خيرى الكمار
يمتلك الثنائي أحمد عز وكريم عبد العزيز ذكاء غير تقليدي وبالفعل يستحقا المكانة الفنية التي وصلا إليها، وخاصة أنهما حققا بأفلامهما إيرادات تجاوزت 100 مليون، واللقاء الأول سينمائياً بينهما يؤكد أنهما بالفعل يسعيان لتطوير الصناعة، وليس فقط لتقديم أفلام ناجحة، أفيش عليه اسم منهما كفيل بالنجاح لكن وجودهما معا أمر يجعلك في حالة رغبة للدخول لمشاهدة الفيلم، والحقيقة أنه رغم أننا في فترة الإمتحانات لكن الإقبال والإيرادات في الأيام الأولى، إذا قورنت بأي فيلم عرض في تلك الفترة فهي غير مسبوقة، عندما تشاهد الفيلم تجد نفسك منبهرا بكل تفاصيله صورة، موسيقي تصويرية، ملابس ديكورات أداء تمثيلي.
وتجد لأول مرة 3 ساعات تمر وأنت منتبه لكل تفاصيل الفيلم، الذي نجح مخرجه مروان حامد في تقديم درس في الوعي الوطني عن ثورة 1919 ومعلومات كثيرة غير معروفة دون ملل، تخرج وتشعر بأن الشعب المصري دائما يحب وطنه، والرسالة وصلت كما نقول إنه ليس من الضروري، أن تدافع المؤسسات الأمنية سواء جيش أو شرطة، ولكن الشعب أيضا يجب أن يواجه، وهذا حدث طوال تاريخ مصر.
تدخل في الأحداث وتجد عز وكريم يقدمان أداء استثنائيا كل واحد دارس الشخصية، وكأنه يريد أن يحصل على الدكتوراة بتقدير إمتياز مع مرتبة الشرف، مشاهدهما منفردة أو مشاهدهما سويا حاجة بها منافسة على الجودة وتقديم عمل يزيد شعبيتهما لدي الجمهور، وهو يشبه “كلاسيكو” كرة القدم بين أكبر ناديين في لعبة كرة القدم، عندما تكون المباراة سريعة وحماسية ولا تتوقف لحظة بسبب قوة الفريقين، وبالتالي الكل خرج فائز، الجمهور استمتع، وهو الهدف الأساسي، والفريقان ظهرا في قمة تألقهما والروح الرياضية في قمتها ويحسب أيضا لشركة “سينرجي” الإنتاج الضخم، كما أن المخرج مروان حامد استطاع أن يخرج هذه القدرات التمثيلية، منهما وصنع حالة من الترابط بينهما خاصة أنه قدم حقبة بكل تفاصيلها رغم مرور ما يزيد عن قرن من الزمان.
عز: عمل وطنى
دائما يختار أحمد عز أدواره بشكل دقيق ويحرص على أن يقدم أفلاما سينمائيا مختلفة حتي لو كانت تحمل مغامرة، لكنه يبحث عن تحدٍ جديد في كل عمل سينمائي يقدمه ولذلك اختار رواية (1919)، ليقدمها في أحدث أعماله ( كيرة والجن ).ما رأيك في ردود الأفعال والإيرادات في الأيام الأولى لعرض الفيلم؟
الحمد لله الجمهور متحمس جدا للفيلم، وأرى أن الإيرادات متميزة في ظل أننا نعرض في فترة الإمتحانات، وكل الفئات راضية تماما عنه وهذا الأمر يسعدني لأننا كفريق عمل بذلنا فيه مجهودا كبيرا، وإحساس الناس بنا وحرصهم عليه أمر أسعدني.
ما سبب حماسك لهذا العمل؟
قرأت رواية (1919) وسعدت جدا بطريقة عرضها، وأيضا بكل الشخصيات الموجودة بها وأنها ترصد رحلة كفاح كبيرة للشعب المصري بكل طوائفه، وعندما تحدثوا معي لكي أقدمها في فيلم سينمائي كان الأمر مصدر سعادة لي، وخلال جلسات العمل وجدت حالة من الحماس الشديد لتقديم عمل غير تقليدي، والحمدلله نفذ العمل وكنت على ثقة أن المخرج مروان حامد سوف ينفذه بشكل متميز والإنتاج الضخم لشركة سينرجي.
العمل بذل فيه مجهوداً كبيراً جداً من كل فريق العمل على مدار فترة التصوير التي زادت عن عامين في ظروف لم تكن سهلة.
شخصية الجن في الأحداث مليئة بالتحولات وأيضا تحتوى علي بعض المشاهد الكوميدية كيف تعاملت معها؟
أحب أن أقول لك إن الفيلم بالكامل صعب فى تنفيذه وكلنا اجتهدنا لكي يخرج بهذا الشكل، وأنا بالفعل بذلت أقصي ما في وسعي بالتعاون مع المخرج لكي يكون كل مشهد يجذب الجمهور، ولكن كنت متحمسا له لأن الفيلم له مضمون مهم وهو تنمية الروح الوطنية لدي المصريين، وأن المقاومة والدفاع عن البلد حق لكل مصري، ولذلك كل الشخصيات في الفيلم تدافع وتدفع الثمن رغم أنهم مختلفين في التعليم والمستوي الاجتماعي والفكري لكنهم اجتمعوا على حب مصر وهذا ما نريد أن نتمسك به في هذه الفترة.
هل وجدت صعوبة في تنفيذ مشاهد الأكشن خاصة أنها تعود بنا إلي قرن من الزمان؟
أكشن 1919 مختلف تماما عن وقتنا الحالي لذلك كان معنا فريق متخصص في طريقة تقديم تلك المشاهد، وكيف ستخرج، وتدربنا على حمل السلاح والتعامل به، والمدافع القديمة أيضا مختلفة وطرق استخدامها متغيرة، لذلك أخذ منا هذا وقتا كبيرا في التحضير، لأننا في النهاية يجب أن نقدم الأكشن ملائم لهذه الفترة طريقة الإمساك بالسلاح سواء كانت خناجر، طوب، بندقية، حتي الذخيرة مختلفة , وتابع: “نتناول فترة 1919 من جوانب مختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لذلك تطلب هذا مني أن أشاهد أفلام الأبيض والأسود كاملة، وأقرأ كثيرا عن تلك الفترة حتى أتمكن منها، المعالجة لدينا مختلفة تماما”.
كيف وجدت اللقاء الأول سينمائيًا مع كريم عبد العزيز؟
بكل حب وسعادة كنت أرغب في التعامل معه فنيا، ولم نفكر مطلقا في أي تفاصيل سوى في خروج الفيلم بشكل جيد، والفنان طبعا يغير ويسعي لكي يكون ناجحا والصحي أن تكون ناجح، ولكن ليس على حساب غيرك، وللأسف نحن الآن البعض يفكر كما نقول “أنا ومن بعدي الطوفان”، وهذا تفكير قاصر ومرضي، فالعمل الجماعي مهم، ويجب أن يسود ونقدمه بإتقان، وفي النهاية أنا عاوز أنجح ومعي كريم، وأرغب في أن يقول الجمهور “كريم وعز ناجحين” عندما يقدم مشهد جيد أستفز لتقديم مشهد متميز لكنني لا أريد أن يكون سيء، لو أنني قدمت مشهد غير جيد كريم ينبهني، والعكس وكل فريق العمل لأن على سبيل المثال من الممكن أن أقدم عملا منفردا واهتميت باسمي والأفيش وتجده يخرج بشكل سئ وتكون نتيجته غير مرضية، لذلك أنا أحب أن أعمل مع كل زملائي، والفيلم بالضبط يشبه فريق كرة القدم الهدف هو إحراز هدف بمعني في مهنتنا أن يخرج الفيلم بشكل متميز.
كيف تقيس نجاح أي فيلم تقدمه مع بدء عرضه؟
دوري ينتهي مع انتهاء تصوير الفيلم، ولكنني أحب المتابعة الحية للفيلم من خلال الناس، وبعيدا عن مواقع التواصل الإجتماعي، أذهب إلي دور العرض وأشاهد الفيلم مرات عديدة، وأعرف انطباعات الجمهور من داخل القاعة وأتقابل مع الناس وأتناقش معهم.
كيف وجدت التعاون مع المخرج مروان حامد وهل استفدت من التجربة؟
دائما لدي قاعدة فنية أن المخرج هو المسئول الأول والأخير عن العمل وأتناقش معه في كل التفاصيل التي تتناول الشخصية، وبالفعل في هذه التجربة تعاملت مع مخرج يمتلك قدرات خاصة يحب أن يصل بالعمل إلي أعلى جودة، وتجربتي معه أفادتنى لأنه مخرج غير تقليدي.
هل بالفعل ستقدم فيلما مع المخرج شريف عرفة ؟
شريف عرفة أستاذي ومعلمي ومهما تحدثت عنه لن أوفيه حقه علي المستويين الإنساني والمهني، وأري أنه مخرج كبير جدا والمخرجان مروان حامد ومحمود علاء حظهما جيد أنهما تعاملا معه مساعدين مخرجين، وقدمت معه اعلانات قبل السينما وشرف لنا أننا تتلمذنا على يديه، ويعرف جيدا الممثل الواقف أمامه وكيف يخرج منه أفضل قدرات تمثيلية، والفيلم الجديد تجربة مختلفة وليس اسمه بغداد 2003 كما يتردد، ولم نستقر على اسمه بعد وسوف أتحدث عنه في وقته.
ما مصير فيلم “صقر المحروسة” الذي تردد أنك سوف تقدمه خلال الفترة القادمة؟
عمل أكشن نفسي أقدمه، ينتمى إلى الأعمال التاريخية، وهو عن فترة حكم المماليك، وهو عن فترة محاكاةً لإحدى الشخصيات الإسلامية المعروفة، ومن المقرر أن يتضمن العمل عديد من مشاهد المعارك الحربية بالاستعانة بمصممي معارك عالميين، ولكن لا أتوقع أن يكون فيلمي القادم لكن من الممكن أن يكون الذي يليه.
هل ستتواجد في رمضان 2023 ؟
لن أتواجد في موسم رمضان القادم، أركز على السينما، وطوال مشواري أقدم مسلسل كل عدة سنوات لكن في الظروف الراهنة ووجود عمل مثل “الاختيار” لا تحدث كثيرا في العمر مع نجوم كريم والسقا وياسر جلال وخالد الصاوي وكل الزملاء المتميزين كان يجب أن أقدمه.
كريم : مهمتنا توعية الأجيال القادمة
يصر كريم عبد العزيز على تقديم أفلام سينمائية مختلفة مهما حملت من تحديات وصعوبات في تنفيذها لأنه يريد أن يحافظ على شعبيته لدى الجمهور، لذلك اختار تجربة فيلم “كيرة والجن” المأخوذ عن رواية 1919 للكاتب أحمد مراد والذي سبق لهما التعاون من قبل، ويقول كريم: “هذه التجربة الثالثة لي مع الثنائي المخرج مروان حامد والمؤلف أحمد مراد، وأعمالنا كلها حققت نجاحا كبيرا وأتمني أن نواصل هذا النجاح في هذه التجربة، لأنها بالفعل تجربة مختلفة عما قدم في السينما من قبل ونفذت بشكل جيد”.
كيف تري التعاون مع أحمد عز في أولي تجاربكما السينمائية خاصة أنكما قدمتما في رمضان مسلسل “الاختيار”؟
هذه أول تجاربي السينمائية مع أحمد عز وفرحت بها لأنها مع نجم كبير وإنسان متميز، وسعدت لأننا أعطينا انطباعا مختلفا عن المنافسة، لأننا دخلنا التصوير، ولم نتحدث عن حجم أدوارنا، ولا في المقابل المادي، وقبلنا بالأدوار وكانت هناك أقاويل تشير إلى أننا سوف يحدث بيننا خلاف وكما نقول بالمصري “نتخانق”، والأمور خرجت بأفضل صورة وكواليس العمل ممتعة والمخرج مروان حامد قال لي “أسهل ثنائي تعاملت معه”.
ما أصعب الأمور التي واجهتكما أثناء التصوير؟
الفيلم صور على ما يقرب من 3 سنوات في ظروف صعبة وباء متواجد في كل مكان وظروف اقتصادية صعبة، لكن شركة سينرجي المنتجة للعمل كانت فى قمة الاحترافية والالتزام أنها أصرت علي استكمال العمل رغم أن العالم كله توقف لذلك يجب أن أوجه لها التحية لأنها قدمت منتج فني بهذا المستوى.
دائما ما تختار أفلامك بهدوء.. ما الذي أغراك فنيا في شخصية كيرة؟
شخصية أحمد عبد الحي “كيرة” غير تقليدية ومليئة بالتفاصيل ويجب أن أعترف أنها مغرية فنية لأنه شخص شديد الذكاء يتودد للإنجليز، وأصدقائه كانوا يسخرون منه، و”تقدر تقول مهان بينهم” كان يقوم بتصنيع السلاح في معامل القوات الإنجليزية ويقوم بقتلهم به، لديه قدرة كبيرة علي التنكر ويمتلك سرعة البديهة، ولكن الشيء المؤسف أنه قتل علي يد أربع ضباط إنجليز ودفن في تركيا.
أصبحت تركز علي تقديم أعمال جادة فنيا خلال الفترات الماضية ما سبب حرصك على هذا.. وهل ستكون محور اهتمامك خلال الفترة القادمة؟
أقدم كل النوعيات الفنية ورغم تقديمي أعمال جادة “الفيل الأزرق، والاختيار، كيرة والجن”، لكني أيضا قدمت فيلم لايت كوميدي، (نادي الرجال السري)، ولكن أحب الإشارة إلي شيء مهم وضروري أن من مهام الفن تقديم توعية للأجيال القادمة لكي تعرف تاريخ بلدها، وقصص كفاحه وأنا أحاول جاهدا أن أفعل ذلك بجانب الترفيه.
كيف تري المنافسة في موسم عيد الأضحي؟
أتمني النجاح لكل الأفلام وهذا الأمر طبيعي ونحن في أقوي موسم سينمائي كل الشركات تسعي لعرض أفلامها، وأتمني أن يقبل الجمهور على مشاهدة الأفلام جميعا، وليس فيلمي فقط لأن هذا مكسب كبير للصناعة، ويسهم في إنتاج مزيد من الأعمال الفنية خاصة أن السينما المصرية خلال فترة الكورونا عانت من الإيرادات وبالتالي كل العاملين بها تأثروا وبالتالي نرغب في أن تعود الإيرادات قوية والكل يحقق نجاحا لأننا كلنا نعمل في دائرة فنية واحدة.
هل ستتواجد في رمضان بالفعل بعمل تاريخي يرصد التاريخ الأسود للإرهاب؟
أقدم في رمضان عمل يتطرق لتاريخ الإرهاب، ولكن في فترة زمنية بعيدة تعود إلي القرن 11، عن شخصية حسن الصباح زعيم طائفة الحشاشين، يتناول العمل هذه الفترة التاريخية بكل تفاصيلها، فهذا الشخص هو من ذرع بذرة الإرهاب.
وتابع: “هذا المسلسل له مذاق خاص لأنني أعيد العمل مع بيتر ميمي الذي أخرج مني أمور جديدة تمثيلية في مسلسل الاختيار، وما يزيد من سعادتي أنني التقيت أخيرا مع الكاتب عبد الرحيم كمال هذا الكاتب الاستثنائي صاحب الرؤية الفنية الخاصة والمذاق الفني الرفيع”.
كيف تختار أدوارك؟
أختار الأدوار بتأني، وعدم التسرع نهائيا في اختيار أعمالي، لأنني دائما ما أضع أمامي جمهوري فهو أهم ما يشغل تفكيري لا أفكر سوي في إرضائه، إذا وجدت عملا قويا غير تقليدي.
ملفات ا كيرة و الجن ب السرية
بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلم «كيره والجن» في أول أيام عرضه بالسينمات، نستعرض القصة الحقيقية للفيلم وننشر أجزاء من «الكتاب الممنوع.. أسرار ثورة 1919» للكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين.
كان أحمد عبدالحى كيرة من دفعتى فى مدرسة الطب، وكان شخصية غامضة، وشخصية قوية، كان يستطيع التأثير على أى شخص يتكلم معه.. وقد بلغ من غموضه أننى كنت عضواً في الجهاز السرى، ولا أعرف فى الجهاز السرى معى!.. ولكنى كنت أعرف أنه عامل في الحركات الهامة فى الجهاز السرى آلى تحت الأرض.. وكان العمل يجرى بسرية تامة.. وكان يحدث أن اضطر إلى الاستعانة بزميل من زملائى الذى ليس عضواً فى الجهاز السرى، ثم تقوم الدنيا وتقعد بعد ارتكاب إحدى الحوادث فلا يفتح واحد منهم فمه، ومن الذين استعنت بهم الدكتور عبدالقادر الدياسطى، والدكتور عبدالفتاح شريف، وقد كانا زميلين لى فى مدرسة الطب.
وتركت أحمد عبدالحى كيرة، وسافرت، وإذا بأخى محمود حفنى يحتل مكانى فى الجهاز السرى!، وفى سنة 1922 وصل عبدالحى كيرة إلى برلين، ومكث معى يومين.. وعرفت أن أخى محمود حفنى قبض عليه فى مؤامرة مع عبدالحى كيرة! ثم فوجىء كيرة فى برلين بأن الحصار يحاول أن يطبق عليه في الحال، من المخابرات البريطانية.. واتصل بنا بعض أصدقائنا بالخارجية الألمانية، ووضعنا خطة لتهريبه إلى خارج الحدود.
وبقى أحمد عبدالحى كيرة لغزاً غامضا، إلى أن قتلته المخابرات البريطانية!. وكان أخى محمود حفنى عضواً في خلية أحمد عبدالحي كيرة.
دكتور محمد حفنى
مدير عام التفتيش الفنى بالنيابة
بوزارة الصحة سابقاً
خلية عبدالحى كيرة.. ومحمود النحاس
ونبدأ البحث عن خلية أحمد عبدالحى كيرة!
ونمضى في محاولة حل اللغز.. وتحصل على مذكرات محمود خليل النحاس عضو الجهاز السرى لثورة 1919، وأحد أعضاء الخلية السرية التى كان يرأسها أحمد عبدالحى كيرة، ومدير التبادل الثقافى بوزارة الإرشاد بعد ذلك.
إنه يكتب صفحة من مذكراته عن كيرة يوماً بيوم.. وعن مغامراته المثيرة فيقول:
كان أحمد عبدالحى كيرة رئيس خليتنا، وكانت الخلية مكونة من المرحوم أحمد توفيق، الذى ألقى القنبلة على حسين درويش باشا، وشقيقه حسن توفيق الذى ألقى القنبلة على إسماعيل سرى باشا، وإبراهيم نظير الذى أعدم شنقاً فى سنة 1922 والمرحوم أحمد خالد، ومحمود حفنى الذى أصبح بعد ذلك مستشاراً بمحكمة الاستئناف، والدكتور محمد نديم طالب الطب الذى أصبح فيما بعد اللواء محمد نديم باشا كبير أطباء الجيش المصرى، والذي اشترك مع أحمد توفيق فى قنبلة درويش باشا.
وكنت تلميذاً في البكالوريا في مدرسة الإلهامية، وكان عمرى 18 سنة!. كان أحمد عبدالحى كيرة طالباِ في الطب، يشتعل ذكاء ووطنية، عيناه براقتان، شديد التدين والاستقامة، يبدو عليه الغموض، لا يتكلم كثيرا، شديد الحذر، إذا حدد لك موعداً لا يكشف مكانه ولا وقته، ولكنك فجأة تجده أمامك، ثم يختفي فجأة، وكان لا يحضر اجتماعات الخلية السرية، ولكننا نجده معنا، ومعه تعليمات قيادة الجهاز السرى!
وذات يوم فى شهر ديسمبر سنة 1921 جاء كيرة وقال لنا: الجماعة يقولون إن محمد بدر الدين بك مراقب الأمن العام، يدبر الخطط للقبض على الجهاز السرى للثورة، وأننا يجب أن نتخلص منه، لأنه أكبر موظف فى الداخلية يعتمد عليه الانجليز فى قمع الثورة بعد نفى سعد زغلول، وان الجماعة قرروا وجوب قتله.
ولم يسأل أحد من هم الجماعة!. لأن تقاليد الخلية السرية ألا تسأل عمن يصدر الأوامر!.. ثم سألناه كيرة: من منكم يقوم بالعملية؟.. فقلت أنا.. وقال محمود حفنى: وأنا سأرافقه، وفى نفس اللحظة أخرج أحمد عبدالحى كيرة من جيبه مسدساً أوتوماتيكياً وأعطاه لى. وقال كيرة: أنه تقرر أن يتولى المنفذون عملية دراسة دخول وخروج محمد بدر الدين! واختفي كيرة فجأة كما ظهر!
وبدأنا على الفور نتبع محمد بدر الدين.. وعلمنا أنه يقطن فى شارع الدواوين وهو شارع نوبار الآن، فى منزل يقع بقرب شارع المبتديان، وأنه يخرج كل يوم من منزلة بين التاسعة والعاشرة صباحاً، ويمشى على قدميه إلى وزارة الداخلية التى تبعد بضع دقائق عن بيته.. وجاء أحمد عبدالحى كيرة وأخطرنا بأن الجهاز السرى علم بأن محمد بدر الدين مسلح، وأنه يحمل مسدساً فى جيب معطفه الأيمن، وأنه يسير دائماً ويده اليمنى فى جيبه استعداداً لمواجهة أي اعتداء− وأنه حدثت قبل ذلك محاولات لاغتياله لم تنجح، وأنه يعلم أن حياته مهددة.
ودرسنا المنطقة.. ووضعنا الخطة!
واتفق على أن يقف محمود حفنى أمام منزل بدر الدين، ويراقب خروجه من الباب، وأن أقف عند زاوية شارع الدواوين، مع شارع البركة الناصرية، وعند خروج بدر الدين من منزله، ينحنى محمود حفنى ويربط حذاءه، وعندئذ أستعد لضربه، خاصة أن سيمر على الرصيف الذى أقف عليه.. وبعد أن يربط محمود حفنى حذاءه، يستمر فى سيره، أما أنا فأهرب من شارع البركة الناصرية، فى عدة شوارع ضيقة ومتعرجة فى حوارى عمارة البابلى، بعد أن أضع المسدس فى جيبى، حتى أصل إلى شارع خيرت، ومنه أمشى إلى سكة الحنفى، ومنها إلى بركة الفيل، ثم إلى الحلمية حيث أسكن.
وفى يوم الثلاثاء 3 يناير سنة 1922 ذهبنا إلى المكان المحدد لاغتياله وانتظرنا.. ولم يخرج بدر الدين! ويغلب على الظن أنه غير موعد خروجه، وخرج مبكرا وقد بلغ من قدرة التدبير، أن اتصل أحد أعضاء الخلية بخادمة محمد بدر الدين وعرف منها كل نظام خروجه ودخوله ومعيشته، وساعدنا هذا كثيرا على إعداد خطة الاغتيال.
وفى يوم الأربعاء 4 يناير سنة 1922 عدنا إلى المكان مرة أخرى.. ولم نتمكن من العثور عليه، فإنه لم يخرج فى ذلك اليوم إطلاقاًَ!.. وكانت حالتنا العصبية متوترة.
وفى يوم الخميس 5 يناير سنة 1922 ذهبنا فى الساعة التاسعة صباحاً وانتظرنا فى الأمكنة المحددة لنا.. وفى الساعة العاشرة إلا ربعاً رأيت زميلى محمود حفنى يعطي الاشارة المتفق عليها، وكنت واقفاً والمسدس فى يدى داخل السترة، وقد ربعت يدى على صدرى، واتخذت موقفى فى ناصة شارع البركة الناصرية، وسمعت وقع أقدام بدر الدين وهو يقترب منى.. ثم وصل، وأصبحت المسافة بينى وبينه حوالى نصف متر، ونظر إلى نظرة شك.. ولم أتحرك.. وبمجرد أن خطا خطوة بعد أن أدار وجهه أخرجت المسدس بسرعة، وأطلقت عليه الرصاص فى صدره.. فصاح بدر الدين بأعلى صوته: يا ابن الكلب.. امسكوه!.
وأسرعت أعدو فى شارع البركة الناصرية.. وقبل أن أخطو بضع خطوات سمعت طلقاً نارياً، فقد أطلق بدر الدين الرصاص من مسدسه قبل أن يسقط على الأرض، واستمررت فى عدوى فى الحوارى المتعرجة ، إلى أن وصلت إلى شارع خيرت، ولم يتبعنى أحد، ولم يحاول أحد أن يقبض علىّ.. ولهذا لم يجد الإنجليز شاهداً واحداً يتقدم ويصفنى، مع أن شارع الدواوين كان مزدحماً بالمارة.
وعندما وصلت إلي شارع خيرت توقفت عن العدو، وسرت إلى المنزل فدخلت وخلعت ملابسى، وارتديت ملابس أخرى، وحملت ملابسى والمسدس إلي منزل زميلنا أحمد خالد بالقلعة، ثم عدت إلى المنزل.
وأعلنت السلطة البريطانية عن مكافأة قدرها خمسمائة جنيه لمن يرشد عن الجانى، فلم يتقدم أحد.وقرر الجهاز اغتيال عبدالخالق ثروت باشا!.
وبعد ثلاثة أيام من وقوع الحادث وجدت أحمد عبدالحى كيرة فجأة فى بيتى بالحلمية بشارع على باشا إبراهيم، وهنأنى باسم الجهاز السرى.. ثم قال لى أحمد عبدالحى كيرة أن قيادة الجهاز السرى للثورة تلقت معلومات مؤكدة بأنه بدأت مفاوضات سرية جداً بين عبد الخالق ثروت باشا واللورد اللمبى، وأن الغرض من المفاوضات أن تعلن بريطانيا استقلالاً وهمياً لمصر، وفي الوقت نفسه تعهد ثروت باشا بأن يكتب خطابات سرية تلغى هذا الاستقلال، وتعطى بريطانيا نفس الحقوق التى كانت لها قبل إلغاء الحماية البريطانية! ولهذا قررت قيادة الجهاز السرى للثورة قتل عبدالخالق ثروت باشا.. وأنه تقرر تكليف محمود حفنى بتنفيد هذه العملية!.
وزارنى محمود حفنى، وأبلغنى أنه صدرت إليه الأوامر بتنفيذ اغتيال ثروت باشا.. واجتمع بى عدة مرات، ندرس خطة الاغتيال.. وأخبرنى محمود حفنى بأنه معه بعض الزملاء في هذه العملية، وأن من بينهم أشخاصاً جدداً، سيكون معهم بأن معه بعض الزملاء في هذه العملية، وأن من بينهم أشخاصاً جدداً، سيكون حفنى معهم خلية سرية لتنفيذ هذه العملية. وزارنى أحمد عبدالحى كيرة، وقال لى أنه يوجد مع محمود حفنى فى خليته التى ستنفذ اغتيال ثروت باشا شخص اسمه مصطفى فرغلى لا يطمئن إليه الجهاز.. وقال محمود حفنى انه مطمئن إلى مصطفى فرغلى.
ورتبت الخطة بحيث يتم اغتيال ثروت باشا يوم 26 يناير، عند خروجه من منزله فى الدقى، متجهاً إلي المدينة، عن طريق الكوبرى الأعمى، كوبرى الجلاء حالياً، وتم الاتفاق على إلقاء حقيبة ملأى بالقنابل على سيارة ثروت باشا.
ووزع أحمد عبدالحى كيرة مسدسات على أعضاء خلية التنفيذ.. وأخبرنى كيرة أنه كان يمشى مع مصطفى فرغلى ويسمى أعضاء خلية التنفيذ، وفجأة قال مصطفى فرغل: يظهر أن هناك من يتتبعنا!. فقال كيرة: لو كان هذا صحيحاً فسأضربه بالنار، وهو من يعاونه!. وقال كيرة وهو يروى هذه الواقعة:
إننى قلت هذا وأخرجت مسدسى، لأننى شككت فى هذه اللحظة فى مصطفى فرغل− وقال مصطفى فرغل: سأذهب وأرى من هو هذا الرجل الذى يتعقبنا، وسأتحقق من الموضوع بنفسى.. ثم عاد مصطفى فرغل إلى كيرة، وقال إنه رجل يبحث عن شارع آخر!.
وفى يوم التنفيذ.. قبض البوليس على محمود حنفى وجميع من معه، وهم يقفون فى انتظار ثروت باشا فى الأمكنة المحددة فى الخطة، واستولوا على الأسلحة والقنابل التى كانت معهم.
وذهب البوليس فى يوم 11 يناير سنة 1922 إلى مدرسة الطب للقبض على أحمد عبدالحى كيرة، وفوجىء كيرة بدخول عدد من الضباط الإنجليز ليلقوا القبض عليه فى العمل.. وعرف كيرة على الفور أن مصطفى فرغل أبلغ البوليس! وبسرعة مذهلة قال لهم: أنتم تريدون أحمد عبدالحى كيرة وأنا لست أحمد عبدالحى كيرة!.. وإذا بطلبة المدرسة والمدرسين المصريين يشهدون بأن المقبوض عليه ليس هو أحمد عبدالحى كيرة!.. وترك الضباط الإنجليز أحمد عبدالحى كيرة، وراحوا يفتشون المدرسة عنه!! وفى هذه اللحظة اختفى عبدالحى كيرة!.
وفوجئت فى نفس اليوم بأن البوليس جاء ليقبض على! ولم أكن بالمنزل.. وترك البوليس أمراً لى بالتوجه إلى المحافظة فورا ومقابلة اللواء رسل باشا حكمدار القاهرة شخصياً. وعندما توجهت إلى المحافظة سألت عن رسل باشا، فقيل لى إنه غير موجود مؤقتاً، وطلبوا منى مقابله وكيل الحكمدار.. وإذا بوكيل الحكمدار هو اللواء محمد نديم باشا زوج خالتى! وقال لى: إيه الحكاية؟ هل تعرف شخصاً اسمه محمود حفنى؟ قلت: أعرفه لأنه تلميذ معى فى البكالوريا.. ليه؟.
قال اللواء نديم باشا: إنه قبض عليه فى مؤامرة محاولة اغتيال ثروت باشا وإنه كان مراقباً، وأن تقرير البوليس يقول إنه زارك ثلاث مرات قبل الحادث، وإن آخر مرة كانت قبل الحادث بيوم واحد. فأجبته بأنه زميلى فى البكالوريا وأنه كثيراً ما يحتاج إلى بعض الكتب والكراريس فيستعيرها منى للمذاكرة! فقال لى نديم باشا: إننى سأستجوبك الآن رسمياً، وعليك أن تقرر هذا، وسأحاول أن أحفظ الموضوع.
وقد تم هذا.. وحفظ الموضوع!
ونظرت قضية محمود حفنى أمام المحكمة العسكرية، وإذا بشاهد الملك هو فعلاً مصطفى فرغل، كما توقع أحمد عبدالحى كيرة! وحكم على محمود حفنى بالسجن.. وتمكن فى أثنائه من مواصلة دراسته والنجاح فى البكالوريا والحقوق.
واختفى عبدالحى كيرة من مصر!
وفجأة رأيت أحمد عبدالحى كيرة أمامى من جديد.. يخطرنى بأن قيادة الجهاز السرى قررت أن يختفى من مصر، وأنها وضعت خطة ليسافر إلى إيطاليا عن طريق ليبيا.. وأنه سيكتب لى باسم مستعار..