كان سجنا يا أبى

كان سجنا يا أبى
كان سجنا يا أبى

لم تكن نصيحة يا أبي، بل سجن ألقيتنى فيه بجوار شقيقتي، تركتنا نعاني، نصرخ، بلامجيب.

كانت كلماتك عن الصبر هى الدواء المر الذى عشنا من أجله، لكن فى الحقيقة لم أتحمل ويلاته، قررت المغادرة، اخترت الحرية عن السجن، وكانت النتيجة أننى عدت إليك، مكسورة، مهزومة، ابنة مشوهة، معدومة الإحساس، وغير قادرة على إدراك ما مررت به من معاناة..

أما شقيقتى الصغيرة الجميلة فقد تحملت، ارتضت بأبواب السجن، واعتادت على أقفاله، حبست دموعها، وقررت استكمال حياتها، زوجة خانعة فى بيت يملؤه الرعب والقسوة..

نهاية يا أبى لم يكن أمامنا سوى خيار واحد، اخترت أنا المغادرة، نلت الطلاق، فى حين ارتضت شقيقتى بالبقاء.. حضرت إلى بيتك يا أبي، لبدء مرحلة علاج لعودة الحياة الى جسدى من جديد، فهل ستعينني؟،

أم ستمارس ضغطك على وتجبرنى على العودة إلى سجن كسرت أقفاله بإرادتى، وأصبحت من بعده حرة طليقة؟!.

فى عام ٢٠١٧، كان بيت العائلة بإحدى قرى محافظة البحيرة، على موعد مع لقاء ودى مع أسرة من قرية تبعد عن بيتنا عشرات الكيلومترات، أخبرتنى والدتى أنا وشقيقتى وقتها، أن هذا الضيف هو صديق أبي، كانت بينهما تجارة، وابتسمت الحياة لهما فحققا الملايين، لكن أضاع أبى أمواله فى تجارة أخري. 
علمنا من والدتى أنه لقاء لعودة العمل بينهما، لكن كيف وأبى مفلس؟،

توقعت أن تكون هناك تنازلات، وفى هذه الحالة سيقدمها أبى طواعية، فهو لا يملك من حطام الدنيا سوى أنا وشقيقتى الصغيرة. 

حضرنا اللقاء، وكان الهدف المعلن عودة العلاقات، أما الهدف الغائب والذى لمسته بعيني، فهو جلسة تعارف بين نجلى الضيف وبينى وشقيقتي. 

كانت نظرات الجميع وحديثهما يدور حول كلينا، الكل يغمز ويهمس ويلقى كلمات المحبة جهرا وسرا. 

أدركت وقتها أن الهدف هو الارتباط، بين نجليه وأنا وشقيقتي.. انتهى اللقاء، وتم الاتفاق على موعد آخر، لكن للأبناء فقط ، دون أبويهما. 

وجدت والدتى بعد اللقاء تهرع إلى غرفتى مصطحبة شقيقتي،. لمحت ابتسامة أمل فى عينيها، كانت تريد أن تخبرنا بشىء، فى الحقيقة كنت أعلمه. 

جذبتنا بقوة بيديها إلى حافة الفراش، أجلستنا، نظرت فى عين شقيقتى الصغيرة، ثم قالت كلمتها الشهيرة .. «نفسى أفرح بيكم قبل ما أموت.» 

فى هذه اللحظة احتضنتها، أنا أعلم حقيقة مرضها «الخبيث» ثم همست فى أذنيها وهى بين ذراعى «ربنا يخليكى لينا ويمد فى عمرك .. إحنا صغيرين.. ولسه حانكمل تعليمنا». 

وتابعت: «مازلنا يا أمى نستكمل دراستنا، تبقى لى عام على التخرج من كلية الآداب، وشقيقتى مازالت فى المرحلة النهائية من الدبلوم.» 

رمقتتى أمى بنظرة تعجب، أدركت أننى أعرف مغذى كلامها، ثم بدأت فى سرد روايتها. 

قالت: «الضيف كان صديقا لوالدكم، وكثيرا ما وقف بجوارنا فى أزماتنا، ولم يبخل علينا بشىء عندما احتجنا له». 

وتابعت: «هو الآن جاءنا زائرا ونسيبا، طلبكما للزواج من نجليه، اتفق مع والدكما على أن تكون الزيارة القادمة خاصة بكما وبابنيه فقط». 

 وحتى لا تزداد حيرتكما، اختار الضيف، صغيرتى أسماء لابنه الصغير وكبيرتى وحبيبة قلبى هناء للابن الأكبر وهذا الامر كنا متفقين عليه قبل اللقاء ..

مطلوب منكما الجلوس معهما والاستماع إليهما، وربنا يقدم ما فيه الخير». 

كانت أمى حريصة على تتبع رد فعلنا بعدما أخبرتنا بالمفاجأة، اخترت أن أبدى لها ابتسامة الراحة، فى حين أن شقيقتى كانت سعيدة..

ولا أعرف ما السبب؟،

قد يكون جذبها وسامة الابن الأصغر، تبادلت معه النظرات خلال جلوسنا فى أول لقاء، أما أنا فكنت فى دهشة من أمري، أخذ عقلى يجول يمينا ويسارا ويتساءل فى حيرة من أمره، ليس هكذا أتزوج، أريد أن أعيش قصة حب، أنا لا أفضل زواج الصالونات أو المصالح، وكثيرا ما كنت ألوم من تتزوج بهذه الطريقة. 

أخذ لسانى يردد هكذا دون أدري..

كان يقول بصوت خافت بداخلى «أنتِ فتاة تملكين قلبا، ويجب أن تحظى بكثير من الحب». 

المهم جاء الموعد المحدد، حضر الشابان الشقيقان إلى بيتنا، جلسنا معا، بعدها تركتنى شقيقتى ومعها الابن الأصغر، وذهبا إلى مكان آخر فى الشقة، فى حين جلست مع الابن الأكبر بمفردنا. 

حقيقة لم أنجذب إليه، وفى نفس الوقت لم أكره الجلوس معه، لكنه كان يبادلنى نظرات غريبة، رأيت طمعا فى جسدي، وليس حبا لي. 

شعرت أنه يبحث عن إشباع رغباته، وأنه وجدها معي، فأنا بالنسبة له،. فتاة جميلة، بيضاء، ذات قوام ممشوق، وعينين تعكسان ضوء الشمس. 

كونت وجهة نظر سريعة عنه، وأخبرت والدى بما شعرت ناحيته. 

قلت لأبي: «ليس هذا الشاب الذى أختاره زوجا لي، فهو ذو تعليم متوسط، ارتضى بالعمل فى الأرض الزراعية ولم يبحث عن وظيفة تليق به. 

حاورته وتبادلت معه وجهات نظر حول الكثير من الأمور، لكن ردوده كانت سطحية، يرفض عمل الزوجة، يريدها ربة منزل تنفذ أوامره فقط، يتحدث كثيرا عن نفسه والأطيان التى يمتلكها والده، وجدته ماديا يعشق المال والسلطة.. حقيقة يا أبى لا يصلح لى زوجا. 

كان رد فعل أمى قويا، وجدتها تصرخ فى وجهي، وتتهمنى بالتكبر، أما والدى فكان صامتا، لمست الحزن فى عينيه، لكن رغم ذلك طلب الجلوس معي، بعدها أخبرنى أن راحتى ستكون فى هذا البيت، فهذا الضيف ليس لديه سوى هذين الشابين، ستجلسان أنت وشقيقتك فى نفس البيت، ستكونين أنت صاحبة الأمر والنهى فيه بصفتك الكبيرة. 

وتابع والدي: «هذا الرجل كريم، وقف بجوارى كثيرا، وبيننا عمل قادم، وعدنى أنه سيساعدنى على إعادة اموالى التى خسرتها قبل ذلك». 
وأضاف «اقبلى يا ابنتي.. اتركى لعقلك يختار، أما قلبك سيأتى موعده.. أنا اعلم ذلك جيدا». 

تركنى أبى واستلمتنى أمي، وجدتها تبكى بغزارة، تنظر إلى صورتى وشقيقتى بحنين، اقتربت مني، ثم أخبرتني، أن أيامها فى الدنيا معدودة على الأيدي، المرض الخبيث بدأ يلتهم جسدها، هى تريد أن تطمئن علينا، خاصة شقيقتى الصغيرة. 

قالت: «يا ابنتي.. شقيقتك لا تدرى شيئا عن المسئولية، كونك بجوارها هذا يطمئنني، القدر قال كلمته، وجمعكما معا فى بيت واحد». 

رجاء، وافقي.. وكونى أما ثانية لشقيقتك.. وهذا جميل ومعروف لن أنساه». 

مرت الأيام وأنا فى حيرة من أمري، كانت نظرة الحزن التى ترتسم على وجه أبي، وابتسامة الأمل فى عين أمي، تقتلنى فى اليوم مائة مرة. 

لم أستطع تحملهما، وافقت على الزواج، واخترت طاعة أبى ورضا أمى فوق ما يبغيه قلبي. 

لكن ما حدث كان أكبر مما توقعت، دخلت باب جهنم بيدي، وجدت وحشا يسكن بيتي، لا يعرف عن الزواج سوى إشباع شهوته فى بضع دقائق، ثم يتركى كالحيوانة ملقاة على الفراش. 

كان يضربنى عندما أطلب منه ان يعاملنى كزوجة تبحث عن الحب، كنت بالنسبة له جارية، مطلوب منها أن تقول حاضر ونعم فقط غير ذلك مصيرها الضرب والإهانة والعزلة فى حجرتها. 

كنت أعيش مع زوج يبحث عن سى السيد بمفهومه الخاطئ، أما مشاعر زوجته، رضاها، مشاعرها لم تكن فى حسبانه. 

حاولت تغييره، لكنه كان ابن امه، كانت تسيطر عليه كليا، هو أداة فى يدها تحركها كيفما تشاء، كنا بالنسبة لها أنا وشقيقتى خدما، تحرض أبناءها على ضربنا وإهانتنا كلما شعرت بابتسامة الفرح ترتسم على وجوهنا. 

أكثر ما كان يؤلمنى أننى كلما اشتكيت لأبي، كان يلقى كلمات الصبر علينا، يخبرنا ان الوضع سيتغير كثيرا بعد أن يرزقنا الله بأبناء. 

لم يدرك والدى حجم المأساة التى كنا نعيشها، كنا فى سجن حقيقة، وحمدت الله على أنه لم يرزقنى بأطفال من هذا الزوج. 

المهم أننى لم أتحمل كل هذه المعاناة، صرخت فى وجه الجميع، طالبتهم بأن يعاملونى كإنسانة، وليس جارية وخادمة لهم. أخبرتهم أننى من أسرة كريمة، وذات تعليم عال، ومثقفة لكنهم كانوا صما بكما. 

لم أستطع التحمل، طلبت من زوجى الطلاق، أخبرته أمام أبويه أننى لا أرغب العيش معه، نعته بالحيوان الشهواني، الذى يجب أن يكون مصيره الحظيرة. 
قام بضربى وإهانتي، وأجبره والده على إلقاء يمين الطلاق علي، والحمد الله تخلصت من هذا الجحيم. 

أما شقيقتى فكانت تصرخ مثلي، تشتكى لي، تطلب منى ألا أخبر والدتى بما تعانيه، لكنها اضطرت بسبب الحمل أن تتحمل ويلات ما تعانيه فى هذه الأسرة.. ورغم ذلك لن أتركها. 

نهاية يا أبي.. أعطيت لنفسى فترة للراحة، واستجماع قواي، بعدها سأنفجر فى وجه الجميع. 

سأكشف عن معاناة جسدى من هذا الزوج، فى وقت أنت كنت فيه صامتا، وسأقاضيه فى المحاكمة. 

سأجعله لا ينام، سأخلق فى عقله حيرة وقلقا كما عايشنى منذ زواجنا. 

لكن يا أبى اعذرنى لن تجدى معى كلمات الصبر أو العفو من أجل شقيقتي، كل منا يواجه مصيره، فهى تعانى لكنها صامتة ارتضت بالوضع الذى تعيشه حاليا، أما أنا فلن أترك نفسى فريسة لزوج قاس يعاملنى كخادمة وجارية، وإناء لإشباع شهواته ورغباته البشعة.

وبعد أن استجمعت الفتاة قواها، وقصت لوالديها ما عانته فى هذا المنزل، توجهت لمحكمة الأسرة وأقامت ٤ دعاوى ضد الزوج ما بين متعة وتبديد منقولات ونفقة.. ومازالت القضايا متداولة فى محكمة الأسرة بدمنهور.

إقرأ أيضاً|ضبط 2390 عبوة سجائر مجهولة المصدر بالقليوبية