بين جموح الإبداع وطموح المنصب.. جابر عصفور رائد أعمال

جانب من الحدث
جانب من الحدث

أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي، بالتعاون مع مؤسسة سلطان العويس، الجلسة الرابعة للملتقى الدولي "جابر عصفور.. الإنجاز والتنوير"، استكمالًا لفعاليات الملتقى لليوم الثاني على التوالي، وجاءت الجلسة تحت عنوان "جابر عصفور ومؤسسات العمل الثقافي"،تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة.

وشارك بها كل من: الكاتب الروائي بن سالم حميش، والدكتور خالد زيادة الكاتب والمفكر والباحث الأكاديمي اللبناني، والدكتور طالب الرفاعي الروائي والقاص المغربي، ورئيس الملتقى الثقافي بالكويت، والدكتور عماد أبو غازي، أستاذ الوثائق بكلية الآداب جامعة القاهرة، ووزير الثقافة الأسبق، وأدار الجلسة الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآدابة جامعة القاهرة.


استهل الدكتور سعيد المصري الجلسة قائلًا إن العمل الثقافي يهتم بالانتقال من مفهوم المثقف إلى مفهوم المسؤول، فعندما ينتقل المثقف إلى مسؤول فهذا أمر صعب جدًّا، أمام كم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وعليه أن يكون لاعبًا رشيقًا في ظل الإمكانات والقيود الموضوعة على كاهله.


وبدأ الكاتب الروائي المغربي بن سالم حميش مشاركته بوصف جابر عصفور الإنسان، الذي كان يتميز بعاطفية شديدة، واصفًا ذلك اللقاء الذي كان سببًا فيه بين جابر عصفور والملك محمد السادس، وكم كان كل منهما سعيدًا بلقاء الآخر.


مشيرًا إلى مدى إخلاص عصفور لتجربته المؤسسية، جاعلًا الثقافة رافعة من روافع التنمية البشرية، فكم يسهم الوعي الفردي والجماعي في احتفاء البشر بحياتهم وسعادتهم بها.


وقد استشهد حميش ببعض المواقف الشخصية بينه وبين الراحل الكبير، تبدت فيها إنسانية عصفور، فكم كان ملهمًا لمن حوله للاحتفاء بذواتهم.
مختتمًا حديثه بالبيت الشهير: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا، وكيف كان عصفور محرضًا على محاسبة الذات دون بخس ودون تكبر أو تجبر.

 

اقرأ ايضا :- شهادات عن جابر عصفور بالجلسة الرابعة لملتقى الإنجاز والتنوير 


وبدأ الدكتور طالب الرفاعي حديثه بالإشارة إلى تلك الميزة المهمة الموجودة في العالم العربي، ألا وهي التعاون الثقافي، مقرًّا بأننا في حاجة ماسة إلى أشخاص ينتهجون طريق جابر عصفور، صاحب الحضور الطاغي، ذلك الرجل الذي كان مسكونًا بمصر والوطن العربي، بل وبالعالم، ولذا حاول التواصل ما أمكنه مع الجميع، مؤكدًا أن مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب مدينون لعصفور بأن أفسح لهم الطريق إلى مصر.


مشيرًا إلى أن عصفور كان حاضرًا بشدة بين العمل الإداري والمنجز الثقافي والتراجم والمقالات، فمن يقرأ سيرة عصفور منذ كان شابًّا كان مسكونًا بعميد الأدب العربي "طه حسين"، ومسكونًا بالثقافة العربية، فقد كان لديه كاريزما خاصة، وكان مسكونًا بالقراءة ومتابعة كل ما يستجد من إبداع.


فقد استطاع عصفور أن يوزع روحه في أجسام وعقول وأرواح كثيرة.


مختتمًا حديثه بأن الوقت قد حان لتصدير الأدب العربي إلى العالم، وكذلك للتعاون العربي ووضع خطة حقيقية لتقديم أدبائنا المبدعين والأدب الحقيقي إلى العالم.


وقال الدكتور خالد زيادة: أعرف عصفور جيدًا، فقد أمضيت معه تسع سنوات كاملة بمصر تعلمت الكثير من خلال مناقشاته وحوارته، فقد سمعنا خلال الساعات الماضية الكثير عن هذا الرائع، وأرى أن عصفور نموذج للمثقف المصري التنويري، فقد ذكر في الساعات الماضية اسم رفاعة طهطاوي وطه حسين كسلسلة أدركت ووعت الدور الحقيقي للمثقف انضم إليهما عصفور عن استحقاق، فإذا تحدثنا عن الفرق بين الدور والوظيفة في حياة عصفور سنحد أن الوظيفة هي أستاذ جامعي وناقد أدبي، وقد برز "الدور" في مسيرة عصفور بشكل واضح وقوي، مثله مثل من سبقوه من المثقفين  المصريين  في القرن التاسع عشر فقد كان دورهم الأهم تنويريًّا وليس وظيفيًّا، وكان عصفور استكمالًا لتلك التجربة الجادة.


وجاءت مشاركة الدكتور عماد أبو غازي تحت عنوان "جابر عصفور وبناء المؤسسات الثقافية"، واصفًا عصفور بأنه أحد البنائين العظام في تاريخ العمل المؤسسي في الثقافة المصرية، فقد ارتبط اسم عصفور في إدارة العمل الثقافي بمؤسستين: المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي للترجمة، وقد خرجت المؤسسة الثانية من رحم الأولى.


مشيرًا أن عصفور حينما تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة كان يمتلك مشروعًا ثقافيًّا متكاملًا، وقبل الرجل تولي المسؤولية وكله أمل في تحقيق مشروعه الثقافي، وقد كانت المهمة الأساسية أمام عصفور إحياء المجلس الأعلى للثقافة، وتحويله إلى مركز للفكر المستنير والثقافة التقدمية.


وسارت خطته لإحياء المجلس وتمكينه من القيام بالدور المنتظر منه على أكثر من محور؛ أولها تنشيط اللجان وتوسيع قاعدة العضوية بها، بما يتطلَّبه ذلك من تعديلات في اللوائح، وثانيها تطوير أنشطة المجلس، ودفعه ليحتل مكانًا بارزًا على ساحة العمل الثقافي محليًّا وعربيًّا، والمحور الثالث يتعلق بإعادة الحياة إلى إصدارات المجلس الأعلى للثقافة المتوقفة أو المتعثرة لسنوات والإضافة إليها، وكي يستطيع المجلس أن يحقق هذا كله بنجاح فقد كان من الضروري أن يعمل على تطوير البنية الأساسية المادية للمجلس.


وقد أكد أبو غازي أن سياسة جابر عصفور قد نجحت في جعل المجلس الأعلى للثقافة جسرًا بين الثقافة العربية والثقافة العالمية من ناحية، ومكانًا لالتقاء المثقفين والباحثين والمبدعين من مختلف الأقطار العربية بعضهم ببعض، وساحة مفتوحة لحوارهم، ومجالًا لتواصلهم مع مثقفي العالم واللغات والأديان، بما لا ينفي خصوصية كل ثقافة على حدة، وبما يؤسس في الوقت نفسه لحوار ثقافات العالم وليس صراع الحضارات.


واختتم حديثه بأن المجلس الأعلى للثقافة قد صار برلمانًا للمثقفين، يضم بين أعضائه أكثر من خمسمائة من المبدعين والباحثين والمثقفين من كل الاتجاهات الفكرية والثقافية والبحثية والسياسية أيضًا، وبعد أن ترك عصفور أمانة المجلس العامة صار عضوًا من أعضائه المختارين من بين كبار المبدعين والباحثين والمفكرين في مصر، ليستمر العطاء في المجلس الأعلى للثقافة من موقع آخر، ومنذ انضمامه إلى عضوية المجلس، ثم إلى عضوية بعض لجانه، وحتى رحيله مع أفول عام 2021، برزت مساهمات عصفور المثقف والناقد والمفكر واضحة، ومثلما ترك لنا ميراثًا ثقافيًّا ونقديًّا وفكريًّا، ترك كذلك ميراثًا ملهمًا في بناء المؤسسات الثقافية وتطويرها.