بعد قرار حظر الإجهاض.. الاحتجاجات تتحول إلى عنف واشتباكات في شوارع أمريكا

الاحتجاجات في شوارع أمريكا
الاحتجاجات في شوارع أمريكا

دينا جلال

 في الاحتفالات او الأحزان تشتعل فوضى تلك الامة المنقسمة بسبب اختلاف شعبها بصورة مريرة.. هكذا عبرت شبكة سي ان ان الأمريكية في إحدى تقاريرها عن حالة الفوضى الاخيرة التي ازدادت حدة في الشارع الامريكي بسبب قضية الإجهاض الشائكة، وقرار المحكمة العليا بإلغاء الحق الفيدرالي للمرأة في الإجهاض ليشعل حالة من الغضب لدى اليساريين والحقوقيين والسياسيين وغيرهم من النشطاء في كافة أنحاء امريكا.

 

لم تعد تهديدات العنف وإثارة الانقسامات والفوضى تقتصر على المنظمات اليمينية المتهمة بالإرهاب والتطرف وإنما تواجه امريكا كابوسًا آخر وهو غضب جماعات اليسار ونزولهم إلى الشوارع لإشعال المظاهرات ومواجهة كل ما يمثل الحكومة الأمريكية من ضباط الشرطة، وممثلي الحكومة ووصل الامر إلى حد تهديد القضاة واستهداف أرواحهم ومنازلهم بعد الحكم التاريخي  للمحكمة العليا بحظر الإجهاض وحظر قانون «رو ضد ويد» الذي صدر عام 1973 ليدعم حق المرأة في الإجهاض إلا أن المحكمة أكدت أنه قانون قديم لا يستند إلى أي أساس قانوني.

 

احتجاجات اليسار

كعادة الأمور في الولايات المتحدة الامريكية مؤخرًا لم يعد هناك مجالا للتعبير عن الرأى وتبادل الآراء المعارضة بسلام وإنما تشتعل أى قضية خاصة تلك التي يعتبرها الأمريكيون قضية مصيرية وشديدة الاهمية؛ لتشعل الجدل بين جماعات اليمين والمحافظين ممن يصفون الإجهاض بجريمة قتل طفل لم يولد بعد أما جماعات اليسار فتصف قرار المحكمة بالانتهاك الصارخ لحقوق الانسان وحق المرأة خاصة فى ظل أزمات العلاقات خارج إطار الزواج التي تسفر عن الحمل وتزايد جرائم الاغتصاب والرغبة الملحة في التخلص من الاجنة لدى النساء لتتحول الآراء سريعًا من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشوارع التي صارت مكتظة بالمحتجين دون أن تتوقف المظاهرات عند حد حرية التعبير السلمي للرأى لتتحول إلى سلسلة من الفوضى والاشتباكات بين المعارضين لقرار المحكمة ورجال الشرطة في عدة ولايات امريكية.

 خرج آلاف النشطاء في جميع أنحاء أمريكا لعدة ايام وقاموا بتنظيم مظاهرات في كافة أنحاء البلاد لتتصدر أحداث الشغب في ولاية كارولينا الجنوبية المشهد حيث شهدت اعلى مشاركة واشتباكات منذ الايام الاولى لصدور القرار، ومنها مشاركة أكثر من 400 شخص في إحدى المظاهرات بعد أن اقروا انها مسيرة احتجاجية تستوعب مائة شخص فقط وتستمر لمدة ساعة، وما أن حاول الضباط إنهاء أو فض المظاهرة تبعًا للتصريح المتفق عليه حتى اشتعل غضب المتظاهرين وبدأت الاشتباكات ضد الشرطة لينتهي الامر بإلقاء القبض على العشرات وسجلت الكاميرات صرخاتهم واستفزازاتهم لرجال الشرطة بعنف وفوضى.

 

 تكرر الامر في لوس أنجلوس التي شهدت انشقاق مجموعة من المتظاهرين وإشعال الفوضى والاشتباك مع الشرطة، وكذلك فى مدينة نيويورك حيث تجمع المتظاهرون في سكوير بارك للاحتجاج الذي انتهى باعتقال 25 شخصًا بسبب حكم المحكمة، ونفس الامر في واشنطن العاصمة وأتلانتا وبوسطن وأوستن وديترويت ومدن أخرى.

 

كابوس العطلات

مرت ايام قليلة لتحذر وسائل الاعلام من عطلة نهاية الاسبوع التي صارت انعكاسًا لحالة الفوضى في الشوارع؛ لتسجل الإحصائيات اعلى معدلات العنف خلال يومى العطلة الاسبوعية دون الامتثال إلى تعليمات الرئيس الامريكي جو بايدن الذي ألقى خطابًا أدان فيه الحكم القضائي، ولكن دعا المتظاهرين للتحلي بالسلام وتجنب الفوضى والتزام الاحتجاجات السلمية وبالفعل أعلنت شرطة الكابيتول اعتقال شخصين يوم السبت لإلقاء الطلاء امام المحكمة العليا واشتبك محتجون مع الشرطة في جرينفيل بولاية ساوث كارولينا حيث اكتظ المئات في الشوارع واعتقلت الشرطة العشرات بسبب الفوضى.

 

أشعلت احتجاجات لوس انجلوس غضب الشرطة التي اصدرت بيانًا يدين حالة الفوضى والعنف حيث بدأت الاحتجاجات برفع المتظاهرات فى محيط جراند بارك هتافات ولافتات «جسدي.. خياري»، امتدت الاشتباكات بين المتظاهرات والمارة،  وتدخلت الشرطة بسبب عرقلة حركة المرور على الطريق السريع ومحاولة قطع الطريق والاحتجاج على الطريق السريع، وأدانت رابطة حماية شرطة لوس أنجلوس الاحتجاجات، وانتقدت مسئولي المدينة لفشلهم في التحدث بشكل علني عن جماعات العنف جاء فيه «صمت ما يسمى بقادة مجتمعنا يصم الآذان» وحذرت الرابطة كافة أنحاء البلاد من جماعات الغوغاء العازمين على التدمير بمبررات معارضة القوانين.

 

تهديد القضاة

لم تتوقف خطط المعارضين للقانون عند حد المظاهرات والاشتباكات العنيفة مع الشرطة والمارة والمعارضين للنظام؛ حيث كشف المتظاهرون عن خططهم لاستهداف منزل القاضي كلارنس توماس وهو القاضي الأطول خدمة حاليا في المحكمة العليا مع زملائه من القضاة المحافظين وخاصة بعد تصريحه بضرورة إعادة النظر في العديد من القضايا المثيرة للجدل مثل زواج المثليين، ووسائل منع الحمل ومن المنتظر أن تقوم المحكمة بتقييد تلك القوانين والالتزام بسياسات وقوانين المحافظين.

 

أصبح القاضي توماس الهدف الاهم لدى المتطرفين اليساريين، حيث يعتاد الهجوم الدائم عليه من قبل الديمقراطيين ممن يطالبونه بالتنحي ويتهمونه بالفساد وخاصة كما تثار شائعات حول زوجته بسبب مشاركتها في قلب نتيجة انتخابات 2020 من أجل إبقاء الرئيس دونالد ترامب، وتوعد المتظاهرون باستهداف القاضي كلارنس توماس وزوجته جيني ومراقبة المنزل والشارع الذي يسكن فيه.

 

قاض آخر استهدفه المحتجون ورافضي القانون؛ وهو القاضي بريت كافانو افانو الذي تم تعيينه في فترة الرئيس الاسبق دونالد ترامب عام 2018، وهو الترشيح الذي واجه اعتراضات كبيرة وقتها بسبب اتهامات سابقة له بسوء السلوك والشروع في القتل، وبالفعل ألقت الشرطة القبض على رجل مسلح في 8 يونيو اثناء مناقشة مسودة أو مشروع القانون.

سياحة الإجهاض

في الوقت الذي يتصارع فيه الأمريكيون حول قضية حق الاجهاض من عدمه يحذر الإعلام الأمريكي من سياحة جديدة قد تتهافت عليها الراغبات فى الاجهاض في ظل حظره في عدد من الولايات؛ حيث حظرت عدة ولايات تابعة للجمهوريين والمحافظين الإجهاض منها ولاية ألاباما وأركنساو وكنتاكي ولويزيانا وميسوري وأوكلاهوما وساوث داكوتا، وفي المقابل تعهدت مدن الولايات التي يقودها الديمقراطيون مثل نيويورك وكاليفورنيا وأوريجون وواشنطن أن تظل الملاذ الآمن لعمليات الاجهاض المحظورة بحكم المحكمة العليا، لذلك تصبح واجهة للسفر والتنقل داخل الولايات المتحدة الامريكية من اجل اتمام عمليات الاجهاض غير القانونية فيدراليا.

أما عن السياحة الخارجية، فتحذر التقارير الإعلامية من اختيار الامريكيات لبعض الدول مثل المكسيك كواجهة للإجهاض وهو ما تروج له النساء مثل تجربة سيدة امريكية عمرها 31 سنة من أصول مكسيكية عجزت عن تغطية تكاليف عملية الإجهاض التي تبلغ ألف دولار في ولاية كاليفورنيا بالإضافة إلى تعرضها للمضايقات؛ لتكشف نجاحها في التخلص من حملها بمساعدة منظمة نسائية وهن مجموعة من الحقوقيات في المكسيك توفر مساعدة للنساء الامريكيات بغض النظر عن مكان إقامتها وتتولى تلك المنظمة ما يقرب من 25 ألف عملية إجهاض سنويًا، ومن ناحية اخرى عرضت شركات أمريكية دفع تكاليف سفر موظفاتها لإجراء عمليات الاجهاض في الخارج لتقديم الدعم والمساعدة المالية للموظفات اللائى تسعين لإجراء إجهاض فى الولايات التي قامت بحظر الإجهاض كجزء من المزايا الطبية الخاصة بهم.