سهير الدمنهوري: 30 يونيو ثورة شعبية حماها الجيش لتمنحنا الأمل «فى بُكره»

■ د.سهير الدمنهورى أثناء حوارها مع «الأخبار»
■ د.سهير الدمنهورى أثناء حوارها مع «الأخبار»

أجرت الحوار:  منى الحداد

الإخوان «مش رجالة».. واتخذوا النساء والأطفال دروعا فى»رابعة»

الجماعة «لعبت» فى قوانين الأسرة وتدخلت فى أعمال الوزارات
حزنت لما قاله د.مبروك عطية والوعظ لا يكون بالتهكم والسخرية
الحوار مطلوب فى كل الأوقات ونحتاج إلى خطاب إعلامى جديد
غياب.. «كبير العائلة» كارثة.. وننتظر قانونًا متوازنًا للأحوال الشخصية

علم الأنثروبولوجيا أحد أهم العلوم فى العالم وأخطرها، حيث انبثق هذا العلم من عباءة الـ (السى أى إيه) وكالة الاستخبارات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث قامت بتدريب باحثين أمريكيين حتى أصبحوا علماء، وفى المكان الذى تريد الولايات المتحدة احتلاله ترسل إليه باحثيها لمعرفة كل خبايا وأسرار هذا المكان، فمن خلال هذا العلم تسعى الولايات المتحدة لمعرفة نقاط الضعف والقوة، ومن خلال نقاط الضعف تنفذ إلى أماكن كثيرة مثل تلك التى تضع يدها عليها الآن.

هذا العلم يهتم بالتعرف إلى سلوكيات الإنسان وتراثه على مختلف العصور والأزمنة، وذلك من خلال التعرف على تفاعلات الإنسان اليومية فى كل المجتمعات مع اختلاف الزمن، وذلك قد يفرض على الباحث ضرورة المعايشة فى داخل الجماعات البشرية والتعامل معهم ومحاولة التأقلم فيما بينهم.
هذا ما عايشته مع د.سهير الدمنهورى، خبيرة المرأة فى المجلس القومى للمرأة سابقا، وأستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا جامعة حلوان، أثناء دراستها للمجتمعات القبلية، حيث قضت 42 سنة من عمرها فى صحارى مصر، وتقول د.سهير إن أجمل ما فى هذا العلم هو أنه جعلها تدرس الجانب الطبى الطبيعى والفسيولوجى والجانب الاجتماعى.

ولأنها منوطة بدراسة الأسرة المصرية والمشكلات والعلاقات الاجتماعية وفكرة الطلاق التى تنتشر فى كل وقت، فقد استطاعت ربطها بالتغيرات التى تحدث فى المجتمع، وبالتالى تصبّ فى الأسرة أول شىء، وتقدم د.سهير صورة تشريحية لأبرز الصور السلبية فى مجتمعنا وطريقة علاجها.. وإلى نص الحوار.
 

بداية.. كيف أثرت 30 يونيو فى الحياة الاجتماعية بمصر والدول المحيطة؟

فى أكتوبر 2010، وبعد انتهاء فعاليات مؤتمر بليبيا نزلت إلى السوق فلفت نظرى وجود شاب يقف أمام (فاترينة) يعرض بها ساعات على حائط مبنى مخصص لمحلات الذهب..

تحدثت معه وعرفت أنه ينتمى لإحدى القبائل وحاصل على مؤهل بكالوريوس تجارة جامعة الإسكندرية لكنه لم يجد وظيفة، لأنه لا ينتمى إلى قبيلة القذافى والتى كانت مهيمنة على جميع الوظائف بدواوين الدولة.

فى ذلك التوقيت كانت الثورة التونسية قد بدأت بجانبه غربًا، ثم قامت بعدها بأسابيع فى مصر شرقًا، فأيقنت أن ليبيا دورها قادم، وأن الكبت والتمييز هو الذى يولد الانفجار.

وثورة 25 يناير كانت الشرارة وكأنها عامل فتح الباب، ولكن ليس على آخره لأنه لم يكن يعرف ما الذى وراءه وقتئذ، ضغط الشارع بقوة فانفتح الباب على مصراعيه، وانطلقت الناس إلى الشوارع فى كل مكان، ربما مصر كانت أكثر دولة شهدت مثل هذا الانفجار حتى أكثر من تونس التى لاتزال حتى يومنا هذا تعانى من كوارث لم يتخلصوا منها بعد، بينما نحن تخلصنا من كارثة الإخوان الذين وضعوا أيديهم على الحكم بشكل أو بآخر، ولم يكن ذلك دون الحماية التى وفرها لنا الجيش الذى وقف بجانبنا وحمى ظهورنا عندما استمع إلى مطالبنا بتدخله، لذلك فإن 30 يونيو ثورة شعبية مهمة جدا بالنسبة لنا، لأنها ساعدتنا وأعطتنا القوة والأمل فى «بُكره» بأننا لن نسكت ولن نتخاذل ضد أى معتد على حقوقنا.

«مش رجالة»!

ولكن برأيك.. متى بدأ سقوط الإخوان اجتماعيًا من قناعات الناس؟

عندما بدأوا فى «اللعب» وتغيير قوانين الأحوال الشخصية، ثم تدخلوا فى شغل الوزارات خاصة وزارة الثقافة المنوطة بالفنون، لأن الفنون مرفوضة فى فكرهم ومنهجهم، وكون أننا رفضنا هذا المنهج إذن نحن ضدهم ورافضون لسياساتهم، هذا فضلا عن استخدام الإخوان لأضعف فئتين بالمجتمع وهما أطفال الجمعيات الشرعية والنساء ليكونوا الدرع الواقية لهم.. بأى منطق؟!

أعتقد أن هذا المشهد كسر الإخوان وهم غير مدركين، فهم كسروا أنفسهم بأنفسهم وشوهوا منهجهم عندما أعلنوا للناس أنهم «مش رجالة»، الرجل لا يختبئ وراء طفل أو امرأة، كما أثبتوا أنهم يعيشون تناقضا كبيرًا، فهم يقولون إن المرأة لا بد أن تُغطى، وأن عالمها الداخلى هو المنزل، وليس من حقها أن تنزل وتشارك فى العمل العام، بينما استخدموها فى ميدان رابعة، ووضعوها فى الصف الأمامى تحسبا إذا حدث اشتباك تتلقى هى الضربات فتموت، ولكن هم رجال لا يموتون!..

لنتذكر أياما فى 1905م عندما جاء قاسم أمين من فرنسا بفكره المستنير الذى جعل المرأة تشارك فى العمل العام وأن يكون لها دور فى المجتمع، كما رأى المرأة الفرنسية وهى تعمل جنبًا إلى جنب الرجل، فى ذلك الوقت كان الإخوان موجودين وهاجموا قاسم أمين بشدة وكتبوا على كل حوائط شوارع مصر «اليوم الأسود» وتهمته الوحيدة أنه طالب بحقوق إنسانية للمرأة!..

كل هذا يظهر قمة التناقض عند الإخوان وهذه التناقضات هى التى كسرتهم لذلك رفضهم الشعب.

بالتدريج!

كيف ترين مكتسبات المرأة منذ 30 يونيو حتى الآن؟

حصلت على مكتسبات ولكن بالتدريج، لأن المجتمع فى ذلك الوقت عايش فترة ليست لطيفة.. نحن خرجنا من سنة حكمنا فيها الإخوان وقبلها 25 يناير وما بعدها، كان اقتصادنا تقريبا متوقفًا، وبالتالى المرأة لم تصل إلى شىء مباشرة، لكن بالتدريج من 2014 حتى اليوم بدأت المرأة تحصل على حقوقها..

فى البداية دخلت فى سلك القضاء، تحديدًا قضاء الأحوال الشخصية وكانت منوطة بمحكمة الأسرة، وعلى استحياء شديد تمت الاستعانة بالمرأة كوكيل نيابة فى الطب الشرعى، ولأنها أثبتت جدارتها زاد عدد المرأة فى هذا المجال. فى العهد الماضى كانت حقائب بعض الوزارات مثل التضامن الاجتماعى والبيئة هى فقط مخصصة للمرأة، لكن بعد ذلك دخلت المرأة إلى وزارات أخرى مثل الاستثمار والسياحة..

تقريبا 7 وزارات يترأسهن سيدات، هذه مكتسبات مهمة جدا، الدولة تدعم بها المرأة فى مجالات مختلفة، فضلاً عن أن المرأة تدرجت فى مناصب داخل الوزارات وهذا كان ممنوعا عليها، وأصبحت أيضا تشغل منصب المحافظ ونائب للمحافظ، كل هذا يعد داعما كبيرا للمرأة المصرية التى أثبتت جدارة فى مكانها.

عادت لتنتقم!

فى الآونة الأخيرة بدأ النقاش حول قانون جديد للأحوال الشخصية.. ما الذى تتمنينه فى هذا القانون؟

أتحفظ على هذا القانون، لأن المرأة فيه وكأنها عادت لتنتقم! المرأة من قبل كان حقها مهضوما، وكانت محرومة من حقوق كثيرة جدا فى حياتها، وقضايا الطلاق كانت تستمر فى المحاكم لسنوات طويلة جدا، ثم فى لحظة يتم الاعتراف بهذه الحقوق، ولو كانت على فترات زمنية معينة، النتيجة أن المرأة ستستخدم هذه الحقوق بشكل خاطئ وهوجائى، لأنها ليست مهيأة نهائيا.

وماذا إذا كانت الشريعة الإسلامية هى التى تكفل للمرأة تلك الحقوق؟

حتى وإن كانت الحقوق شرعية، فكرة الانتقام ستظل موجودة فى ذهنها طوال الوقت بسبب كثرة ما شعرت به من حرمان وغبن وقع عليها، فمثلا، قضية تبديد المنقولات، لا أستطيع أن أستوعب كيف للمرأة أن تتجنى على الزوج والد أبنائها، المشكلة عبارة عن وجود خلاف فكرى بينهما، إذن لابد من التعامل مع الأمر على نفس المستوى، ولكن لا أتجنى عليه.. للأسف المرأة سواء كانت غنية أم فقيرة أم متوسطة الحال، كلهن يرفعن قضية تبديد عفش، والسبب أن القانون أعطى لها هذا الحق.

وهناك مشكلة أخرى وهى طرد الزوجة للزوج من الشقة لأنها لا تريد أن تعيش معه، إذن الأمر يجب أن يكون بالحسنى لأن هناك أولادا فيما بينهما.

خطأ مشترك

ولكن هناك حالات كثيرة يكون الرجل مخطئًا والمرأة لا تتجنى عليه؟

حتى وإن كان مخطئا، فالمرأة أيضا تقاسمه الخطأ، أين نحن من قضية القيم الأخلاقية داخل الأسر المصرية؟..

زمان نحن تربينا على أن الرجل رجل وبالتالى لا يستقيم أن تكون المرأة ندًّا له وتهدده فى حياته الزوجية والأسرية وفى علاقته مع أولاده كما يحدث اليوم..

للأسف هناك سيدات يتكلمن بالسوء عن الآباء لأولادهن، وحتى وإن كان هذا صحيحا فلا يحق لها أن تفعل ذلك..هى تنزل إلى أدنى مستوى أخلاقى، والسؤال هنا للأمهات: كيف تربين ابنك أو بنتك؟ لو الأم طلبت من ابنها أن يحترمها، فهو بالتالى سيحترم زوجته لأنها صورة المرأة الذهنية عنده، ومن ثم ستنتقل هذه الصورة الذهنية من أمه لخالاته ولعماته ولجداته ولزوجته وأخيرًا لبناته، هل تعلمين أننا لدينا حالة طلاق كل دقيقتين ونصف الدقيقة!..

هذا بسبب عدم وجود وعى ثقافى ولا وعى فكرى.

لجنة متوازنة

إذن..ألا يوجد ما تنتظره المرأة المصرية من قانون الأحوال الشخصية؟

لابد من موازنة الأمور بشكل صحيح فى المشكلات المرتبطة بالأسرة المصرية والتى تهتز من أقل شيء سلبى يطرأ عليها..

لابد أن أشعر بمعاناة الاثنين، فكما توجد سيدة مقهورة ومغلوبة على أمرها، يوجد رجل مقهور ومغلوب على أمره، وهذا نموذج رأيته كثيرا..

وكما توجد بنت لم تحصل على تربية صحيحة فى بيت أهلها، يوجد شاب تربى بشكل جيد فيتزوجها.. لك أن تتخيلى حجم المصائب التى ستقع على رأس هذا الشاب..

أنا لا أعترض على القوانين، ولكننا لدينا خلل فى صناعة القانون، وأتمنى ألا تكون اللجنة المشكلة لصياغة القانون قانونية فقط مثل كل مرة، لأن القانون الذى يخص الأسرة المصرية لابد أن يشارك فيه مستشارون من كل تخصصات كالأنثروبولوجى والاجتماعى والنفسى والتربوى مع التخصص القانونى حتى يتحقق التوازن.

لماذا يشعر الرجل أن القوامة قد انتقلت منه إلى المرأة؟

بعض الناس عندما رأوا فيما يتعلق بأمور الأحوال الشخصية أن المرأة تتجنى على الرجل فى أى وقت تريده لأنها تضمن أن القانون فى صفها انسحبت هذه الفكرة على الأعمال والأشغال التى تقوم بها المرأة داخل دواوين الدولة..

مثلا: لو أن مديرا عاما كان امرأة وبالتالى يعمل تحت رئاستها رجال وسيدات، إذا أخطأ رجل واستحق عقابا وفقا للقانون سيرفض الرجل هذا العقاب لأنه من امرأة، ثم يذهب إلى منزله فيرى امرأة تنتظره، بالتالى يشعر كأنه محاصر على الرغم أن ست البيت هى التى تديره وهذا من زمان، لكن كون الإدارة أصبحت لامرأة داخل العمل أصبحت صورة مرفوضة لديه، ومن ثم لا يريد أن تنتقل فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فى العمل وفى الأدوار وفى المكانة لأننا نسعى إلى المكانة الاجتماعية فى النهاية.

صورة ذهنية

لماذا نجد أن النموذج السلبى فى المجتمع هو الأكثر جذبا للناس عن الإيجابى؟

هذه أهواء شخصية ورغبات ذاتية، فالطفل عجينة تشكلها الأم كما تريد إذا أرادت تشكيله على نموذج محترم لتفتخر به عندما يكبر ستفعل ذلك أو أنها تشكله على حالة من البلطجة، ظنا منها أنه بذلك سيعرف كيف يأخذ حقه عندما يكبر ولا يكون صورة منها فى الماضى الذى ترى نفسها فيه ضعيفة ومقهورة..

إذن هذه هى القضية الرئيسية، الأم عندما كانت مقهورة وتخضع لسلطة أبوية فى بيتها ثم انتقلت هذه السلطة من الأب أو الأخ إلى الزوج، أصبحت تربى ابنها أو بنتها من خلال هذه الصورة حتى لا تكون مثلها.

ما نراه من صور سلبية متعددة فى المجتمع الآن كحالات عنف أسرى وانتحار.. من وجهة نظرك ما الأسباب؟

أولها غياب دور الأسرة فى ظل التحولات التى تمر بها المجتمعات الإنسانية ممثلة فى الإنترنت الذى اخترق حياتنا، والأفكار المدسوسة فى وسائل الإعلام المختلفة وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى..

كل هذه الأفكار تلعب دورًا خطيرًا لأنها تشكل عقولنا وليس البيئة التى نعيش فيها فقط، المدرسة والنادى وحتى الحزب السياسى تراجع تأثيرها أمام المؤسسات الإعلامية والتى تلعب دورًا خطيرًا فى تشكيل وجدان الناس وأفكارهم وسلوكياتهم وثقافتهم وعلاقتهم ببعضهم البعض.

للأسف نحن فى ظل منظومة بدون كنترول قوى ولا توجد مراقبة من الدولة، وإذا كانت الدولة دخلت فى ظل الرأسمالية فليس معنى هذا أن دورها يغيب عن كل مفاصل الدولة، كما غاب أيضا دور الأسرة.

العبث المجتمعى!

البعض يرى أن غياب دور الأسرة يرجع إلى الحالة الاقتصادية.. كيف ترين هذا الطرح؟

غياب دور الأسرة هنا من منطلق الحديث عن الحريات التى تطالب بها الناس، ولكن ليس معنى هذا أن أطغى على حرية الآخرين وأتسلط وأتجبر وآتى بأفعال تغضب الله هذا إذا كنت متدنية وأعرف دينى جيدًا، سواء أكنت مسلمة أم مسيحية، المهم أننى أرجع فى كل كبيرة وصغيرة إلى الله..

هذه هى القضية المهمة..

ما نراه اليوم من عبث مجتمعى واختلاف ثقافات دخلت على مجتمعنا فقطعت علينا كل أواصر العلاقات الاجتماعية المحترمة بين الآباء والأمهات، والأبناء بعضهم البعض، وكذلك بين الأزواج بعضهم البعض، والأقارب فى العائلة الكبيرة الممتدة..

قبل هوجة وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المختلفة التى بدأ ظهورها فى التسعينيات كنا محافظين على أمور مهمة وذات قيمة فى حياتنا مثل: «الكبير» سواء كان رب الأسرة أو مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهنا أشير إلى فكرة «الرمز» وإلى أى مدى كانت له كاريزما مؤثرة والدليل جنازته المهيبة التى خرج فيها كل أفراد الشعب الذين كانوا يبكون رحيله. 

غابت عنا فكرة «الكبير».. كما أتذكر أن المدرسة كانت لها زمان دور كبير فى تهذيب السلوك. لقد تعلمت فى مدرستى سلوكيات قويمة علمتها لأولادى فيما بعد لكن اليوم نجد مسئولين داخل أسرنا لا يعطون أى توجيهات لأولادهم إذن فاقد الشىء لا يعطيه.

الخطاب الإعلامى

إذن كيف نستعيد دور الأسرة المصرية من جديد؟

الأب والأم بالنسبة لى هما النموذج الذى لا بد أن يُحترم فى البداية ومن لا يحترمهما لن يحترم أحدا، لذلك دائما أحرص على مطالبة الأمهات والآباء بضرورة الحفاظ على المسافة الاجتماعية بينكم وبين أولادكم لتضمنوا احترام أبنائكم لكم وتضمنوا أنكم تربون أسرًا جديدة ستأتى بزواج الأبناء. فكر الغرب الذى اقتحم حياتنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى الناس تمسكت بقشوره وهى الثقافة الغربية المتحررة واحتذت بها وتركنا أجمل ما فيه وهو احترام العمل ،والنشاط، والجد، والضمير فى العمل والعلاقات الاجتماعية، والتطور التكنولوجى وغيرها من الأدوات التى تعلى من شأننا وتجعلنا فى مصاف الدول المتقدمة..

إذن نحن نحتاج إلى خطاب إعلامى جديد دارس الثقافة بشكل صحيح، شخص يعرف ثقافة المجتمع الريفى وحدودها.

ولدى شىء آخر اسمه التنشئة الثقافية وهى تختلف تماما عن التنشئة الاجتماعية، ومعناها أن الأم والأب يربيان الأولاد حتى 15 سنة والتى يكون فيها الطفل قد كون ملامح شخصيته، لكن عندما يكبر ينتقل الطفل من عالم أسرته وأقاربه إلى عالم الجامعة وهو عالم تفتح الثقافات المختلفة التى يكتسبها ثم ينقلها إلى داخل أسرته مما يسمى بالتنشئة الثقافية إلى والديه، فمصر لن تتطور التطور الذى نحلم به جميعا إلا بتطوير الأسر بشكل صحيح، لأن الأسر هى نواة المجتمع وإذا أردنا تطوير الأسر فعلينا أن نخدمها بشكل صحيح.

كصورة من صور العبث المجتمعى الذى سبق أن أشرت إليه.. ما تحليلك لما حدث فى المنصورة؟

مجتمعنا تقدم بعض الشىء، لذلك أصبح شبه تقليدى، من ثم فى المجتمعات التقليدية أى حدث حتى ولو لم يكن ذا أهمية كبيرة فى حياة المجتمع بشكل عام ولكن يخص فئة صغيرة من فئاته لا بد أن يحدث ضجة كبيرة جدا لأن هذه المجتمعات نادرا ما تقبل أن يحدث أن فتاة تذبح فى وضح النهار وأمام جامعتها ووسط حشد كبير من الناس. إذن السؤال هنا من أين اكتسب الجانى جرأته؟ لا بد أن تكون هناك أسباب خفية وراء هذه الجرأة الفظيعة، خاصة أن خلفية هذا المجتمع ريفية بحتة إلا اذا كان هذا الشاب كان يثأر لرجولته، لأن الطفل الذى ينشأ فى المجتمعات الريفية وكذلك الصحراوية يتربى على أنه رجل بمعنى أن كلمته مسموعة حتى ولو كان عمره 6 أو 7 سنوات، فما بالك بشاب عمره 20 سنة، هو رجل يثأر لذاته ولنفسه وكونه عاشقا لزميلته وفى نفس الوقت جارته ويتمناها لنفسه ويذهب لطلب يدها أكثر من مرة ويُرفض منها ومن أهلها، إذن يوجد سبب خفى علينا جميعا لأنه كم من الناس الذين يتقدمون للزواج من فتيات ويرفضون، ولكنهم لم يفكروا فى مثل هذا الانتقام المريع..

لقد نسى ثقافته وأصبح لا يوجد أمامه فى صورته الذهنية لنفسه إلا أن رجولته جرحت ويريد الانتقام، والانتقام هنا له أشكال مختلفة.. فاختار أصعب حالة من الانتقام وهى الذبح أو الطعن وهو يعلم أكيد كونه طالبا جامعيا أن من قتل يُقتل، بالتالى هو لم يأبه لنفسه ولم يأبه لأسرته، ففكرة الثأر لنفسه هى التى كانت مسيطرة عليه.

ليس بالتهكم!

ما قاله د.مبروك عطية أحدث بلبلة أكبر للواقعة.. ما تعليقك؟

لقد حزنت.. لقد ذهبت إلى جامعة المنصورة عدة مرات وفوجئت أن مجتمع المنصورة الريفى «متفرنج» جدا لدرجة الاستفزاز وخاصة المظهر الخارجى لكثير من طالبات الجامعة اللاتى يبالغن فى ارتداء الملابس التى لا تصلح سوى للأفراح ويضعن مساحيق بشكل مبالغ فيه، وما عرفته من زملائى هناك أن هذا واقع، بالتالى أنا آسف لما قاله د.مبروك عطية لأننى أرى أنه لا بد أن نحترم وجهات نظر المجتمع..

بالنسبة لى الوعظ لا يكون بالسخرية ولا بالتهكم ومن ثم لا يجب تحويل الأمر من ثأر شخصى لأنه فى النهاية جريمة فردية إلى حالة مجتمعية، وأن البنات لابد أن يضعن عليهن غطاء كاملا، ليس من حقه أن يفرض على أحد شيئا حتى ولو أن الدين الإسلامى يأمر بذلك، لأن كل إنسان حر فى اختياراته..

إذن المجتمع الريفى دخلت عليه تحولات فظيعة ثقافية واقتصادية وبالتالى البيئة الريفية التى دخل عليها التفرنج والتحضر المادى غير المنظم وبدون ضوابط هذا يعد ناقوس خطر.

الحوار الوطنى

ما تقييمك لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى للحوار الوطنى؟ 

دعوة مهمة جدا، فالحوار مطلوب فى كل أوقات.. مثلاً أن أطالب بحوار بين أساتذة الجامعة والطلاب بعيداً عن المناهج الدراسية، وكما كنا نتعلم فى مدارسنا زمان السلوكيات والقيم الأخلاقية عن طريق الحوار مع المدرسين فى المدرسة الابتدائى وفى المدرسة الإعدادى، لأن فى هذه المرحلة يتشرب الطفل بأفكار مختلفة، فهو بيولوجيا يتطور وينمو بشكل معين، فالجانب البيولوجى مع الجانب الثقافى يخلق نمطا مختلفا عند طفل الابتدائى.

نحن نريد أيضا حوارا وطنيا داخل الأسرة المصرية، وعلى الأب أن يعرف  كيف يكون ديمقراطيا ويسمع للطرف الآخر، وليس معنى كونى أما أو أبا أن أفرض وجودى فى المنزل، فلابد أن أستمع للأبناء.

وماذا عن الحوار السياسى بمفهومه التقليدى؟

لفظ «السياسة» معناه تسييس الموقف وتسييس الإنسان، وهذا ينصب على كل شىء فى حياتنا، مثلاً على الأم أن تكون سياسية مع أولادها أولا وأن تفهم ما الذى يدور فى عقول أولادها ثم تسأل عن مطالبهم، بعدها توضح لهم إمكانياتها، ليشترك الأبناء معها فى الحل، و هذا شكل من أشكال الحوار السياسى، وهذا موجود فى كل مكان.

 وإذا كنا نريد الحديث عنه بشكل صحيح على مستوى المجتمع، فيجب ألا ننسى أى شريحة فى المجتمع لدينا، فليس معنى الحوار السياسى أن نتكلم فقط عن الأحزاب والانتخابات والعلاقات الدولية السياسية، فأنا أخشى من الموجود لدى فى الداخل، لأنه هو التحدى الأخطر والأقوى لأنه يمكن ان يهد كل ما لدينا من قيم أخلاقية، بينما التحديات الخارجية نحن نعلم جيدا ماهيتها وما هو آخرها، فمثلاً: لا أسمح لأحد أن يتكلم عن التفرقة بين مسلم ومسيحى، وأقول إن هذا حوار أديان، وبما أنى أقوم بحوار أديان إذن علىّ أن أحترم الأديان مهما كانت هذه الأديان حتى ولو كانت عقائد بلا دين.. لابد أن أحسب حسابها وهذه سياسة، فى نفس الوقت المجتمعات التى تعيش على الحدود أعمل لها ألف حساب وأشركهم فى الحوار السياسى الوطنى والدينى.

مناصب محظورة!

ما المكتسبات التى ممكن أن تحصل عليها المرأة من خلال مشاركتها فى الحوار الوطنى؟

أساس الحوار الوطنى التحدث فى كل ما أحتاجه على كل الأصعدة سواء سياسيا أو اقتصاديا أو غيره.. فإذا كانت المرأة تشعر بأنها مازالت تحتاج لزيادة عدد مقاعدها فى البرلمان إذن ستطالب بذلك لو أنها على المستوى المهنى تعرف أن هناك مناصب محظورة عليها ستطالب به، فمثلا، فى وزارة التعليم لدينا مشكلة أن رئيس الجامعة محظور على المرأة على الرغم أن المرأة أثبتت نفسها فى منصب نائب رئيس الجامعة، والنائبات اللاتى يزاولن عملهن فى كل جامعات مصر الحمد لله لم يواجهن أى مشاكل فجة.. هن يعرفن كيف يتخذن القرار لذلك لماذا لا تصل المرأة إلى منصب رئيس الجامعة!