حاضرة في الواقع وغائبة عن وعي الكثيرين.. «كوكتيل» أمراض نفسية يحرمك من الحياة

أمراض نفسية يحرمك من الحياة
أمراض نفسية يحرمك من الحياة

عبد الصبور بدر

الجهل بالعديد من الأمراض النفسية سبب فى تفاقمها، خاصة إذا كان المصاب نفسه لا يدرك ماذا يحدث له بالضبط ويشعر أنه يعيش فى جحيم لا يطاق، ويخضع لحالة مزاجية معتلة على الدوام، تجبره على الانسحاب من الحياة، فى الوقت الذى يقوم فيه بإيذاء نفسه، وقد يمتد الأذى إلى المحيطين به إذا تعاملوا معه.. ومن هنا فإن التوعية بتلك الأمراض من الأمور الضرورية سواء للمريض أو الأسرة، حتى يتم تشخيص الحالة، ومن ثم الذهاب بها إلى طبيب نفسي يحدد العلاج المطلوب قبل فوات الأوان..

وفى هذا التحقيق نضع على طاولة المتخصصين، أربعة أمراض حاضرة فى الحياة وغائبة عن وعى الكثير من الناس، لنتعرف على أسبابها، وأعراضها، وطرق علاجها.

 

«اكتئاب ما بعد الولادة».. أمومة معطلة
د. عمرو سليمان: العلاج يبدأ من الدعم الأسرى واستبعاد المفاهيم الخاطئة

 

ربما يظن البعض أن اكتئاب ما بعد الولادة من الأمراض الجديدة على المجتمع المصرى، إلا أن الحقائق العلمية تقول إنه موجود دائما، وإن جميع النساء بعد الوضع يتعرضن لاكتئاب ولكن على درجات متفاوتة، هناك أعراض خفيفة قد تصاحب امرأة، وقد تصل الأعراض إلى ذروتها مع امرأة أخرى لا تتقبل مولودها، وترفض إرضاعه، وتعرض نفسها للأذى، وتصبح فى حالة عصبية من الصعب السيطرة عليها، مما يؤدى إلى شجار دائم مع زوجها، وهو لا يعلم أنها مريضة وفى حاجة ماسة إلى علاج نفسى. 

يشير د. عمرو سليمان سكرتير اللجنة الدائمة لعلوم الشخصية واضطراباتها بالجمعية العالمية للطب النفسى، إلى أن هناك أربعة عوامل تتحكم فى الجهاز العصبى للإنسان: العوامل الوراثية، والضغوط الحياتية، والمستويين التعليمى والاجتماعى، والقدرات الشخصية، وهى عوامل تتحكم فى ظهور أى اضطراب لدى الإنسان.

ويعرف سليمان اكتئاب ما بعد الولادة  بأنه فقدان الجهاز العصبى المركزى فى المخ القدرة على التعامل مع الحياة وضغوطها بشكل تام، ويقول إن المقصود بفكرة الاكتئاب هو أن الوظائف المهمة لوجود الإنسان على قيد الحياة، والمتعلقة بجهازه العصبى توقفت تماما، من القدرة على الانتباه للتركيز، للذاكرة، للقدرة على التعامل الاجتماعى.. إلخ.. .

وبناء على ذلك فإن اكتئاب ما بعد الولادة المسيطر عليه هو الجزء الهرمونى، وطبيعة شخصية الأم، أو عوامل وراثية وأمراض عضوية تخص أى جهاز مثل القلب وأمراض الدم والأمراض المناعية.

وأكد سكرتير اللجنة الدائمة لعلوم الشخصية واضطراباتها بالجمعية العالمية للطب النفسى، أن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب السيدات بدرجات، من اضطراب فى المزاج، لأن الحامل استمرت تسعة أشهر فى إنهاك شديد، ومن الطبيعى اعتلال مزاجها، وإصابتها بالضيق الشديد، وقد يمتد هذا الضيق ليصيب أجهزة المخ بالخلل، وهى ترى أطفالها عبئا ولا تستطيع التعامل معهم.

ويشدد على أهمية أن يكون هناك توعية للزوج والمحيطين بها، لأن الحمل والولادة من الأشياء المرهقة جدا، ولابد أن يكون لدى الأسرة شعور بالرحمة تجاه الأم، خاصة أننا نرى مهازل فى بيوت العائلات خاصة فى الأرياف..

ويوضح سليمان أن العلاج يتطلب فى البداية الوعى بقيمة المرأة كأم، وبالتالى صحتها النفسية من صحة وليدها.

ويقول:  لا يجوز تحميلها ضغط عصبى من جانب الأسرة، ويؤكد على أهمية تقديم الدعم الأسرى، وتوقف المفاهيم الخاطئة حتى لا تتفاقم الحالة، وينصح الزوج بتحمل مسئولياته بتوفير ما تحتاج إليه زوجته بجانب القيام بالأعباء المنزلية بدلا منها، حتى تشعر أنها مصانة، وتجد من يسندها.

 

«الشخصية الحدية».. ثقب فى الهوية
د. حاتم صبرى: مشاعر متهورة تدمر الحياة

يتعرض الكثير أحيانًا لأنواع مختلفة من الحالات النفسية، بعضها يمكن أن يتلاشى دون تدخل طبى، والبعض الآخر إذا تأخر الشخص فى علاجه، يتحول إلى أزمة كبيرة قد تدفعه فى النهاية للانتحار..

ولعل «اضطراب الشخصية الحدية» من أبرز الأمراض النفسية المجهولة، ولها أضرار خطيرة، فيصيب الشخص بسلوكيات متهورة للغاية، مع فقدان الاستقرار فى العلاقات الاجتماعية، مما يجعله يميل إلى العزلة.

يعانى المصاب بهذه الحالة من اضطرابات مزاجية شديد، وردود أفعال متطرفة تجاه وجهة نظره، وهو ما ينعكس بالسلب على الحياة المهنية أو الدراسية، كذلك صعوبة الاستجابات العاطفية والحياة الشخصية غير المستقرة، ليصبح الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية عرضة لمشكلات حياتية مدمرة، وفقا لما أكده الأطباء النفسيين..

ووفقًا للإحصاءات، فإن حوالى 80٪ من الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يظهرون سلوكًا انتحاريًا، تتضمن محاولات الانتحار بقطع أيديهم، أوحرق أنفسهم، أو تناول سموم، وغيرها من التصرفات الخطيرة، كذلك تؤكد الأبحاث أن ما بين 4 و 9 % من الأشخاص المصابين ينتحرون.

يوضح د. حاتم صبرى، إخصائى الطب النفسي، أن مريض اضطراب الشخصية الحدية يعانى من حالة عدم الاستقرار فى المشاعر، ويعجز عن السيطرة على عواطفه وتغليب لغة العقل، وبالتالى يصدر عنهم تصرفات تكون فى بعض الأحيان غير لائقة تسبب لهم أزمات وأضرارا.

ويتابع أن المصاب لا يستطيع الحفاظ على العلاقات طويلة المدى، ففى أوقات تكون مشاعره العاطفية مرتفعة للغاية، وأحيانًا العكس تمامًا، كما يعانى من الخوف الشديد من الفقدان عند الارتباط العاطفي، وهو ما يؤدى لتصرفات تشكل ضغطا كبيرا على الطرف الآخر من العلاقة ويتسبب ذلك فى إنهاء الارتباط غالبًا.

ويشير إخصائى الطب النفسى، إلى أن الشخص المصاب بهذه المشكلة، لا يمتلك صورة ذاتية ثابتة عن نفسه، ولا يرى شخصيته مثالية ويؤثر ذلك على هويتهم، ومن ضمن الأعراض أيضاً القرارات الاندفاعية التى تعرض الإنسان للخطر مثل تناول المواد المخدرة أو التورط فى علاقات عاطفية سريعة، وغالبًا ما يكون هناك شكوك مستمرة نتيجة عدم الثقة بالنفس..

ويضيف أن خطورة الأمر ليس فقط الانتحار، وإنما السلوكيات الناتجة عن الحالة النفسية، فيمكن التعرض للحوادث نتيجة التهور، والإدمان وسلوك الإيذاء النفسى، وتنتشر هذه الحالة فى النساء أكثر من الرجال، والمصاب بها يرى دائمًا الحياة «أبيض أو أسود»، فتكون إما سلبية للغاية دون أى تفاؤل أو العكس، ويجب زيارة الطبيب النفسى حال ظهور هذه الأعراض.

 

«الاحتراق الذاتى».. نار العمل
د. محمد مراد: ينتهى بالإدمان والانتحار.. والعلاج دوائى أو سلوكى

عندما يشعر الشخص بحالة من الإجهاد العقلى والعاطفى والجسدى واستنزاف الطاقة واليأس، فهو يعانى من أعراض الاحتراق الذاتى أو النفسى، الذى يأخذ الإنسان إلى طريق من الفوضى النفسية وعدم القدرة على مواصلة العمل أو المهام المطلوبة. .

يسبب الاحتراق النفسى الشعور بالعجز وفقدان قابلية العطاء والعزيمة والإصرار، فيصبح الشخص بلا هدف أو شغف تجاه التزاماته، وغالبًا ما يصيب من يعملون بمهن شاقة مرهقة ويشعرون بأنهم لا يحصلون على التقدير الكافى نظير عملهم، كذلك الشخصيات ذات الطابع التشاؤمى. 

وحسب دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية، فهناك 264 مليون شخص فى العالم يعانون من الاحتراق النفسى أو اضطرابات القلق، ويحدث غالبًا فى أجواء العمل، كذلك يسبب مشاكل داخل المنزل نتيجة تأجج الغضب وعدم القدرة على التحمل، وسرعة الاستياء حتى فى الأمور البسيطة. 

«حالة نفسية وليس مرضا».. هكذا يصف د. محمد مراد إخصائى الطب النفسي، الاحتراق الذاتى مؤكدًا أنه يحدث نتيجة الضغوط الكبيرة التى يتعرض لها الشخص، أو الحالة النفسية نتيجة علاقات اجتماعية فاشلة، أو تعثر تحقيق طموحات وتوقعات كبيرة ليست مناسبة لإمكانياته، كذلك من يواصل العمل بدون راحة ولا يترك للجوانب المختلفة من حياته مساحة، فيكون كل تركيزه منصبا على العمل فقط. .

ويضيف فى تصريحات خاصة، أن أعراض هذه الحالة خليط بين الاكتئاب والتوتر، فيظهر على المصاب اكتئاب شديد ينزع منه الرغبة فى الذهاب للعمل، ويجلس طوال الوقت بمفرده فى المنزل، فضلاً عن النوم لفترات طويلة غير معتادة، وفقد الشغف والرغبة تجاه الأمور الحياتية، ويلقى من يعانى الاحتراق النفسى باللوم على نفسه فى جميع تصرفاته، حتى لو كانت طبيعية. 


ويتابع أنه من الأعراض أيضاً، ارتفاع مستوى التوتر وكثرة التفكير فى أمور صغيرة، بالإضافة إلى اهتزاز الثقة فى النفس، ناهيك عن الأعراض الجسدية مثل رعشة اليد والإصابة بالقولون العصبى. .

ويشير إخصائى الطب النفسى، إلى أن نتائج هذه الحالة قد تصبح كارثية، مثل الانتحار، أو اللجوء إلى الإدمان سواء المخدرات أو الكحوليات نتيجة عدم تحمله للإحباط والفشل والألم النفسى الكبير الذى يتعرض له. 

 

«رهاب الذكور».. عندما يتحول الرجل إلى «بعبع»
د. جاسمين السيد: المواجهة آخر مراحل المعالجة النفسية

 

إذا  صادفت فتاة ترفض التعامل مع الرجال، وتشعر نحوهم بالكراهية والقلق، وتشعر بالتعرق إذا اضطرت إلى التحدث معهم، فلا يجب أن تتهمها بالعدوانية، وتسخر من سلوكها، إنها ببساطة مريضة بـ«رهاب الذكور»..

وإذا لم تكن هناك إحصائية رسمية بنسبة المرض فى مصر، فإن النسبة فى الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى 12%، وهو رقم كبير جدا فى بلد يصل تعداده إلى عشرات الملايين من الإناث. 

إن الفتاة التى تصاب بهذا المرض النفسى تشعر بالخطر نحو الرجال حتى ولو كانوا فى محيطها الأسرة أو الدراسة، وكذلك العمل، ما يجعلها تلجأ فى الكثير من الأحيان للعزلة بعيدا عنهم، كما أنها ترفض الزواج مهما تقدم بها العمر، وبالتالى لابد من علاج الحالة فى مهدها، خاصة أنها تبدأ منذ الطفولة. 

وحسب د. جاسمين السيد أستاذ الصحة النفسية فإن أساب المرض مرتبطة بتجارب سيئة فى الطفولة مثل التسلط من جانب الأب أو العنف البدنى، أو حتى تجارب لدى الأم شاهدتها الابنة أو سمعتها منها، ما يعمل على تثبيت فكرة أن الرجال عدوانيين ويتميزون بالقسوة الشديدة، وآلالت لتدمير من حولهم، وبالتالى ينشأ الخوف من التعامل معهم، موضحة أن الجينات الوراثية أيضا لها دور مهم فى المرض خاصة مع الفتيات اللواتى عانين من تاريخ عائلى مرضى مرتبط بالفوبيا والقلق.

وأشارت إلى أن مصطلح رهاب الذكور Androphobia. نشأ من الحركات النسوية والتحررية من أجل تحقيق التوازن بين المصطلح المعاكس  gynophobia والذى يعنى الخوف من النساء..

وقالت د.جاسمين إن الأعراض تتمثل فى الخوف الشديد من جانب الفتاة تجاه الرجال ليس فى حال رؤيتهم فقط، ولكن حتى بمجرد التفكير فيهم، إضافة إلى الشعور بالغضب، والقلق، والتعرق، والارتعاش، وازدياد ضربات القلب والإحساس بألم فى الصدر ووجود صعوبة فى التنفس ودوخة أو إغماء وغثيان عند الاقتراب منهم، وتكون لدى المصابات بالمرض أفكارا مزعجة قد تصل إلى الكوابيس التى تشاهد فيها نفسها معرضة لهجوم من الرجل، ما يجعلها تتجنب أى علاقة مع الرجال، وقد تزيد حدة الحالة لتمنع الفتاة من الخروج والبقاء داخل المنزل. .

وشددت على أهمية العلاج بالتعرض من أجل قياس مدى نجاح الحالة فى التخلص من الفوبيا فى كل مرة، حيث يمكن أن يقوم الطبيب النفسى بتعريض المريضة لأمور متعلقة بالذكور ولكن بشكل تدريجى، ومن ثم تعريضها للذكور، فعلى سبيل المثال يستطيع الطبيب أن يعرض على الفتاة فى البداية صورا للرجال، وتسجيلات صوتية، ومقاطع فيديو، وأخيرا التعرض بشكل مباشر للرجل من خلال لقاء حقيقى. 

وأوضحت أن العلاج السلوكى المعرفى يشمل المزج بين تقنية التعرض  السابقة، إضافة إلى تقنيات أخرى  تعمل على مساعدة الشخص على التعامل مع خوفه من الذكور، بجانب الأدوية التى يكتبها الطبيب للمريض.

إقرأ أيضاً|أحرصي علي«ممارسة الرياضة» لتحسين‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية