خبير آثار: إحياء مسار العائلة المقدسة نقطة تحول في ذاكرة مصر الحديثة 

مسار العائلة المقدسة
مسار العائلة المقدسة

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن تبنى الدولة وعلى رأسها الرئيس السيسي إحياء مسار العائلة المقدسة كطريقًا للحج في مصر بمباركة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان رفع أسهم مصر دوليًا باعتبارها مقصدًا للحج المسيحي كأرض مباركة شهدت معجزات السيد المسيح في رحلة طولها 3500كم ذهاب وإياب، وستسجل ذاكرة مصر الحديثة هذا المشروع القومي بحروف من نور للأجيال الحالية والقادمة.

وأوضح أن الرحلة استغرقت ثلاث سنوات و11 شهر وقد جاء السيد المسيح وعمره أقل من عام أى جاء مصر طفلًا وعاد صبيًا، وقد باركت العائلة المقدسة العديد من المواقع بمصر من رفح إلى الدير المحرق تضم حاليًا آثار وآبار وأشجار ومغارات ونقوش صخرية، ويستهدف مشروع إحياء المسار 2.3 مليار مسيحي في العالم علاوة على عددًا كبيرًا من المسلمين، ولو حصلت مصر على 2%  فقط  منهم سيدخل مصر 46 مليون حاج مسيحى سنويًا وأعلى نسبة إقبال سياحي وصلت إليها مصر قبل عام 2011 كان 13 مليون سائح بكل ما تملكه مصر من مقومات.

شملت الرحلة خمسة مناطق رئيسية "منطقة غير محطة" شمال سيناء – الدلتا – وادى النطرون – منطقة حصن بابليون – صعيد مصر، وأن سبب اختيار مصر لأنها بلد الأمان استقبلت نبى الله يوسف وإخوته وعاشوا بمصر آمنين حتى نسل نبى الله موسى فهو  موسى بن عمرام بن قاهات بن لاوى بن يعقوب والذى تربى بمصر حتى خروجه منها، وكان من المفروض في خط سير الرحلة الاتجاه إلى العاصمة مباشرة عند حصن بابليون بعد عبورهم  سيناء والشرقية لكن خوفهم من وجود أتباع لهيرودس الفارين منه جعلهم يتجهوا إلى الدلتا ثم وادى النطرون ثم الاتجاه إلى العاصمة بعد الاطمئنان التام لحسن الاستقبال.

وأشار الدكتور ريحان إلى محطات الرحلة بالترتيب مع ملاحظة أن هذه المحطات كانت لها مسميات قديمة، رفح، الشيخ زويد، العريش، الفلوسيات، القلس، الفرما، تل بسطة، مسطرد، بلبيس، منية سمنود، سمنود، سخا، بلقاس، وادي النطرون، المطرية وعين شمس، الزيتون، حارة زويلة ، مصر القديمة وحصن بابليون، المعادي، ميت رهينة، دير الجرنوس بمغاغة، البهنسا، جبل الطير بسمالوط،  الأشمونين بالمنيا، ديروط، ملوي، كوم ماريا، تل العمارنة، القوصية، ميرة، الدير المحرّق وفى طريق العودة مرت العائلة المقدسة على جبل أسيوط الغربي "درنكة" إلى مصر القديمة ثم المطرية فالمحمة ومنها إلى سيناء.

وألقى الضوء على معجزات السيد المسيح بهذه المحطات وأشهرها فى "تل بسطة" أنبع الطفل نبع ماء فأحمته السيدة العذراء وغسلت ملابسه وسمى هذا المكان "المحمة" أى مكان الاستحمام، وتسمى الآن مسطرد وعند مرور العائلة المقدسة فى بلبيس استظلوا بشجرة عرفت فيما بعد بــ "شجرة مريم" وحتى الآن يدفن المسلمون حولها أمواتهم تبركًا بها، وفى سمنود الماجور الحجرى حين رحب أهلها بقدوم العائلة المقدسة ويقال إنها أقامت فى المدينة ما بين ١٤ و١٧ يومًا وقد أهدى أهالى البلدة السيدة العذراء ماجورًا حجريًا لتعجن فيه، فى الوقت الذى أنبع السيد المسيح عين ماء فى المكان الذى أقاموا به ويوجد فى كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبانوب بسمنود ماجور كبير من حجر الجرانيت يوضع فيه ماء مصلى عليه، وفي سخا بكفر الشيخ معجزة ماء كعب يسوع حيث أوقفت السيدة العذراء مريم ابنها على قاعدة عمود فغاصت مشطا قدميه فى الحجر وانطبعت قدميه وقد تفجّر نبع ماء وسمى هذا المكان "كعب يسوع"، وأصبح الموقع بركة للناس حيث يأتون ويضعون فى مكان القدم زيتًا ويحملونه إلى بلادهم وينتفعون ببركة هذا الزيت فى الشفاء.

ولفت الدكتور ريحان إلى أهمية نبع الحمراء بوادى النطرون فحين عطش الطفل ولم تجد السيدة العذراء مصدرًا للماء سوى بحيرة شديدة الملوحة، فخاضت داخلها لأمتار وأخذت بعض الماء منها لتروي طفلها ليتحول الماء المالح إلى عذب، ويتفجر في نفس الوقت ينبوع مياه عذبة بارتفاع 1.5 متر عن سطح المياه العادية والتدفق لازال حتى اليوم وهى معجزة "نبع الحمراء" في التراث المسيحي وهذه المياه مباركة ولها معجزات سواءً المالحة منها أو النبع العذب، فهي تشفي أمراض الروماتويد والروماتيزم، وجميع أمراض الحساسية بأنواعها.

باركت العائلة المقدسة 17 موقع  بالقاهرة حاليًا منها عين شمس التى أصبحت مقرًا لأسقفية قبطية، ومنطقة شجرة مريم في المطرية حيث أنبع السيد المسيح بئر ماء بجوارها ونبتت هناك نباتات عطرية مثل نبات البلسان، وهناك مغارة شهيرة قرب حصن بابليون " كنيسة أبى سرجة حاليًا" وهى المغارة التي مكثت بها العائلة المقدسة، وعلى شاطئ نهر النيل بمنطقة المعادى فى القاهرة تقع كنيسة السيدة مريم العدوية بداخلها سلالم أثرية ترجع إلى القرون الميلادية الأولى كانت تستخدم قديمًا أثناء فيضان النيل وفى 12 مارس 1976 ميلادية رأى شعب الكنيسة كتابًا مقدسًا ضخمًا يطفو على سطح المياه وهو مفتوح على سفر أشعياء الإصحاح 19 "مبارك شعبى مصر" ويوجد هذا الكتاب المقدس داخل الكنيسة.

وفي مغارة بجبل الطير بسمالوط، مكثت العائلة المقدسة وفى هذا المكان المبارك أنشأت القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين كنيسة منحوتة في الصخر عام 328 م عرفت بكنيسة الكف لمعجزة السيد المسيح حين منع سقوط صخرة عليهم عندما سند الصخرة الكبيرة بكفه الصغير فانطبع كفه على الصخرة، وصار الجبل يعرف باسم "جبل الكف "، ويضم دير المحرّق بأسيوط البيت التى عاشت فيه العائلة المقدسة فى نهاية الرحلة وبقى على مساحته ثم تحول فى العصر المسيحى المبكر إلى كنيسة ويوجد بها الحجر الذى جلس عليه السيد المسيح طبقًا للتقليد.

ويشيد الدكتور ريحان بجهود الدولة فى إحياء المسار المنطلقة فى عدة اتجاهات ومنها الاتجاه الثقافى باعتبار مسار العائلة المقدسة بمصر قيمة عالمية استثنائية وتستحق التسجيل تراث عالمى باليونسكو لذا قامت وزارة السياحة والآثار بإعداد ملف تسجيل أديرة وادى النطرون دير السريان وأبى مقار والباراموس والأنبا بيشوى تراث عالمى باليونسكو وتم الانتهاء من الملف وتسليمه كما تقوم لجنة خاصة مشكلة من وزارة الثقافة والسياحة والآثار والخارجية والداخلية والتعاون الدولى بإعداد ملف خاص بتسجيل التراث اللامادى المرتبط بالعائلة المقدسة والذى يشمل الحكايات والعادات والتقاليد الشعبية المرتبطة بالرحلة وقد أوشكت على تسليم الملف لليونسكو.

كما قامت وزارة السياحة والآثار بمشاريع ترميم شملت ترميم كنيسة أبي سرجة بمصر القديمة وترميم كنيسة السيدة العذراء مريم الشهيد أبانوب بسمنود وترميم عددًا من من المباني المتضررة من السيول في أديرة وادي النطرون وترميم موقع شجرة وبئر مريم بالمطرية .

اقرأ ايضا :- التطوير يعيد إحياء شجرة مريم بـ «مسار العائلة المقدسة»


وينوه الدكتور ريحان إلى إنجازات 8 محافظات من خلال ما أعلنه السادة المحافظين ففى شمال سيناء تم رفع كفاءة البنية التحتية بالفرما والمناطق المحيطة بها ورصف الطريق المؤدى إلى المنطقة وتشجيره وإنارة طريق الفرما على مسار العائلة المقدسة، وفى تل بسطا شهدت اكتشافات أثرية هامة وفى الغربية تم افتتاح مسار العائلة المقدسة بعد تطويره شمل إعادة تأهيل المسار وتحقيق الرؤية البصرية الجمالية للمسار، وفى سخا بكفر الشيخ تم تطوير المنطقة المحيطة بكنيسة العذراء مريم وفى وادى النطرون تم تطوير المسار بطول 26كم وتحديد أماكن التخييم بطريق دير الأنبا بيشوى والسريان وتشمل ثلاثة مخيمات.

وبمنطقة شجرة مريم بالمطرية تم حل مشكلة الصرف الصحى وتغيير أنشطة المحلات لتكون مرتبطة بالسياحة،  وبمحيط مجمع الأديان بمصر القديمة أعمال تشجير وتجميل وتشهد منطقة جبل الطير  التى تستقبل 3 مليون زائر سنويًا من المسيحيين والمسلمين خلال شهر مايو من كل عام أعمال تطوير شاملة وفى دير المحرق تمت أعمال تطوير المسار بتنسيق الموقع وتطوير المناطق المحيطة بالأديرة والكنائس.