ثورة 30 يونيو| السقوط الأخير.. ثورة المصريين أسقطت أتباع المرشد فى تونس وليبيا والمغرب والسودان

ملايين المصريين خرجوا للشوارع لتحرير مصر من قبضة «الإخوان»
ملايين المصريين خرجوا للشوارع لتحرير مصر من قبضة «الإخوان»

هناك مقولة رائجة بين الباحثين والمحللين السياسيين، تقول إن جماعة «الإخوان» الإرهابية تستطيع امتصاص الصدمات والهروب تحت الأرض، ومن ثم العودة مجددا إلى المشهد عندما تحين اللحظة المناسبة، وأن كل التجارب التاريخية التى مرت بها الجماعة على مدى تسعة عقود منذ تأسيسها عام 1928 تؤكد هذه الحقيقة.

فى المقابل من يراقب عن كثب ما يجرى داخل الجماعة، ويقرأ حقائق المشهد بعيدا عن أكاذيب الجماعة ومحاولات تهوين ما يجرى بين أجنحتها وقياداتها يدرك بمنتهى الواقعية، أن ما تشهده الجماعة الإرهابية هذه المرة يبدو مختلفا عن كل الأزمات التى عرفتها عبر تاريخها الملئ بالأزمات والصراعات، فضلا عن الجرائم.

أزمة الجماعة الكبرى هذه المرة أنها لا تواجه ضغطًا من الخارج فقط، بل يأتى الضغط الأكبر من داخلها، ومن صراعات قياداتها الذين يُفترض بهم أن يحافظوا على «التنظيم» الذى ظل لسنوات طويلة «صنما» يقدسه عناصر الجماعة وقادتها، ويحافظون عليه بكل غالٍ ونفيس، ولا يتورعون عن فعل أى شىء يمكن أن يهدد تماسك وصلابة هذا التنظيم، حتى لو تطلب الأمر ارتكاب جرائم القتل والاغتيال لخصومهم، أو حتى لبعض قادتهم على حد سواء!.

إقرأ أيضًا | القرار| سكينة فؤاد: ثورة 30 يونيو أعتقت البلاد والعباد

الانفجار الذى يهدد بتلاشى الجماعة وسقوطها سقوطًا مدويًا يسرى بسرعة أحيانًا وببطء أحيانًا أخرى فى شرايين الجماعة العجوز، لكنه فى كل الأحوال يتحرك بثبات ويدفعها نحو مصيرها المحتوم، فالجميع داخل وخارج الجماعة بات على يقين من أن الجماعة التى عاشت موحدة متماسكة حتى فى مواجهة أعتى أزماتها، لن تعود إلى الحياة مرة أخرى، وأن أتباع المرشد لن يعودوا مجددًا قطيعًا واحدًا يؤمر فيطيع.

ويذهب معظم المحللين والمراقبين إلى أن أكبر خسائر الجماعة الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو 2013 لم تكن فقط الخروج من الحكم، بل الأفدح هو تفكك التنظيم، ليس فقط داخل الجماعة الأم، وإنما فى مختلف فروع التنظيم الدولى، وهو ما يعده البعض أكبر انتصارات ثورة المصريين وإطاحتهم بحكم المرشد، فالجماعة باتت أمام العديد من السيناريوهات الصعبة التى تقود جميعها نحو مصير مظلم، وأن مصر على مدى السنوات الماضية نجحت فى تقديم نموذج ملهم فى التصدى للإرهاب بكل تنويعاته وتنظيماته، خاصة أن الضربة القاصمة على رأس الأفعى كانت ذات تأثير فعال، حتى لو بقيت الذيول تتحرك هنا أو هناك.
ويمكن القول إن زوال جماعة الإخوان بدأ فعليا وواقعيا، وهم فى أعلى درجات سلطتهم، بعد أن حققوا حلمهم الأكبر بالوصول إلى السلطة فى مصر، ومن هنا كان السقوط مدويًا فى صيف عام 2013 حيث أزالت إطاحة المصريين بحكم الجماعة حجر الأساس الذى كانت ترتكز عليه الفروع الأخرى، ومن ثم توالى سقوط الجماعة فى العديد من المناطق التى انطلق بها مشروع تمكين «الإخوان» بعد موجة ما يسمى بـ«الربيع العربى»، فخسر «الإخوان» الحكم فى تونس، وهزموا فى الانتخابات بالمغرب، وتراجعت مكانتهم فى ليبيا واليمن، وتلقوا ضربات قاصمة فى سوريا، وأطاح السودانيون بحكم البشير الداعم والمحتضن لهم.

كما شهدت الخريطة الإقليمية والدولية العديد من المتغيرات التى ساهمت فى توفير العديد من أوراق الضغط على الدول الداعمة لهم.
وقد يجادل البعض بالقول أن الانقسامات داخل جماعة الإخوان ليست بالأمر الجديد، فقد حدثت منذ السنوات الأولى من عمرها، حينما ظهرت حركة شباب محمد سنة 1940، بعد انشقاق مجموعة من شباب الجماعة بقيادة المحامى محمد عطية خميس، اعتراضًا منهم على تلقى البنا تبرعًا من شركة قناة السويس، التى كانت تحت هيمنة الاحتلال البريطانى.

وفى عام 1947 تم عزل أحمد السكرى، رفيق درب البنا، وأحد مؤسسى الجماعة ووكيلها فى ذلك الوقت، الذى انتقد البنا فى عدد من المقالات واتهمه بالتواصل مع شخصيات أجنبية، فاجتمعت الهيئة التأسيسية وقررت عزله، وهو ما حدث كذلك مع عبد الرحمن السندى، مسئول التنظيم الخاص، بعد وفاة البنا، حينما أعلن المستشار حسن الهضيبى، المرشد الثانى للجماعة حل التنظيم، فحاصر أنصار السندى منزل المرشد، وحدثت اشتباكات بين أنصار الطرفين، فلجأت الهيئة التأسيسية لفصل السندى.

وحتى قبل 2011 وبعدها كانت الصراعات أمرًا معتادًا داخل الجماعة، فقد قررت فصل عدد كبير من قياداتها خلال السنوات الأخيرة مثل عبدالمنعم أبوالفتوح لترشحه للرئاسة ضد مرشح الجماعة محمد مرسى، وأبو العلا ماضى لتأسيسه حزب الوسط، ومحمد حبيب نائب المرشد، وإبراهيم الزعفرانى وغيرهم بسبب مواقفهم المختلفة مع التيار القطبى المتشدد والمسيطر على الجماعة.

والواقع أن تلك الحقائق إنما تؤيد التحليل الذى يذهب إلى أن ما تعيشه الجماعة حاليا هو الأخطر فى تاريخها على الإطلاق، وليس العكس، فكل الأزمات السابقة كانت على مستوى القواعد ولأول مرة يصل الصراع إلى قمة هرم تنظيم يقوم على السمع والطاعة، فضلا عن أن الجماعة كانت فى كل أزماتها السابقة تتحرك من مربع المعارضة، لكنها اليوم تواجه انقساماتها الأعنف بعدما خرجت من مربع السلطة، وانكشفت بجلاء حقائق ارتباطاتها بدول وأجهزة استخبارات، فضلا افتضاح أمر الثروة المالية الضخمة التى تملكها أو تديرها قياداتها ومدى خداعهم للصفوف الأقل الذين تم استخدامهم كوقود وأدوات فى معارك الجماعة.

تفكك مفاصل الجماعة، بدأ حقيقة وواقعًا فى صيف 2013 الملتهب، وتحديدًا بعد فشل الجماعة فى مواجهة غضب المصريين، وهو فشل يُضاف إلى سلسلة طويلة من الإخفاقات فى إدارة الدولة، أدى بخروج ملايين المصريين، معظمهم لا انتماء سياسى لهم، لكنهم اجتمعوا على مطلب واحد وهو رحيل الجماعة عن الحكم.

كان التفكك الأول عندما تشكلت مجموعات اللجان النوعية عقب فض اعتصام رابعة، والقرار الذى اتخذته الجماعة بتحريك المظاهرات والمسيرات فى أنحاء الجمهورية، وكيف نشأت العمليات المسلحة الفردية، ومجموعات أخرى بمبادرات فردية.

وعقب هروب العديد من قيادات الجماعة إلى الخارج، وإلقاء القبض على قيادات أخرى فى مقدمتهم المرشد محمد بديع وخيرت الشاطر وغيرهما، وجدت الجماعة نفسها بلا رأس، وهو موقف تواجهه للمرة الأولى فى تاريخها، فبدأت عدة رؤوس تطل وتتنازع الهيمنة على الجماعة، فحدث انشقاق جراء استجابة محمود عزت (قبل القبض عليه) لضغوط محمود حسين الرامية لتهميش مجموعة محمد كمال قائد اللجان النوعية فى مايو 2015، والذى لقى مصرعه فى مواجهة مع قوات الأمن عام 2016.

واتسع نفوذ حسين حتى أنه أصبح مصدر تهديد يخشى عزت من إحكام سيطرته على الجماعة، الأمر الذى دفع عزت لمحاولة التصدى له من خلال تصعيد إبراهيم منير ليطال الانشقاق جبهة القيادة التاريخية بمجرد إلقاء أجهزة الأمن القبض على عزت، فى أغسطس 2020، إذ لقى تولى إبراهيم منير مهام منصب القائم بأعمال الجماعة بدلاً من عزت، رفضاً واضحاً من قبل محمود حسين وعدد آخر من قيادات الجماعة، الذى سعى إلى تولى مهام منصب المرشد العام، بدلاً من منير.

واستمرت حالة التخبط داخل الأوساط الإخوانية، مع احتدام الصراع بين جبهة محمود حسين، فى مواجهة ما يعرف بجبهة لندن برئاسة إبراهيم منير القائم بعمل المرشد العام للجماعة. كما أدى فشل احتواء الأجنحة الشبابية بسبب الانهيارات التنظيمية إلى ظهور كيانات شبابية منشقة.