شعبة الذهب: العرض والطلب والبورصة والدولار معايير حاكمة للأسعار

مجنون «يا دهب»| انخفاض كبير للأسعار بعد ارتفاعات هائلة.. والمواطن «محتار»

مجنون «يا دهب» - ■ د. هانى جيد ■ د. وصفى واصف
مجنون «يا دهب» - ■ د. هانى جيد ■ د. وصفى واصف

عبد الصبور بدر 

سمعة المشغولات المصرية مميزة فى العالم ومدينة الذهب تفتح أبواب التصدير 

 يبرق الذهب خلف زجاج محلات شارع «الصاغة» بالحسين، يجذب إليه عيون سيدات وبنات يقفن أمام الفتارين وهن يشرن إلى قطع بعينها قبل الشراء، بينما يبدو المشهد داخل المحال أكثر تركيزًا على القيمة النقدية، فالفتاة التى اختارت «سلسلة» وهى فى الخارج تتنازل عن اختيارها حين يخبرها الصائغ بوزنها وسعرها.

يعبر أصحاب المحلات عن رضائهم بسبب انتعاش سوق الذهب فى الفترة الأخيرة، ويتحدثون عن أهمية الاستقرار وتأثيره على السوق، فى حين تربط شعبة الذهب بين ارتفاع سعره فى الوقت الحالى مع ارتفاع سعر الدولار.

محمد محيى الذى يعمل محاسبًا فى إحدى الشركات الخاصة اصطحب خطيبته إلى شارع «الصاغة» لاختيار الشبكة قبل عملية الشراء التى تتطلب وجود أم العريس وأم العروسة..

على مدار ساعة تنقل محمد وخطيبته داليا بين المحلات، وكلما اتفقا على اختيار قطع بعينها يفاجآن بارتفاع الأسعار فيخرجان مرة أخرى إلى محل آخر للبحث عن بدائل مناسبة.

يعترف محمد بأنه قد حدد مبلغًا معينًا للشبكة يجب ألا يتخطاه نظرًا لارتباطاته الأخرى والتى منها الصرف على الفرح التى تحتاج إلى مبلغ أكبر..

يقول محمد إن الذهب مجرد شكل اجتماعى للأسرة وتضيف داليا: إنها تعتبره نوعًا من الادخار.

أما السيدة هناء ثابت «ربة منزل» فقد أتت إلى محلات الصاغة مع ابنتها لاختيار الشبكة تمهيدًا لشرائها بصحبة العريس، تقول هناء إنها اشترطت على العريس أن تكون شبكة ابنتها غالية ولا تقل عن 50 ألف جنيه..

وتشرح أن الذهب مرتفع السعر وأن هذا المبلغ بالكاد يكفى بعض القطع، فى حين أن نفس المبلغ كان يمكنه شراء أشياء عديدة وتترحم على الزمن الماضى.

أما ما لاحظناه فى الشارع هو أن المترددين عليه لم يأتوا فقط بغرض الشراء، ولكن الكثيرين منهم حضروا إليه بهدف البيع بعد ارتفاع أسعار الذهب فى الفترة الأخيرة.

يقول أحمد صبحى (تاجر): ظروف الناس صعبة، وهو ما يجعلهم يأتون لبيع مصوغاتهم..

يبتسم ويواصل: منذ بداية اليوم وحتى الآن وأنا اشترى فقط..

يؤكد وجيه راتب صاحب أحد محال الذهب بمنطقة الصاغة بالحسين على أن شروط البورصة العالمية تسرى على الجميع، مضيفاً أنهم كتجار لا يحددون أسعار أوقية الذهب وإنما يتم تسعيرتها من الخارج..

ويلفت إلى أن سعر الدولار هو المتحكم الرئيسى فى أسعار الذهب فى مصر، فعند ارتفاع الدولار يرتفع معه تلقائيًا سعر أوقية الذهب، بوصفه سلعة مرتبطة بشكل كامل بالبورصة العالمية حتى لا يتم تهريبه للداخل أو الخارج.

ويشرح أن أكثر الفترات التى يُقبل فيها المواطنون على الشراء لحظة ارتفاع سعر الذهب لأن المواطن يظن إذا انخفض سعر الذهب أنه سينخفض أكثر وهو ما يجعله يحجم عن الشراء حتى يصل السعر إلى أدنى مستوياته لكنه يفاجأ بأن أسعار الذهب بدأت فى الارتفاع فيندم ويهرول إلى الصاغة لشراء ما يريد قبل أن يرتفع أكثر.

ويوضح: يقتصر شراء الذهب فى هذه الفترة على المقبلين على الزواج، بينما كان الناس فى الماضى يعتبرون أن الذهب وسيلة للاستثمار ما كان يجعلهم يقتنون سبائك الذهب ويحتفظون بها لسنوات طويلة قبل أن يفكروا فى بيعها، فقديمًا فقد كان كل من يمتلك أموالًا زائدة عن حاجته يستثمرها فى الذهب، ولكنه الآن لم يعد استثمارًا ناجحًا لأن مصنعيته تقلل من ثمنه بعد فترة فالمنتج الآن مصنعيته مرتفعة جدًا، فمن يستثمر أمواله فى الذهب الآن خاسر. 

ويقول إن أغلب الشبان المقدمين على الزواج يحددون مبلغًا معينًا لا يتم تجاوزه لشراء الشبكة وهو فى الغالب 20 ألف جنيه، فإذا حضروا إلى المحل فوجئوا بالوزن الثقيل لما يختارونه، ما جعل التجار ينتبهون إلى ما يحدث فقاموا بصناعة مشغولات مفرغة لتكون أخف وزنًا.

ويقول وجيه راتب إن الاستقرار مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسوق الذهب، ويتذكر الأيام التى شهدت تدهورًا أمنيًا عقب ثورة يناير مما كان يجعلهم يغلقون المحال، فى الوقت الذى شهد فيه حكم الإخوان لمصر ركودًا تامًا، فلم يكن أحد يبيع أو يشترى، ولكن الاستقرار السياسى الذى تعيشه مصر حاليًا جعل الحالة تنتعش والسوق يتحرك بشكل أفضل ولو قليلًا عن الفترات السابقة التى عانى فيها التجار معاناة كبيرة.

ويتفق معه ميشيل مالك أحد محلات الذهب بمنطقة الهرم فى أن الاستقرار يؤثر على سوق الذهب، ويضيف إن سعر أوقية الذهب ارتفع بشكل ملحوظ فى الأيام الأخيرة، أما فيما يخص العملة فهناك ما يسمى فرق جمارك، ونظرًا لقلة الاستيراد هذه الفترة فقد استولى كبار التجار فى السوق المحلية على الكمية القليلة التى يسمح بدخولها واحتكروها لأنفسهم نظرًا لقلة الدولار، وإذا حسبنا سعر الذهب العادى سنجد أنه أعلى من السعر العالمى، ففرق العملة الصعبة من البنك للسوق السوداء وقلة الاستيراد بالإضافة إلى جمرك الذهب الذى يقدر بـ 2 جنيه على كل جرام ذهب كل هذا فى النهاية يؤدى إلى رفع السعر على المستهلك الذى يتحمل هذه الأعباء بالإضافة إلى نسبة ربح التجار.

عدم الاستقرار 

ويشرح د. وصفى واصف رئيس شعبة الذهب، أن المتحكم الأول فى ارتفاع وانخفاض أسعار الذهب هو سعر البورصات العالمية، وسعر الدولار فى البنوك، وعملية العرض والطلب، وكلما زادت حركة العرض والطلب فى المشغولات الذهبية يصبح هناك ارتفاعات فى أسعار العيارات الثلاثة. 

وقال: الوضع الحالى والارتفاع الذى شهدته السوق المحلية نتج عن ارتفاع البورصات العالمية مرة أخرى، كما قال إن السعر فى البنوك ارتفع فى الفترة السابقة وانخفض الآن وأصبح مناسبًا للطلب، موضحًا أن ارتفاع السعر أو انخفاضه ينتج عن عملية العرض والطلب التى إذا شهدت انخفاضًا فى الطلب والمعروض زائد عن الطلب، فبالتالى ينخفض السعر كما يحدث فى الفترة الحالية. 

وأكد وصفى أن احتياطى الذهب له تأثير جوهرى على الاقتصاد المصرى، ولابد أن يكون لمصر حصة كبيرة من احتياطى الذهب أمام العملات الورقية حتى يصبح اقتصادها قويًا، لافتًا إلى أن مصر تشتهر بجودة صناعة الذهب وليس الكمية بالتالى «مدينة الذهب» المقرر إقامتها على مساحة ٦٠ فدانًا التى أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى عنها من قبل أنها تحت الإنشاء والدراسة ستصبح مدينة لتصنيع المشغولات الذهبية وتفتح مجالًا جيدًا جدًا لفرص التصدير للعالم العربى والافريقى، حيث أننا نمتلك الإمكانيات الفنية لصناعة الذهب بالتالى مدينة الذهب تعطى فرص تشغيل أيدى عاملة فى مجال تصنيع الذهب والمشغولات الذهبية مما يؤدى الى زيادة دخل التصنيع والتصدير. 

حسب العرض والطلب 

وقال د. هانى جيد رئيس الشعبة العامة للمصوغات والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، ورئيس شعبة الذهب بالقاهرة، إن العرض والطلب فى السوق المحلى هو أهم معايير ارتفاع وانخفاض أسعار الذهب والذهب الخام، حيث يتأثر الاقتصاد حسب السيولة الموجودة فى النقود وبالتالى تتأثر حركة البيع والشراء للذهب لاعتماده على السيولة المتاحة لدى كل فرد. 

وأضاف: الاستثمار الشخصى الأفضل هو شراء الذهب عن النقود على المدى البعيد أما عن الاستثمار قصير المدى يفضل الشهادات الاستثمارية، كما قال إن احتياطى مصر من الذهب يدعمها اقتصاديًا بشكل كبير فى وقت الأزمات كما يحدث الآن عالميًا، ويعطيها قوة بالفعل ويجعلها مصدر قوة بين الدول العربية والأوروبية، موضحًا أن «مدينة الذهب» تحت الدراسة والإنشاء وهى على مساحة حوالى ٦٠ فدانًا فى المنطقة الجديدة على طريق العين السخنة بالقرب من العاصمة الادارية والمؤشرات الأولية لانتهائها هو من ٣ إلى ٤ سنوات بداية من عام ٢٠٢٢ الحالي.

مصر أكبر مشترٍ للمعدن الأصفر 

أوضح دكتور احمد معطى خبير أسواق المال تفاصيل شراء البنك المركزى 44.4 طن من الذهب، حيث أعلن مجلس الذهب العالمى عن قيام البنك المركزى المصرى بشراء 44.4 طن من الذهب خلال شهر فبراير الماضي، وضعته كأكبر مشترٍ للمعدن الأصفر بين البنوك المركزية العالمية فى فترة الربع الأول من العام الجاري..

وحسب تقرير مجلس الذهب العالمى لشهر مايو 2022، فقد ارتفع حجم الذهب لدى البنك المركزى بمعدل 55% ليصل إلى 125.3 طن بنهاية فبراير، أو ما يعادل 19.4% من إجمالى احتياطيات العملة الأجنبية، والتى تعد الأعلى بين دول المنطقة.

وأكد  أن السوق المحلية تشهد فى الفترة القادمة ارتفاعًا آخر لعيارات الذهب ١٨ و٢٤ و٢١، نتيجة ارتفاع السعر العالمى للاونصة الذى وصل الى ١٨٥٥ دولارًا، وسوق الذهب مرتبط بالسعر العالمى وهذا يجعل سعر الذهب يرتفع فى السوق المحلي، لافتا إلى أن الشهر الحالى تشهد سوق الذهب هدوءا نسبيًا فى عملية الشراء والبيع علمًا بأن سعر الذهب انخفض عن الشهر الماضى والذى وصل سعر الجرام حينها الى ١٣٠٠ جنيه.. وأوضح «معطي» أن شراء الذهب من أجل الادخار أو الاستثمار يعتمد على شرائه فى التوقيت المناسب وهو «إما فى بداية أزمة أو نهاية الأزمة» حيث الذهب هو «الملاذ الآمن وقت الأزمات»، وعلى الشخص عدم شراء الذهب فى منتصف الأزمة لغلاء سعره وعدم الاستفادة بانخفاض سعره بعد ذلك. 

وينصح بادخار النقود الخاصة بالأفراد على طريقة ٧٠ /٣٠ أى يدخر بنسبة ٧٠ ٪ شهادات استثمار فى البنوك للاستفادة من العائد الشهرى الخاص بها و٣٠ ٪ ذهب وهذا يترتب على توقيت الشراء فى الأزمات.

اقرأ أيضاً|ارتفاع أسعار الذهب عالميا ومحليا بمنتصف تعاملات الجمعة