للزعيم تاريخ يحيمه: تفاصيل ليلة اقتحام معقل الإرهاب

عادل إمام
عادل إمام

كتب: محمد عزالدين

عادل إمام.. زعيم الفنانين بحق.. هذا اللقب ليس من فراغ، فهو صاحب تاريخ فني طويل من الأعمال الكوميدية والجادة التي تحمل إسقاط سياسي، والجرأة أيضاً.. فكان أول من وقف من الفنانين في وجه الإرهاب، متحدياً وحاملا لواء الدفاع عن الفن والفنانين في مواجهة قوى الظلام، حتى تم وضعه على رأس قائمة المستهدفين والمهددين بالقتل من قبل الجماعات التكفيرية، ووصلت جرأته بالذهاب لمعقلهم بمحافظة أسيوط، لعرض مسرحيته «الواد سيد الشغال»، ردا على تهديدات أعضاء إحدى الجماعات التكفيرية لشباب الفنانين بمسرح أسيوط.

 

ففي عام 1985 قدم عادل إمام العرض الأول لمسرحية «الواد سيد الشغال» والتي استمر عرضها لمدة 8 سنوات، وتحديدا حتى عام 1993، وهي ثانى أطول مسرحياته، حيث تفوقت عليها بعد ذلك مسرحية «بودي جارد» والتي استمر عرضها 10 سنوات كاملة.

 

وبالرغم من كون العمل المسرحي كوميدي، إلا أن هذه المسرحية كانت أحد أسباب تتويج عادل إمام نصيرًا للفقراء، لكونها هاجمت طبقة من الأغنياء الذين اكتسبوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة على حساب أحلام البسطاء، وشارك في بطولة المسرحية وقتها كل من الفنانين عمر الحريرى، رجاء الجداوى، سوسن بدر قبل استبدالها بمشيرة إسماعيل، ومصطفى متولى، وكانت من تأليف سمير عبدالعظيم، وإخراج حسين كمال.

 

خارج موضوع قصة العرض المسرحي، كان لـ»الزعيم» موقفاً قوياً وواضحاً في إستخدام فنه للتصدى للإرهاب والتطرف الفكري في سابقة هي الأولى من نوعها، وتحد قوي للجماعات التكفيرية التي كانت منتشرة ذلك الوقت بصعيد مصر، ففي صيف عام 1988 قدم عادل موقفاً بطوليا متحدياً الجماعات التكفيرية التي هددت شباب المسرح بمدينة أسيوط، حيث قام بمغامرة، وذلك بعرض مسرحية «الواد سيد الشغال» على مسرح جامعة أسيوط لمدة يومين مجانا، على أن يخصص دخله لصالح النشاط المسرحي بالمدينة، في سابقة هي الأولى من نوعها، وكانت بداية التحدي الأكبر للإرهاب في المحافظة التي شهدت أحداثا مأساوية من قبل تلك الجماعات الإرهابية ضد قوات الشرطة والمواطنين.

 

تعود القصة لتضامن «الزعيم» مع فرقة مغمورة من هواة المسرح أسسها شباب في قرية اسمها «كودية الإسلام»، اعتبرتهم الجماعات المتطرفة من أهل الكفر والعصيان والفسوق وحاولوا منعهم من تقديم عرضهم المسرحي بالقوة وردعهم بإستخدام الجنازير والسنج، فسقط ومات شهيدان للفن، وأصيب آخرون.

 

وروى عادل إمام بنفسه ما حدث في ذلك الوقت بالتفصيل، قائلا: «في صيف 1988.. في ذلك الوقت، كانت هناك أزمة القانون 103 الخاص باتحاد الفنانين، وفوجئنا بأن القانون الجديد يسمح بالتجديد للنقيب أكثر من فترتين، ولم يكن من الممكن بالنسبة لنا نحن الفنانين أن نقف في صف الديمقراطية، وننحاز لها وندعو إليها في أفلامنا وأعمالنا الفنية، ثم نأتي إلى نقابتنا ونعمل عكسها، لذلك وقفت ضد هؤلاء الذين أخرجوا لنا هذا القانون، وخلال تلك الأزمة قرأت خبرًا في جريدة (الوفد) يقول إن بعض الممثلين الهواة من قرية (كودية الإسلام) بمحافظة أسيوط قرروا تقديم عرض مسرحي يحض الناس على التمسك بالأرض وعدم الهجرة، فكانت النتيجة أن قتل أحدهم وتعرض الباقون للضرب بالجنازير والمطاوي، ومنعهم المتطرفون من ممارسة التمثيل بالقوة.. فشعرت بضيق شديد».

 

واستطرد: «في اليوم التالي كتب الأستاذ أحمد بهاء الدين عموده في (الأهرام) يطالب بحماية هؤلاء الفنانين الهواة، ولو اقتضى الأمر نزول الجيش بدباباته لحمايتهم، شعرت بالحزن والغضب ربما لأنني تبينت أن هؤلاء الفنانين الهواة على مسافة بعيدة جدًا من العاصمة ونجومها، ونحن هنا نتعارك على القانون 103 ومشغولون به، بينما هم يتحملون القتل والضرب بالجنازير دفاعًا عن الفن، لهذا قررت أنني يجب أن أذهب إلى أسيوط قبل أي شيء آخر، للوقوف إلى جوار هؤلاء الفنانين وللدفاع أيضًا عن نفسي وأسرتي ووطني، ذهبت لأدافع عن الفن الذي أحبه، لأدافع عن صورتي أمام أولادي، لكي يعرفوا جيدًا أن مهنتي ليست حرامًا، وأن الطعام الذي يأكلونه والتعليم الذي يتعلمونه وحياتهم كلها ليست حرامًا في حرام، ولكي يدركوا أنني أكسب أموالي من عرق جبيني، ومن خلال أشرف مهنة، وهي الفن، قررت الذهاب لإحساسي بوطني، لأنني عندما تأملت ما يمكن أن يحدث في المستقبل إذا استمر هذا الإرهاب الأسود انتابني الفزع، وشعرت وقتها بأن كل كياني في حياة استنفار وتأهب».

 

وأضاف: «قلت في حديث صحفي مع السيدة عائشة صالح في مجلة (المصور) إنني أريد الذهاب إلى أسيوط لعرض مسرحية (الواد سيد الشغال)، وأريد أن يقتنع الناس بأن الفن ليس حرامًا، وأن مصر بلد يعرف الفن والفنانين منذ زمن المصريين القدماء.. وألتقط الخيط الأستاذ مكرم محمد أحمد، وسألني: (هل تريد يا عادل أن تذهب إلى أسيوط حقًا؟، ومَنْ الذي تقترح أن يذهب معك؟).. قلت له: (أنا وفرقتي جاهزين.. ويا ريت أتسلم دعوة من هيئة ثقافية كبيرة)، واقترحت أن تكون جامعة أسيوط، حتى تكون للزيارة واجهة ثقافية، لكن رئيس الجامعة وقتها تردد وتهرب وتمت اتصالات بالمحافظة التي وافقت على استضافتي، وعندما عرفت بدعوة المحافظة، وافقت على الفور، لدرجة أنني قلت: (أنا موافق على الذهاب إلى هناك، حتى وإن كان صاحب الدعوة بائع خضار)».

 

وتابع: «كان محافظ أسيوط وقتها هو عبدالحليم موسى، وكذلك اتصل بي وزير الداخلية آنذاك وسألني: (يا عادل أنت عندك استعداد فعلًا تروح أسيوط؟).. قلت: (طبعًا)، وكانت العناصر المتطرفة تحتل شوارع وأحياء وفكر المحافظة وقتها، وأبلغت فرقتي أنني سأتوجه إلى أسيوط، وأعطيت لكل واحد منهم الحرية الكاملة للإعتذار، لكن جميع أفراد الفرقة أعلنوا أنهم سيسافرون معي، وأخذت فرقتي وسافرنا».

 

ويضيف عادل: «في أسيوط طلبت أن يحضر الحفلات الجميع، حتى المتطرفون، وتحولت أيام إقامة الحفلات في المدينة إلى أعياد، وسعدت بالتجربة إلى أقصى مدى، وبأنني أسهمت مع فرقتي في إعادة بناء المسرح، ورد الاعتبار لفرقة (كودية الإسلام)، وهناك شعرت بأن الناس في أسيوط يقولون لي: (كنت فين.. ليه ما جتش عندنا من زمان؟)، وبدأت محلات العصير تستقبل زبائنها، وأعيد فتح محلات بيع الكاسيت، وعادت حركة البيع في الشارع، كأن هناك عرسًا في أسيوط، وكنت سعيدًا بهذه المظاهرة الفنية.. لقد ذهبت إلى أسيوط بمبادرة شخصية وكمواطن مصري».

 

ولم تكن تلك المغامرة مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بمشاعر الخوف، ورهبة من تحول الرحلة لبحر من الدماء على أيدي شباب متطرف مغسول الدماغ، لا يتورع عن تلويث أياديه بدماء الأبرياء بإسم الدين، حيث روى الإعلامي عمرو أديب خلال إحدى حلقات برنامجه «الحكاية» على قناة mbc» مصر» قبل عامين، تفاصيل رحلة الزعيم لمحافظة أسيوط ضمن وفد إعلامي كان هو بينهم، حيث أوضح أديب أنه وقتها كان قد تخرج لتوه من الجامعة والتحق بمؤسسة «روزاليوسف»، فكلّفه رئيس التحرير بتغطية زيارة عادل إمام لأسيوط.

وأضاف أديب قائلا: «كنت معاه في القطر.. سافرنا كلنا في قطر واحد.. وفي مشهد العربية اللي طلع فيه يشاور للناس ده كنت واقف وراه وصرخت قولتله (انزل).. إحنا خايفين حد يضربه بالرصاص لأنه راح للمتطرفين».

 

وتابع أديب: «سافرنا في قطر واحد.. طريق طويل كانت الداخلية مأمناه بصعوبة، لأن طريق الصعيد ده كان ممكن أي حد يطلع ياخدنا كلنا.. كنا كلنا مرعوبين.. وعادل الوحيد فينا اللي مش خايف.. حتى وقت العرض وهو بيحيي الجمهور كنا واقفين في الكالوس وحاسين إنه ممكن يتقتل في أي لحظة».

 

وقبل إقدامه على تلك المبادرة أعتقد البعض في البداية أنها مجرد مناورة من «الزعيم» لجذب الأضواء إليه، إلا أن تحركاته كانت جادة، وتأهب أهالي أسيوط جميعا لهذا الحدث الكبير وخرج لاستقبال أبطال العرض وعلى رأسهم عادل إمام، وخلال عرض المسرحية بأسيوط، قال عادل إمام جملته التي هزت أرجاء المسرح والمدينة بأكملها «الفن هو ضمير الأمة.. وبلد بلا مسرح هي بلد بلا فن.. بلد بلا ضمير».