخ 1 نوفمبر 1895 عن طريق جهاز بيوسكوب من اختراع الأخوان سكالدونيفسكي وكان الثنائي قد أقر بأن عرض لومير يعتبر هو الأول وذلك لأمرين الأول استخدام جهاز السينماتوجراف الأكثر تطورا كما أن العرض كان بتذاكر مدفوعة.

نفس الحال بالنسبة لمصر فهناك كثيرون يقرون أن العرض السينمائي الثاني كان في الإسكندرية بمقهى زارني في 5 نوفمبر 1986 أما الرأي الآخر ينفي أن تكون مصر ثاني دولة عرفت السينما وأن هناك دول أخرى سبقتها لكن هذا لاينكر أن مصر من أوائل دول العالم في إقامة الأفلام السينمائية في عروس البحر المتوسط الإسكندرية التي لها سحر وبريق خاص تجاه السينما وأفلامها.

أول فيلم مصري روائي طويل حمل اسم “قبلة في الصحراء” من تأليف وإخراج إبراهيم لاما وشارك في بطولته شفيق لاما وإيفون جوين وأنور وجدي ومحمود المليجي كان العرض الأول له في 5 مايو 1927 بمدينة الإسكندرية التي كانت شاهدة ووثقت العرض السينمائي الأول في مصر بعد أعوام من العرض الأول الذي كان في المقهى، وكانت الإسكندرية أيضا المدينة الأولى التي يقام داخل مسارحها دور سينما على غرار مسرح زيزينيا الذي تحول لدار عرض سينمائى باسم سينما محمد على عام 1929 وبعد ثورة 1952 تم تحويله إلى مسرح سيد درويش.

وهناك أيضا مسرح الهمبرا الذي تحول إلى سينما عام 1928 وعرض فيه أول فيلم ناطق أمريكى “ابنه بيتكوكولى” واستمرت العروض السينمائية بجانب المسرح الذى كان يقوم بعرض حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، هذا بالإضافة إلى دور عرض عديدة شيدت من أجل مشاهدة الأفلام على غرار سينما أيرب نورا، إيفونتى، باتيه، فون، سان استيفانو، أكسلسيور وإيزيس وغيرهم.

لم تكن مدينة الإسكندرية التي شهدت انطلاق صناعة السينما المصري منذ ما يقرب من 125 عاما فقط بل كانت أيضا من أكثر المدن المصرية إلهاما سواء لصناع السينما الذين كتبوا أفلاما كثيرة عنها أو أنها تكون مسرح الأحداث في العمل وعلى مدار تاريخ السينما المصرية الطويل كانت الإسكندرية بطلة مهمة وملهمة في العديد والعديد من الأفلام، وبالطبع تأتي في المقدمة تجربة الراحل يوسف شاهين ابن الإسكندرية من خلال ثلاثة أفلام حملت اسم عروس البحر المتوسط أراد خلالهم شاهين أن يسرد سيرته الذاتية التي ارتبطت بأمرين لم يتخل عنهما على مدار تاريخه الطويل هما السينما والاسكندرية.

وأكد شاهين بشكل مباشر في الأفلام الثلاث “اسكندرية ليه” عام 1979 ثم “اسكندرية كمان وكمان” في 1990 وأخيرا “اسكندرية نيويورك” عام 2004 بالإضافة إلى فيلم “حدوتة مصرية” عام 1982 الذي يعتبره كثيرون استكمال رباعي لسيرة شاهين الذاتية.

كانت أيضا شواطئ المدينة الساحرة إحدى العلامات المميزة في الأفلام خلال فترتي الخمسينيات والستينيات فقد شهدت العديد من قصص الحب الرومانسية في الأفلام وقتها وكانت الإسكندرية هي الاختيار الأول بالنسبة للمخرجين في الوصف والتعبير عن حالات الحب والعشق، فمن أهم هذه الأفلام “شاطئ الذكريات” عام 1955 إخراج عز الدين ذو الفقار الذي جمع في أحداثه شاطئ أبي قير بين شادية وعماد حمدي، وفيلم “الزوجة رقم 13” للمخرج فطين عبد الوهاب عام 1962 وخلاله شهد شاطئ فندث البرويفاج قصة حب شادية ورشدي أباظة، وفيلم “أبي فوق الشجرة” عام 1969 للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ونادية لطفى وميرفت أمين وإخراج حسين كامل الذي تم تصويره في شواطئ المنتزه وسيدي بشر، وفيلم “حبيبي دائما” عام 1981 الذي جمع بين العاشقين نور الشريف وبوسي ومن إخراج حسين كمال والذي تم تصويره في شاطئ العجمي.

وعلى مستوى أفلام التسعينيات التي ظهرت خلالها شواطئ المدينة الساحرة يأتي في المقدمة فيلم “أيس كريم في جليم” للمخرج خيري بشارة عام 1992 في مشاهد نهايته التي ظهر خلالها عمرو دياب وفرقته الغنائية وقاموا بتقديم أغنية “أيس كريم في جليم” على شاطئ ستانلي، وبعدها بأعوام قدم الكاتب بلال فضل والمخرج علي رجب فيلم “بلطية العايمة” في 2008 تلك السيدة السكندرية الفقيرة التي قاومت مخطط مجموعة من المستثمرين للاستيلاء على شواطئ الاسكندرية وتحديدا منطقة المكس وطرد الصيادين والفيلم بطولة عبلة كامل ومي كساب وإدوراد. 

وأيضا ميناء الاسكندرية كان حاضرا في العديد من الأفلام السينمائية التي دارت أحداثها فيه وكان أحد أبطالها، ومن أشهر تلك الأفلام التي دارت في الميناء كان “صراع في الميناء” إخراج يوسف شاهين عام 1956 وشارك في بطولته فاتن حمامة وعمر الشريف وأحمد رمزي، وفي نفس العام أيضا فيلم “رصيف نمرة خمسة” بطولة فريد شوقي وهدى سلطان ومحمود المليجي ومن إخراج نيازي مصطفى، وفيلم “بئر الخيانة” للمخرج علي عبد الخالق وبطولة نور الشريف وعزت العلايلي عام 1987 وفيلم “الظالم والمظلوم” لنور الشريف ومن إخراج حسام الدين مصطفى عام 1989.

وكان هناك أفلام أيضا قدمت البطولات المصرية لسلاح حرس الحدود والبحرية المصرية والتي صورت بالكامل في الاسكندرية على غرار “الطريق إلى إيلات” للمخرجة إنعام محمد علي عام 1993 والذي دارت أحداثه عن دور الضفادع البشرية في اسقاط المدمرة إيلات الإسرائيلية أثناء حرب الاستنزاف، وأيضا فيلم “يوم الكرامة” إنتاج 2004 ومن إخراج علي عبد الخالق، وقديما تواجد فيلم “اسماعيل ياسين في الأسطول” الذي كان من أوائل الأفلام المصرية التي تناولت سلاح القوات البحرية في الاسكندرية إنتاج عام 1957 وشارك في بطولته اسماعيل ياسين وأحمد رمزي وعبد المنعم إبراهيم وزهرة العلا ومن إخراج فطين عبد الوهاب.

وعلى مستوى سينما الألفية الجديدة قد يكون عدد الأفلام التي كانت الاسكندرية محور أحداثها أقل عن الماضي لكن ظلت المدينة حاضرة بقوة في العديد من التجارب على غرار فيلم “ميكروفون” للمخرج أحمد عبدالله، ومن بطولة خالد أبو النجا ويسرا اللوزي الذي دارت أحداثه عن الفرق الموسيقية في الاسكندرية وتم تصوير الفيلم بالكامل هناك، ويتواجد أيضا فيلم “صايع بحر” الذي يعد من أكثر الأفلام المصرية الحديثة نسبيا التي ظهرت خلاله الإسكندرية بشكل مميز وهو من بطولة أحمد حلمي وياسمين عبد العزيز ومن إخراج علي رجب وإنتاج عام 2004.

وعلى مستوى أفلام الأعوام الأخيرة كان الفيلم الأبرز الذي دار في مدينة الاسكندرية “حرب كرموز” الذي شارك في بطولته أمير كرارة ومحمود حميدة وغادة عبد الرازق ومن تأليف وإخراج بيتر ميمي ومن إنتاج عام 2018 ومن قبله فيلم “بتوقيت القاهرة” عام 2015 للمخرج أمير رمسيس ومن بطولة نور الشريف وميرفت أمين وسمير صبري.