إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تمنع السجائر الإلكترونية لخطورتها الصحية

 إدارة الغذاء والدواء الأميركية
إدارة الغذاء والدواء الأميركية

أمرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في 23 يونيو بإزالة سجائر "جول" (Juul) الإلكترونية الشهيرة من على أرفف المتاجر في قرار جاء تقريعاً لشركة التقنية الناشئة التي تعهدت بثورة على التدخين التقليدي، لكنها ساعدت بدلاً من ذلك بنشوء جيل جديد من المراهقين المدمنين على النيكوتين

وجاءت "جول" وهي من بنات أفكار اثنين من خريجي جامعة "ستانفورد" دفعا باستراتيجية "المباغتة وانتهاز الفرص" التقليدية للنمو في وادي السيليكون.

اقرا ايضا

تحت شعار "غذائك دوائك".. «الصحة» تنظم مؤتمرا لمناقشة مستجدات الأبحاث الخاصة

كانت في البداية لا تكشف بوضوح عن احتوائها على النيكوتين، وتسويقها لجيل جديد من الشباب الذين باتوا ينبذون السجائر التقليدية بازدياد. بينما انخفضت معدلات تدخين الشباب إلى مستويات قياسية، أصبح المراهقون في جميع أنحاء أميركا فجأة مدمنين على نيكوتين التبخير. أثار ذلك حنق الآباء ومسؤولي الصحة العامة وإدارة الغذاء والدواء على حد سواء. فيما أن النيكوتين ليس العنصر المميت في السجائر بحد ذاته، بعكس الاحتراق، إلا أنه يسبب إدماناً شديداً تماماً كما الهيروين، وقد يؤثر على نمو دماغ المراهقين.

معيار الصحة العامة

يظهر جلياً أن دافع الوكالة لسحب منتج "جول" من الأسواق لم يكن جاذبية الشركة لدى الشباب. يخول قانون كان قد صدر في 2016 إدارة الغذاء والدواء سلطة منح أو رفض "أوامر التسويق" للسجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ البديلة الأخرى بناءً على مدى موافقتها لمعيار "الملاءمة لحماية الصحة العامة".

وجدت الوكالة أن سجائر "جول" لم تتوافق مع هذا المعيار لأنها فشلت بتقديم أدلة كافية "لتقييم المخاطر السمية المحتملة لاستخدام منتجاتها"، رغم أن شركة التقنية الشهيرة أنفقت أكثر من 150 مليون دولار ووظفت جيشاً من العلماء لإثبات حجتها.

كما قالت الوكالة إن بيانات منتجة السجائر الإلكترونية حول "المواد الكيميائية التي ربما تضر" وقد تتسرب من مستوعبات النيكوتين السائل غير كافية، وإنها "حالت دون إنجاز إدارة الغذاء والدواء لتقييم كامل لمخاطر السمية". رغم عدم ذكر هذه المواد الكيميائية في البيان الصحفي، إلا أن هناك دراسات تُظهر أن مدخني سجائر "جول" ربما يستنشقون معادن ثقيلة نظراً لوجود وشيعة تسخين صغيرة مصنوعة من الكروم والنيكل والحديد في المستوعب الذي يبخر منه النيكوتين السائل.

سماح لحين البت

منح قاضٍ فيدرالي في 24 يونيو أمراً طارئاً لشركة "جول" يسمح لمنتجاتها بأن تعرض للبيع على أرفف المتاجر لحين البت باستئنافها ضد قرار إدارة الغذاء والدواء. قال جو موريللو، كبير المسؤولين التنظيميين في شركة "جول": "مازلنا ملتزمين ببذل كل ما بوسعنا لمواصلة خدمة الملايين من المدخنين الأميركيين البالغين، الذين استخدموا منتجاتنا بنجاح للتحول عن السجائر القابلة للاحتراق".

يذكر أن "جول" هي أكبر الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، حيث تهيمن على ما يقرب من 40% من السوق الأميركية. حققت الشركة مبيعات قُدرت بـ 1.3 مليار دولار خلال العام الماضي، هبوطاً من ذروة أرباح بلغت 2 مليار دولار في 2019. يتركز أكثر من 90% من أعمال الشركة في الولايات المتحدة، وتتواجد معظم بقية أعمالها في كندا والمملكة المتحدة، فيما تحتضن فرنسا وإيطاليا والفلبين النسبة الأقل. لن تكون الشركة سوى "نفخة دخان" بغياب السوق الأميركي.

شهدت شركات الاستثمار التي استثمرت أموالها في "جول" لدى صعودها، مثل "تايجر جلوبال مانجمنت" (Tiger Global Management) و"فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments)، إخفاق رهاناتها على مر السنين، حيث انخفض تقييم الشركة في خضم إصدار قوانين جديدة بشأن السجائر الإلكترونية، وسلسلة من المفارقات المتعلقة بالصحة العامة، وتنافسية السوق المتزايدة. دفعت مجموعة "ألتريا" (Altria)، التي تصنع سجائر "مارلبورو"، 12.8 مليار دولار للاستحواذ على 35% من "جول" في 2018، بينما تقدر الشركة هذا الاستثمار حالياً بنحو 1.6 مليار دولار. يرى محلل أبحاث التبغ في بنك "غولدمان ساكس" بوني هيرزوغ أن الجانب المشرق المحتمل بالنسبة لمجموعة "ألتريا" هو أن مزيداً من مستخدمي "جول" الذين يواجهون عالماً بلا سجائرها الإلكترونية قد يعودون لتدخين "مارلبورو" بدلاً من ذلك.

مكاسب المنافسين

لكن الرابحين في هذا الصراع هم منافسو "جول" دون شك. فقد حصلت "فيوز" (Vuse) التابعة لشركة "أر جي رينولدز فيبور" (R.J. Reynolds Vapor) التي تحتل المرتبة الثانية في سوق التدخين الإلكتروني، إضافة إلى "إنجوي" (NJOY)، ثالث أكبر منتجي السجائر الإلكترونية، على تصريح من إدارة الغذاء والدواء لتسويق منتجاتهما.

تمر إدارة الغذاء والدواء بمرحلة مفصلية مع تحول صناعة التبغ إلى عصر شركات النيكوتين الكبرى، حيث يستمر نمو سوق المنتجات البديلة للتبغ، التي قد تكون أقل ضرراً مثل السجائر الإلكترونية ومنتجات النيكوتين التي تشمل أعواد الأسنان المغموسة به، وأكياسه التي توضع بين باطن الخد واللثة، وأقراص استحلابه، حتى في ظل انخفاض مبيعات السجائر القابلة للاحتراق بمقدار بضع نقاط مئوية سنوياً. بلغت قيمة سوق النيكوتين العالمية في 2021 نحو 935 مليار دولار بزيادة 25% عن 2016، وفقاً لشركة أبحاث السوق "يورومونيتور إنترناشيونال" (Euromonitor International).

تعهدت صانعة السجائر "فيليب موريس" بالتخلي تدريجياً عن مبيعات السجائر القابلة للاحتراق وجعل غالبية منتجاتها "خالية من الدخان" بحلول 2025، كما سارعت لشراء الشركات التي لديها خبرة في إنتاج عقاقير لعلاج أمراض الرئة وأِشارت لإمكانية تطوير منتجات جديدة من شأنها أن تقدم مجموعة "تجارب حسية" مثل القنب أو حتى النباتات العشبية مثل البابونج للاسترخاء.

منع إدمان جيل

يعد حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية هو تقليل النيكوتين في السجائر إلى مستويات لا تسبب الإدمان أو تسبب حداً أدنى منه. لن يساعد ذلك المدخنين الحاليين نظرياً على التخلص من هذه العادة فحسب، بل سيمنع أيضاً جيلاً جديداً من اتخاذ قرار بالإدمان مدى الحياة، حيث يبدأ جميع المدخنين البالغين تقريباً هذه العادة قبل سن 18 عاماً. كانت إدارة بايدن قد وضعت خطة لمطالبة الشركات بتقليل كمية النيكوتين في السجائر قبل يومين فقط من صدور قرار إدارة الغذاء والدواء بحظر "جول".

لطالما شكل توفير خيارات أقل ضرراً للمدخنين تتناول "سلسلة متصلة" من المخاطر، ومنها علاجات النيكوتين البديلة مثل اللصقات والعلكات وعقاقير الإقلاع عن التدخين مثل فارينكلين والسجائر الإلكترونية، عنصراً آخر في استراتيجية المرحلة النهائية.

قدمت شركة "جول" وغيرها من صانعي السجائر الإلكترونية أنفسهم كجزء من حل مشكلة التدخين. يقول منتقدو قرار الوكالة ومؤيدو السجائر الإلكترونية إن المدخنين يفقدون البديل الأكثر شيوعاً للسجائر مع سحب "جول" من السوق. بينما يرى دعاة مكافحة التدخين الإلكتروني أن المدخنين لديهم كثير من الخيارات، بما فيها الإقلاع عن التدخين دون تدرج، وأن السجائر الإلكترونية تشكل خطراً إدمانياً بالغاً على الشباب.