يوميات الأخبار

الأستاذ «مكى» مدرسا للدين المسيحى

حسنى ميلاد
حسنى ميلاد

كان الأستاذ محمود مكى يقدم لنا تعاليم الكتاب المقدس مثل أى مدرس وكنا نحبه ونعشقه، وكان يشاركنا فى الأفراح والجنازات ويخطب فى سرادقات العزاء والكنائس

اذكر فى بداية سنوات التعليم بالمرحلة الابتدائية فى قريتى الصفيحة مركز طهطا بسوهاج فى  السبعينيات من القرن الماضى كان بالقرية مجمع قروى يضم مدرسة ابتدائية ومجلسا محليا ومستشفى ووحدة بيطرية وكانت هى المدرسة الوحيدة فى القرية الأم التى تخدم حوالى ١٠ نجوع وتوابع منها نجع مغيزل الذى انتمى اليه ولأنى كنت من المتفوقين وقتها كنت الطفل المدلل للمدرسين وغالبيتهم من نفس المربع ولم يكن هناك مدرس  لتدريس مادة الدين المسيحى لعدد كبير من التلاميذ  وانا منهم. 

ونظرا لطبيعة المرحلة فى السبعينات وتميزها بصفاء النفوس والعلاقة الطيبة بين ابناء القرى كافة تم إسناد مادة الدين المسيحى للأستاذ محمود مكى لعدم وجود مدرس مسيحى فى المدرسة وهو من نجع قريب لنا وتجمعه بكل الاسر علاقات حب واحترام وللحق كان الأستاذ محمود يقدم لنا تعاليم الكتاب المقدس مثل أى مدرس وكنا نحبه ونعشقه، لم يقتصر الامر على تدريس الدين المسيحى فقط بل كان يشاركنا فى الجنازات وفى الافراح ويخطب فى سرادق العزاء والكنائس يتحدث بلغة عربية ويظهر مبادئ واخلاقيات الدين وفضله على التربية وحسن المعاملة والأخلاق وكان يلقى قبولا من جميع الأسر المسيحية والإسلامية على السواء.

وكان الأستاذ مكى موهوبا فى كتابة الشعر والمسرحيات وقد أعطانى اكثر من دور فى مسرحيات ما زلت اذكرها لاجادتى فن التمثيل وكانت تعرض على مسرح الوحدة المحلية على نور «الكلوب» حيث كان هو أسلوب الاضاءة الوحيد فى القرية وكان يحضر العرض عمدة القرية  احمد اسماعيل الذى كنا نستعير «الكلوب» من منزله لان الكهرباء لم تكن قد وصلت الى قرى غرب طهطا حتى تاريخه وكان العرض مفتوحا أمام اهل القرية والنجوع التابعة يقطعون المسافة  مساء سيرا على الاقدام فى الظلام وسط جو من الود والاحترام ودفء المشاعر بين الجميع وأذكر من أساتذتى فى المرحلة الابتدائية احمد عبد العليم ومحمد سيد ادريس ومحمد عبد اللطيف والاستاذ عيد احمد رحم الله الجميع.

والتلاميذ كانوا يهابون المدرسين ويحترمونهم رغم أنهم كانوا يستخدمون العصا والجلدة فى عقاب البليد او المشاغب وكان الأب يزيد على ابنه فى المنزل لانه كان يثق فى حب المدرس له ويثق ان العقاب للتهذيب وليس من أجل الدرس الخاص. 

بشرى عم سيد

حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1975 من مدرسة الصفيحة بطهطا وقت أن كان التعليم الحكومى بحق وحقيقى ولا وجود للتعليم الخاص سوى مدارس الراهبات فى مراكز ومدن المحافظة وقد كنت اذاكر دروسى على لمبة الجاز او ضوء القمر ليلا على سطح المنزل الريفى حيث كان لضوء القمر رونقه ولمعانه فى الجو المظلم ومع ذلك كنت من المتفوقين لمجموع 80% حيث لم يكن أى مجموع يزيد على 85% عكس ما يحدث الآن.. وكان عم سيد فراش المدرسة وهو معروف لدى كل العائلات يرسل بشرى بالنجاح مع من يقابله لكل تلميذ فى القرية والنجوع التابعة ويحتفظ هو بالكشف وبه درجات المجموع ويحضر بنفسه يوم اعلان النتيجة الى كل نجع وينتظر فى منزل كبار العائلات ليعطى الدرجات لكل ناجح فى النجع مقابل «الحلاوة» وكانت تبدأ بمبلغ 50 قرشا تزيد مع المجموع الأكبر بخلاف تناوله الشربات الذى كنا ننتظره فى المناسبات الحلوة فقط وهو عبارة عن عصير فواكه من شركه ادفينا ابتهاجا بالفرح ولا مانع من تناول الغداء. 

بعد الحصول على الابتدائية كان لزاما الدخول فى المرحلة الإعدادية ولم تكن سوى مدرسة واحدة فى قرية نزلة القاضى وتخدم اكثر من 5 قرى رئيسية بتوابعها وكانت قد اكتملت فوق طاقتها فتم تحويلنا الى المدرسة الإسلامية الحديثة بمركز طهطا الذى يبعد عن قرية الصفيحة بحوالى 20 كيلو مترا ولم يكن هناك مواصلات ولا طرق فاضطررت الى استئجار سرير فى غرفة مع 3 من اقاربى. 

اشتريت سريرا مصنوعا من جريد النخيل ومرتبه على مقاسه وكنت آخذ مصروفا اسبوعيا 75 قرشا كانت تكفى وتفيض وكل أسبوعين نذهب فى زيارة الى الاسرة وكنا نحشر فى تاكسى سعه 5 افراد اكثر من  10 افراد..

ولك ان تتخيل تلميذا صغيرا عمره 12 عاما يعيش مغتربا عن اسرته ويتحمل مسئولية نفسه فى الاكل والشرب والذهاب والعودة من المدرسة والاهم مذاكرة دروسه دون مساعده او التفكير فى درس خصوصى المهم حصلت على الشهادة الاعدادية بمجموع يؤهلنى للالتحاق بمدرسة رفاعه رافع الطهطاوى الثانوية العسكرية.. 

الأخبار ومنتصف العمر

جاء احتفال جريدة الأخبار بمرور 70 سنة صحافة على إنشائها وتأثيرها الحقيقى والفعال فى تشكيل وجدان الشعب المصرى ودورها الثقافى والتنويرى والاجتماعى فى حياة المواطنين كل سنة ودارنا الحبيبة اخبار اليوم بخير وجريدة الاخبار فى الصدارة بقياداتها على مر السنين لاستكمال مسيرة النجاح. 

لقد قضيت اكثر من 35 عاما فى الأخبار أى منتصف عمرها واكثر من نصف عمرى الحقيقى حتى الآن بين جدرانها واروقتها  تعلمت خلالها  أصول الصحافة على يد أساتذة وعمالقة الصحافة فى مصر والعالم العربى، وحققت كثيرا من النجاحات على المستوى الشخصى رغم انى كنت فى قسم المحافظات بعيدا عن الأضواء فقد كنت سببا فى اصدار الرئيس مبارك قرارا أو توجيهات بتخصيص أراض للكنائس فى المدن الجديدة بمقال نشر فى اخبار اليوم بتاريخ 9 أغسطس 2008 بعنوان  «من هموم الاقباط؟» تساءلت فيه عن آثار عدم تخصيص أماكن لدور العبادة للمسيحيين وبصفة خاصة فى المناطق المحرومة والمدن الجديدة، وساهمت فى وضع المادة الثالثة من الدستور الخاصة باحتكام غير المسلمين لشرائعهم فى احوالهم الشخصية والدينية وتحقيق التمييز الإيجابى للفئات الضعيفة ومنهم الاقباط فى البرلمان والمجالس المحلية  بعد حوار جرىء مع الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية الأسبق ، وتسببت فى صدور قرار وزارى من الدكتور ممدوح البلتاجى وزير السياحة الأسبق بتقنين أوضاع مراكز الغوص بالقرى والمنشآت السياحية فى المحافظات الساحلية بعد نشر موضوع بناء على تحذير من مجلة المانية لرئيس لجنة السياحة  بالمجلس المحلى لمحافظة جنوب سيناء فى التسعينيات من قيام السياح الأجانب بتكسير الشعاب المرجانية وخاصة الإسرائيليين بشواطئ شرم ودهب لاستخدامها فى تصنيع أدوية لعلاج السرطان، وحصلت على استجابات لقصص إنسانية كتبتها وآخرها استجابة من الرئيس السيسى لقصة رمضان الذى يعيش فى عشة بالمقطم ومعه 6 ابناء بينهم 3 من ذوى الإعاقة، وتعاملت مع مئات من المحافظين والوزراء وكبار المسئولين تعلمت منهم وكسبت احترامهم فى رحلة عطاء ناصعة البياض.

تدرجت فى الاخبار من محرر الى اخر درجة فى الترقيات مدير تحرير، وأكرمنى الله باختيارى رئيسا لتحرير المجلة التموينية الأكثر توزيعا بين الصحف المطبوعة فى مصر،  وها أنا أعود إلى الكتابة فى الصفحة الأخيرة بعد مرور اكثر من  15 عاما حيث قدمت أقدم باب «أخبار القرية» أيام الأستاذ الخلوق محمد بركات رئيس التحرير الأسبق خلفا للمعلم الراحل الأستاذ فايز بقطر واكون هذه المرة ضمن كتاب اليوميات مكان عظماء اخبار اليوم وعمالقة الصحافة  اقول شكرا للزميلين حمدى كامل رئيس قسم الدولة، ورضا هلال رئيس قسم خارج القاهرة على تشجيعهما لى وشكرا للأخ الأستاذ خالد ميرى على النشر وضخ أفكار وخبرات جديدة لليوميات ان تحوز إعجاب قراء الاخبار الأعزاء وكل عام وانتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك. 

 اقول الحمد لله على هذه المسيرة الناجحة واتمنى التوفيق فى باقى أيام حياتى.

الإعلام والحوار الوطنى

سررت بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى الى  حوار وطنى لكل القوى الوطنية بما فيها المعارضة من سياسيين وأحزاب ونخب علمية وثقافية واجتماعية وأساتذة جامعات ورجال دين وغيرهم على مائدة واحدة للحوار من اجل مستقبل الوطن ورصد المشاكل والمعوقات التى تعطل مسيرة التنمية ووضع خارطة طريق للنهوض بالوطن فى كافة المجالات..

اتعرض لقضية فى غاية الأهمية لأعضاء اللجنة الذين أتمنى ان يكونوا على قدر المسئولية  ويحققوا نجاحا يكتب لهم مثل لجنة الخمسين التى وضعت دستور 2014 هذه القضية ظهرت خطورتها فى الأيام الماضية وهى ضرورة تجديد الخطاب الإعلامى واقصد الصحافة التليفزيونية او البث المباشر للقضايا والأحداث على وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت لا تعتمد فقط على زملاء صحفيين يملكون كاميرات بث مباشر  بل امتدت الى كل من يحمل موبايل يلهثون وراء ما ينشر على مواقع  السوشيال ميديا وابرزها فيسبوك وتويتر ويوتيوب ولا يدققون فى صحة الأخبار ويأخذون رأى طرف واحد بقصد عمل «تريند» لجمع أموال جوجل ويخوضون فى اعراض الناس واقتحام أسرارهم بدون ضوابط لتحقيق أعلى نسب مشاهدة فى ظل المشاكل التى تعانى منها الصحف الورقية.. 

مطلوب وضع ضوابط للصحافة التليفزيونية وتقنين أوضاعها من خلال بنود فى قانون ميثاق الشرف الاعلامى والرقابة على المواقع الإلكترونية التى تبث دون التحقق مما وراء الحدث.