خبز البطاطا يوفر 10 ملايين طن سنويًا.. بدائل القمح تسد فجوة الإنتاج

خبز البطاطا
خبز البطاطا

كتب: مروة أنور - ياسين صبرى

فى ظل الارتفاع المستمر فى أسعار الأغذية عالميا، بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وتراجع حجم الواردات المتوفرة خارجيا من القمح، كان لزاما على الدولة التفكير فى بدائل من أجل الوصول إلى درجة الاكتفاء الآمن الذى يوفر متطلباتها من هذا المحصول الاستراتيجى.

 

وتعد مشكلة نقص الحبوب فى مصر من أهم العقبات التى نواجهها لسد احتياجاتنا الغذائية، حيث بلغ إنتاج مصر من القمح لعام 2021 حوالى 9 ملايين طن سنويا، فى حين يبلغ احتياج السوق المحلى من القمح حوالى 20 مليون طن سنويا، وبذلك يمثل الاكتفاء الذاتى من حبوب القمح أقل من 50%.

 

وكانت هناك عدة محاولات سابقة لتقليل نسبة الاعتماد على القمح فى إنتاج رغيف الخبز المدعم الذى يستفيد منه نحو 72 مليون مستهلك، منها تجربة وزير التموين الأسبق الدكتور أحمد جويلي، الذى قام بإدخال مكون الذرة البيضاء فى إنتاج الخبز بنسبة 15% وبذلك نجح فى خفض الاعتماد على القمح كمكون رئيسى.

خبز البطاطات

وقد بدأت منذ التسعينيات تجارب لإنتاج الخبز من خليط مكون من البطاطا والقمح على يد الدكتور عبد المنعم الجندى، أستاذ بمركز البحوث الزراعيةتبحيث يخرج المنتج النهائى فى صورة خبز مرتفع الجودة والقيمة الغذائيةتكمحاولة لتقليص حجم ما نستهلكه من القمح بحوالى مليون طن سنويا.

 

وهنا يوضح المهندس محمود شناوى أن الدكتور عبد المنعم الجندى صاحب هذه الدراسة قام بتهجين أنواع من البطاطا الحلوة وتغيير خصائصها بحيث يتم تقليل نسبة السكر بها ورفع نسب فيتامين أ والكربوهيدرات، وقد أعلن الدكتور الجندى أنه أنتج بالفعل خبزاتمن هذا الخليط مشابها للخبز العادى بجودة مرتفعة، وقام بتحديد حجم خليط البطاطا بنسبة تتراوح من أربعين إلى ستين بالمائة والباقى من القمح،تولكنها لازالت حتى الآنتدراسة فردية وموضع تجربة لدى الجهات المختصة.

 

يضيف: بالطبع هناك العديد من المؤيدين لفكرة إنتاج الخبز من البطاطا الحلوة كبديل أقل سعرا وأكثر بعدا عن سلاسل توريد القمح غير المستقرة حول العالم خلال الأشهر الأخيرة، ونحن نأمل فى نجاح هذه الفكرة دون أى معوقات فى عملية الإنتاج بإذن الله.

 

وتابع: القمح هو الأساس الذى يتم عليه بناء أى إضافات أخرى من الحبوب البديلة، لذلك تسعى وزارة الزراعة دائما إلى انتقاء أفضل الأصناف المزروعة من القمح للحصول على دقيق عالى الجودة وما ينتج عنه من خبز ذى مواصفات قياسية.

 

الإشراف على المطاحن

كما شدد على ضرورة الاهتمام بالإشراف الفنى على المطاحن خاصة القديمة وغير المتطورة للتأكد من إتمام عملية الطحن والحصول على رغيف عالى الجودة، إلى جانب ضرورة الإشراف الفنى على المخابز البلدى التى تقوم بتوزيع الخبز على البطاقات التموينية للتأكد من نظافته وخلوه من أى شوائب يمكن أن تتسرب بسبب الإهمال فى النظافة أو سلوك العامل غير المدرب.

 

وكــــان وزيــر التمـــوين والتجـــارة الداخلية، الدكتور على المصيلحي، قد أعلن مؤخراً إمكانية خلط القمح بالبطاطا لإنتاج الخبز وتوفير 10 ملايين طن من القمح سنويا، وعن إمكانية تطبيق الفكرة، يقول عطية حمَّاد، رئيس شعبة المخابز بغرفة القاهرة التجارية: فكرة دخول البطاطا كمكون أساسى فى صناعة رغيف العيش لا تزال قيد الدراسة والبحث من خلال وزارة الزراعة ولا توجد حتى الآن تعليمات بالتطبيق وكيفيته، وفى حال تطبيق المقترح على أرض الواقع سنحصل على تعليمات بنسب خلط البطاطا وسعر الرغيف وتكلفة الإنتاج، وما إذا كان سيتم صنعه فى الأفران الخاصة بالوزارة أم أن هناك تصورا آخر، ويجب عند تطبيق التجربة أن نضع بالاعتبار التعداد السكانى للمحافظة التى يجرى فيها تطبيق الفكرة.

 

فيما يؤكد أسامة الرفاعى، عضو الشعبة العامه للمخابز بالغرفة التجارية، أن فكرة إنتاج رغيف الخبز من البطاطا مازالت قيد التجربة وتعتمد على البطاطا المجففة، ووزارة التموين تقوم بدراسة تجارب بعض الدول فى هذا الشأن، فمثلا البرازيل تنتج رغيف الخبز من البطاطا ولكن التعداد السكانى للبرازيل يختلف عن مصر، والبرازيليون 5% منهم يستهلكون الخبز، أما فى مصر فيعتمد نحو 90% من السكان على الخبز بشكل أساسي، ويوجد فى مصر ثلاثة أصناف تصلح لإنتاج الخبز، وهى من هجن البطاطا الجنداوى لانخفاض تركيز السكر بها وتميزها بأنها الأعلى فى المادة الجافة ما يجعلها صالحة لإنتاج الخبز.

 

فيما يوضح حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن كل الأفكار جيدة، وعندما يتم تطبيق الفكرة يمكن أن تدخل البطاطا فى الزراعة التعاقدية بالتالى تزيد المساحة المزروعة بها، خاصة أن تكاليفها قليلة، وتدر عائدا جيدا على المزارعين.

 

ويرى الدكتور عبدالمنعم الجندى، الباحث بوزارة الزراعة، أن الفكرة لها مردود اقتصادى كبير، عن طريق سلق البطاطا وإضافتها إلى دقيق القمح بنسبة 50%، حيث إن لها قيمة غذائية عالية، بخلاف تقليل استهلاك القمح، كما أن المساحة المزروعة من القمح 3 ملايين و600 ألف فدان، وفى حال زراعة 360 ألف فدان بالبطاطا بجانبها، سنكفى احتياجاتنا من الخبز ولن نحتاج لاستيراد القمح.

 

فيما توضح الدكتورة إيمان نصّار، خبيرة التغذية بالمعهد القومى للبحوث، أن القيمة الغذائية لخبز البطاطا مرتفعة، خاصة البيضاء التى تتميز بأنها منزوعة السكريات وعالية البروتين والكربوهيدرات والنشويات، كما أن البطاطا تسهم فى تقليل مستوى السكر بالدم، وتحسِّن من الصحة العامة، والأمر يحتاج لحملات توعية عن خبز البطاطا وقيمته الغذائية.

 

حجم الاستهلاك

وتتراوح نسبة استهلاك الفرد فى مصر من منتجات القمح بين 180 و200 كيلوجرام سنويا، وفقا للدكتور أسامة على محمد، رئيس قسم المحاصيل بكلية الزراعة بجامعة المنوفية، رغم أن الكميات الموصى بها من منظمة الأغذية والزراعة (فاو) فى حدود 60 إلى 70 كجم سنويا، أى أن حجمتاستهلاكنا يصل إلى ثلاثة أضعاف النسبة الموصى بها. 

 

ويتم إنتاج 270 مليون رغيف يوميا بالمخابز التموينية، فى الوقت الذى تدعم فيه الدولة رغيف الخبز البلدى بنحو 53.5 مليار جنيه، لذا كانت هناك تجارب جديدة ومتنوعة لزيادة نسبة خلط القمح بالحبوب الأخرى، من أجل تحسين مواصفات رغيف الخبز ورفع قيمته الغذائية من خلال 8 بدائـل منها الذرة الشامـية البيضاء والذرة الرفيعة والشعير وكـسر الأرز والكينوا والكسافا والبطاطا وجميعها تخضع لمعيارين لتحديد مدى صلاحية كل منها كبديل، أولهما الكمية المتوفرة، وثانيهما مدى توفر المعاملة التكنولوجيا المناسبة للتعامل مع هذه البدائل، فمثلا الشعير والذرة الرفيعة وكسر الأرز والكينوا تتوفر لها المعاملات التكنولوجية، إلا أنها لا تتوفر بكميات كافية أما البطاطا والكسافا فيوجد منها كميات كبيرة إلا أن هناك صعوبة كبيرة فى التعامل معهما.

 

والذرة البيضاء هى البديل الحالى المتوفر الذى يمكن الاستعانة به لتوافرها بكميات كبيرة، وقد سبق استخدامها بنسبة 15% خلطا مع دقيق القمح فى إنتاج الخبز البلدى حتى عام 2013، وتوقفت هذه النوعية من الخبز لعدم وجود مطاحن متخصصة فى التعامل معها، ما أدى لإنتاج رغيف بمواصفات ليست جيدة، ما يتطلب توفير مطاحن متخصصة لطحن الذرة البيضاء بما يتواءم مع إنتاج الخبز.

 

البديل المثالى

وتعد الكينوا أحد المحاصيل الشتوية الواعدة التى يمكنها النمو تحت مستويات عالية من الملوحة، سواء ملوحة التربة أو ملوحة مياه الرى، لذا فهى أفضل المحاصيل التى يمكن أن يوصى بها للزراعة فى الأراضى المتأثرة بالملوحة لما تتمتع به من قدرة تحمل عالية تمكنها من النمو فى الظروف البيئية التى تعجز محاصيل أخرى عن النمو بها، فالكينوا يمكن أن تكون غذاء تكميليا يضاف إلى القمح لتصنيع كافة المخبوزات كما هو متبع فى دول أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة .

 

وبجانب ما سبق، فإن الكينوا احتياجاتها المائية والسمادية قليلة وتنمو بصورة جيدة بالمناطق الشمالية من مصر اعتماداً على مياه الأمطار، ويتميز محصولها بفترة نمو قصيرة، حيث إن مدة مكثه بالحقل من الزراعة إلى الحصاد حوالى 100 يوم للأصناف مبكرة النضج، وتم تجربة هذا المحصول بالفعل فى عام 2005 بجنوب سيناء بمنطقة نويبع، وزرعت 13 سلالة من نوعين مختلفين أحدهما مبكر النضج والآخر متأخر، وتم حصادهما يدويا واختلفت الكمية حسب السلالات، لكنها بلغت فى المتوسط واحد طن للفدان تحت الظروف البيئية القاسية لجنوب سيناء، وعلى مستوى الجمهورية وصلت مساحة الكينوا المزروعة بمصر إلى 350 فداناً موزعة بمحافظات الوادى الجديد وشمال سيناء والإسماعيلية.

نسبة الاستخراج

وتقوم الدولة حاليا بمحاولات لرفع نسبة الاستفادة من محصول القمح، ومن هذا المنطلق تنوى وزارة التموين زيادة نسبة الاستخراج من القمح لتكون 5.87% بدلا من 82%، ما سيؤدى إلى توفير نصف مليون طن تقريبا من حجم ما نستورده سنويا.

 

فيما يوضح المهندس محمود شناوى، أستاذ بمعهد إنتاج الخبز، أن الردة أو النخالة ترفع نسبة الاستخراجتمن القمح بزيادة قدرها خمسة كيلوجرامات لكل 100 كيلو من القمح يتم إنتاجه، بالتالى يرتفع عدد الأرغفة التى نحصل عليها فى الطن الواحد، أى أننا أصبحنا نحقق استفادة أكبر من الكميات المتاحة لدينا وهو خيار مناسب فى ظل الأزمة العالمية لواردات القمح من الخارج.