أميركا في لحظة التحولات الكبرى

ياسر عبد الحافظ يكتب : ربيع آيوا الأدبى.. الأول منذ عام 1967 أميركا فى لحظة التحولات الكبرى

ياسر عبد الحافظ يكتب : ربيع آيوا الأدبى.. الأول منذ عام 1967 أميركا فى لحظة التحولات الكبرى
ياسر عبد الحافظ يكتب : ربيع آيوا الأدبى.. الأول منذ عام 1967 أميركا فى لحظة التحولات الكبرى

إن كنت تقرأ أدب الرحلات لأجل التعرف على البلدان وثقافتها فنصيحتى لك ومن واقع خبرة شخصية أن تراجع هذه القناعة لأنها غير واقعية، والحقيقة أنك ترى صورة مصنوعة مرت بعشرات الفلاتر قبل عرضها عليك. 
ليس من المنطقى، أعرف، أن يبدأ وصف رحلة ما بتحذير كهذا، وإلا ما الضرورة لكتابتها! غير أنه كلام أملته الضرورة، ذلك أنه من ناحية علينا إدراك أن مفهوم الرحالة الكلاسيكى، وتحت وطأة الانتشار المكثف لثقافة الصورة، عليه أن يتغير لا لمنافسة الكاميرا بل لتقديم ما تعجز عن التقاطه.

ومن ناحية أخرى فإن أى حديث، وأية كتابة، عن بلد مثل أميركا، فخ معد بمهارة ليسقط فيه المنتبهون والساهون على حد سواء. فمن اللحظة الأولى هو ولوج لشبكة كثيفة من الصور المتداخلة، متعارضة ومتوائمة، تكونت على مدى زمنى قصير وبشكل متكاثف لتضارع صورًا حضارية استغرقت آلاف السنين فى التكون والرسوخ.

أميركا.. ألبوم يحمله معه أى زائر، ترتيب صوره وتنوعها يأتى بحسب ثقافته وانحيازاته. وصعوبة عرض هذا الألبوم تأتى من تعدد الألبومات وتشابكها حتى توشك كثرتها أن تودى بمعناها.
أميركا البلد الوحيد الذى يحمل كل ساكن على كوكب الأرض انطباعًا ما عنها، تعريفًا لها، سلبًا كان أو إيجابًا، عميقًا أو سطحيًا. بلد يتصف بحالة ديناميكية متواصلة لهذا وعلى خلاف بلدان أخرى تحترم الألبومات الشخصية المتكونة عنها وتتركها على حالها أو قد يتسع طموحها قليلًا فى إضافة رتوش عليها، فإن أميركا لا تقنع بالصور الجاهزة وعليه فإن أى زائر لها يجد نفسه جزءا من مناخ عام يورطه فى مساءلة صوره الذهنية، ويدفعه للمشاركة فى إنتاج صور جديدة، ضمن حياة تم تسريع إيقاعها لتختصر ما لا داعى له من تفاصيل وفق قاعدة حاكمة بأن أى مشهد قد يجرى تركيز الأضواء عليه وعرضه على الأمة، والعالم ربما، من دون ترتيب مسبق أو تحضيرات.


مثل غيرى، ذهبت إلى أميركا، وفى ذهنى عشرات الصور المسبقة، من أفلام وروايات وأغنيات، وحاولت أيضا مثل غيرى الانفتاح لتكوين صورة واقعية عنها، لكنى أدركت أنهما هنا لا ينفصلان، الواقع والتخييل.


الحالة الأميركية التى تم تصديرها إلى العالم، وامتلاكه بها، ليست مصنوعة فى استديوهات سينمائية، أو مقفاة كأغنية يتم ترديدها، وليست خطة عقل جبار فى المخابرات، غير أنه يجوز لمن أراد تصديق هذا أن يجد مكانه ودافعه ومنبره، أميركا حالة قائمة على عدم رفض نظرية.

وعلى احتضان أشكال لا نهائية من الاختلافات حتى تظن أنك لن تجد اثنين فى ذلك البلد يتفقان على أمر واحد، لكن المدهش أيضًا أن الكل يتحدث وينصت فى الوقت ذاته، ليس مهمًا من أين أتى ولا ماذا يفعل، لك الحق فى أن تؤدى مشهدك بأفضل أداء ممكن.. فى أحد شوارع آيوا سيتى توقفت لدقائق أراقب شرطيين فى زيهما الأنيق.

واستعداداتهما الأمنية الكاملة، بداية من جسدين رياضيين ممشوقين، حول خصريهما وعلى أكتافهما الكلابشات، السلاح، العصى، اللاسلكى، ويراقبان بهدوء مطلق متشردًا أسود يصيح غاضبًا ساعيًا لحشد جمهور بأن الشرطة تسعى لإلقاء القبض على رجل أسود بلا جرم إلا أنه يبحث عن طعامه.


مشهد يجرى فى إطار حوار واسع حول حقوق السود لكنه كذلك له زمن خاص به وبإيقاع لا يهدده ولا يفسده ما يدور حوله، لأن الباقين منشغلين فى أداء مشاهدهم بالجدية ذاتها، وبعد قليل تشعر كمتفرج، بسخافة التوقف طويلًا بلا أداء ما لتنصرف بدورك باحثا عما يخصك.


> لكن، أليس علينا أن نحكى القصة من أولها، حتى لو تضمنت سرد بعض التفاصيل المملة مثل الداعى إلى السفر وأسبابه، ولماذا كتابة هذه الرحلة من الأساس؟ 
استغرق السفر يومًا، من القاهرة إلى فرانكفورت ثم شيكاغو قبل الوصول إلى ما يطلقون عليه فى المطارات «الوجهة النهائية» المحطة الأخيرة بعد رحلات طويلة يتخللها مرور عابر على بلدان لا نرى منها سوى وجوه موظفيها المنهكين بالعمل، بالاحتياطات الأمنية، والصحية، إجراءات تفسد عليهم وعلى المسافرين التمعن فى معنى ما لتلك اللحظات العابرة المحتشدة بآلاف التفاصيل والأمنيات، والأخطار التى أضيف إلى لائحتها التقليدية خطر التنقل بفيروس لا وسيلة لمنعه سوى بالتجهم لوأد أى محاولات للتواصل فى مهدها.


وجهتى النهائية كانت آيوا سيتى. غامرت بالتفكير قبل الوصول إليها أنى كونت فكرة كافية عنها، وهو ما اتضح خطأه سريعًا. الترتيبات لهذه الزيارة امتدت إلى عامين، كنت أظنها مدة كافية لاسكشاف مدينة ما من دون الحاجة إلى زيارتها، يمنحنا الإنترنت هذا الغرور، ابحث فى سجل أى مدينة لتجد الجولات الافتراضية، فيديوهات من الزائرين والمواطنين على السواء، مئات الصور، التغطيات الصحفية للأحداث، حتى تاريخها يمكن الإلمام به.. قبل الوصول كنت أعرف عن فيضان نهرها، وعن احتراق مبنى العاصمة وإعادة بنائه.

ما الذى يحتاجه المرء أكثر من هذا لتكشف له المدينة عن طبيعتها! غير أنه على مدى أكثر من شهرين كان على التثبت فى كل يوم جديد من أن الواقع الافتراضى ليس إلا وهمًا، وأن الانخراط فى التجربة وحده يحدد معنى الواقع، لم يكن الإنترنت لينقل إلي هذا الإحساس بمدينة قوامها أساسه السكون والابتسامات، ومعيشتها من الزراعة والفن والأدب، والزائر محاط فى شوارعها وأبنيتها بطلبة ورياضيين وأساتذة جامعة.


زمن هذه الزيارة كان المفترض أن يكون خريف العام 2020 قبل أن يعصف «كوفيد» بترتيبات كوكب الأرض بأكمله، لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تتوقف الحياة بهذا الشكل، ننشغل بمراقبة أنفسنا، كيف تعمل أجهزتنا، هل طالها الفيروس، هل مازلنا قادرين على التنفس، هل هذه الكمية من الهواء كافية؟ ضمن الأنشطة التى سبقت سفرنا كان تدوين نص عن الفيروس تحت عنوان عريض «أغنية للجائحة» كأنه كان تدريبًا على ما أنا مقدم عليه، ما عليه الأمر حقيقة فى آيوا سيتى وبرنامج الكتابة الدولى، التطلع إلى الدنيا بتفاصيلها عبر عدسة الفن، حتى إن كان ذلك متعلقًا بوباء قاتل يهدد مستقبل حياتنا.


هكذا كنت أتورط أكثر مع الوباء وفى الوقت نفسه مع مدينة آيوا، ومع برنامجها الدولى للكتابة. مؤكد أنى لن أتمكن أبدا من الفصل بين «كوفيد» وزيارتى لأميركا، ليس لأنه كان السبب الرئيسى فى أن تحمل مشاركتى مع بقية أعضاء المجموعة من الكتاب وصف «الدورة الخاصة من برنامج الكتابة الدولى» لكن أيضًا لأن الزيارة التى تحمل وصف الـ«خاصة» تزامنت كذلك مع زمن «خاص» توشك فيه مرحلة من عمر البشرية على الأفول لصالح أخرى، و»كوفيد» ليس العامل الوحيد فيها بالتأكيد، لكنه عنصر رئيسى مساهم فى تغير الأشكال القديمة وحلول واجهات جديدة تتشكل على مهل خلف الغبار الناتج عن الانهيار الشامل للصور القديمة.


دورة ربيع 2022 الاستثناء الوحيد على برنامج جاءت نشأته فى ظل متغيرات دولية وصراعات ومناخ ثورى شمل العالم بأكمله وقتها. ففى العام 1967 يؤسس الشاعر الأميركى بول آنجل (توفى عام 1991 فى المطار فيما كان مسافرا لاستلام جائزة) فى مدينة آيوا برنامج الكتابة الدولى لاستضافة عددًا من الكتاب من مختلف أنحاء العالم ليوفر لهم مناخًا ملائمًا للعمل على مشروعاتهم الأدبية، وبهدف إقامة قاعدة للتواصل بين الثقافات المختلفة، وتبادل الرؤى بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء، تحت الشعار الجريء «بإمكاننا تغيير العالم».


عام 2000 تولى الشاعر الأميريكى كريستوفر ميرل مسؤولية إدارة البرنامج، وربما ذلك كان الحدث الأبرز الذى طرأ على البرنامج، بخلاف هذا منذ تأسيسه لم يتوقف البرنامج ولم يتغير موعد أى من دوراته التى يأتيها الكتاب فى الخريف، لكن فقط دورة 2020طرأ عليها التأجيل لعام، قبل أن يتم تقسيمها إلى مجموعتين الأولى كانت فى خريف 2021 والأخرى تقرر أن تلتقى فى آيوا فى ربيع 2022، وهو ما كان، وخلال شهرين ما بين مارس وأبريل دارت أحداث هذا المحترف الخاص ما بين مناقشات وحكايات.


مدينة الأدب والسكون
منذ وصلت مدينة آيوا وشعور غامر لا أملك له ردًا يسيطر على بأنى وقعت ضحية خدعة ما. الرحلة الطويلة قادتنى إلى مكان ليس له علاقة ما بأى صور مخزنة فى ذهنى لأميركا، لا مظاهر لعنف أو عنصرية. مدينة هادئة للغاية، المعمار فيها أفقى وفى حده الأدنى ما يمنح الطبيعة حق الهيمنة على المنظر العام، منسقة كأنها ستديو فى فيلم تدور أحداثه عن بلد صغير تجرى الحياة فيه بشكل روتينى إلى أن يأتى غريب ليتغير إيقاع الحياة.


نحن أولئك الغرباء. 15 كاتبا من بلدان مختلفة قطعوا سكون المدينة، غير أنه لحسن الحظ لسنا الفوج الأول، سبقتنا أفواج عديدة، ما يزيد عن ألف وخمسمائة كاتب من أكثر من أربعين دولة جاءوا إلى هنا عبر السنوات إلى أن تكونت تقاليد وأعراف تجعل موظفًا فى هيئة ما هناك يسألك بينما يتم معاملة ما لك، عن طقوسك فى الكتابة، أو إن كان لديك نص ما تعمل عليه أثناء وجودك فى آيوا.


الكتابة والفن جزء من طقس الحياة العام فى آيوا، مثلما بالضبط العملية التعليمية، تاريخيًا أسس أهل آيوا جامعتهم بغرض الارتقاء بأسلوب حياتهم فى المجالات المختلفة، الطب، الزراعة، الهندسة وغير ذلك.

وما يدعو للإعجاب أن تمنح مدينة يقوم اقتصادها بصورة أساسية على الزراعة هذا التقدير للفن والأدب، ومع أن الهدف الأساسى من البرنامج توفير الوقت والمساحة الخاصين لكل كاتب للعمل على مشروعه، غير أنه من ناحية أخرى يجد الكاتب نفسه عضوًا فاعلًا فى المجتمع الفنى والأكاديمى لمدينة آيوا وذلك عبر برامج متعددة ومتنوعة ينضم إليها الطلبة وبعضها يدخله كاشتراط لنيل درجته العلمية.

ومن ذلك ورش الترجمة حيث يختار الطلبة من بين المشاركين الكتاب واللغات الأقرب إليهم لترجمة عمل ما له قبل أن يلتقى الكاتب بقسم الترجمة فى حوار مفتوح حول كتابته، ثقافته، والحوار يكون مصحوبًا بمناقشة متخصصة حول النص المترجم ومدى دقة اختيار الألفاظ الواردة فيه، نشاط وإن كان مفيدًا للطلبة الذين على وشك أن ينطلقوا إلى ميدان الترجمة، فأنه على الصعيد الآخر وسيلة عملية للتبادل الثقافى، وللتعريف بالثقافات والأدب البعيد عن المركز.


من بين الأنشطة التى تدخل فى صلب برنامج الكتابة الدولى، اختيار الطلبة من قسمى الرقص والتمثيل بعض نصوص الكتاب المشاركين لتحويلها إلى عروض يتم تقديمها أمام جمهور المدينة، ينتقل النقاش هنا إلى مرحلة أكثر عمقًا، حيث ينفتح الحوار مستندًا على النص المكتوب على ثقافة الكاتب.

> جلسة طارئة فى الأمم المتحدة


ضمن النشاط الأدبي والثقافي الذي انخرط فيه كتاب برنامج الكتاب الدولي، وخلال الأيام التي قضوها في نيويورك جاءت دعوة منظمة «pen» أميركا لحضور جلسة خاصة «مؤتمر الأصوات العالمي الطارئ للكتاب» حضرها عدد من الكتاب من مختلف أنحاء العالم، وذلك للنقاش حول مجموعة من القضايا الملحة والتي تثير القلق وفي حاجة لوضع سبل لمعالجتها وعلى رأسها بالطبع الحرب في أوكرانيا. وزيادة العنف ضد الأقليات، والفقر، وأزمة المناخ العالمية، وحقوق المرأة.

وفى سبيل تحويل كلمات النص المكتوب إلى عرض قائم على الحركة يسعى منفذ العرض والطلبة المشاركين فى الأداء إلى الاقتراب من عالم الكاتب وأفكاره، هكذا وجدت نفسى على سبيل المثال فى نقاش متصل مع المخرجة وأستاذة قسم الرقص ستيفانى ميركل حول مفاهيم مثل الزمن، الحركة الفردية داخل المدن، وذلك لتتمكن من تنفيذ عرض على ضفة نهر آيوا استنادًا على نصى «اعقل خطوتك» ثم يليه حوارت أخرى جانبية مع عدد من مشاهديه المهتمين بمقارنة ما نقله العرض إليهم من أفكار والمعنى الذى ذهب إليه الكاتب. 


على هذا المنوال يمكن وصف الحياة فى آيوا، التى شبهها أحد أساتذتها الجامعيين قبل سنوات فى معرض الاحتفال باختيارها مدينة للثقافة من قبل اليونسكو، بأنها «ملجأ الكتاب» وهى تسمية صحيحة، هى كأنما حرم جامعى تشكلت حوله مدينة، يملأ الطلبة أفقها على الدوام. فى رد حول سؤال عن انطباعى عنها قبل مغادرتى قلت إن المشهد الأساسى الذى سينحفر فى ذهنى عنها صورتى بينما أقرأ أو أكتب فى مكان ما وحولى الطلبة، فى استراحة ما من الحرم الجامعى، على أرض حديقة، على مقعد من المقاعد المتناثرة فى وسط المدينة، مساحات تحث على الجلوس وممارسة فعل ثقافي: تأمل، قراءة، كتابة، أو حتى مجرد التخلص من الأفكار الزائدة عبر الإنصات لصوت الطيور. مناخ مؤيد بنشاط ثقافى لا يتوقف، عرض سينمائى، موسيقى، كوميدى، وكل ذلك يجرى فى مدينة يتراكم فيها سكون قديم كاف لمن أراد التطهر من ضجيج العالم.


الخوف فى شيكاغو.
لهذا كان طبيعى ذلك الشعور بالقلق وعدم الراحة الذين استوليا علىَّ فى زيارة شيكاغو. جئت من مدينة يبتسم أهلها لبعضهم عندما يلتقون، ويسألون الغرباء عن أحوالهم كلما التقوا أحدهم: كيف قضيت يومك؟ ويتمنون لهم يومًا سعيدًا.


أول ما صادفنى فى شيكاغو لافتة لمرشح فى مجلس ما يدعو إلى التكاتف لأجل التصدى للعنف. كلمات مدعومة بالحرس المسلح فى المبانى والمراكز التجارية، وأصوات سارينة عربات الشرطة والإسعاف لا تنقطع، وتضاعف الأبراج العملاقة فى الخلفية الإحساس بالغربة والخوف. هكذا كان شعوري.. رجل ناضج أخذ الكثير من الوقت ليترك بيت أهله ويكتشف ما عليه الدنيا حقًا.


غير أن شيكاغو لمن أراد، يمكنها أن يكون لها وجوه أخرى، بخلاف العنف، الذى لم أصادف أيًا من أفعاله أو تطالنى أثاره لحسن الحظ، ربما لقصر وقت الزيارة التى لا تكفى بحال لاختبار حقيقة مدينة هائلة وأنيقة كتلك. 


مثل أى مدينة أميركية أخرى فإن الفن جزء أساسى من طريقة الحياة، المتاحف والمسارح والسينمات. لا بد من وجود الفن دومًا فى المتناول، بأشكال متعددة ومتنوعة، حالة ثرية أجبرتنى على عقد المقارنة بين نظرتنا للفن وما عليه الأمر فى ثقافات أخرى. لن تجد هنا خطابًا عن ضرورة الفن! ما الداعى لهذا؟ ليس هناك من يتحدث عن ضرورة الطعام والشراب فى حياة الناس! وكما أنه لك حرية أن تأكل ما تريد وتلبس ما تراه جميلًا من وجهة نظرك فمن حقك كذلك أن تستخدم وسيلة التعبير المناسبة للإفصاح عن أفكارك.

ولأنى قادم من ثقافة لا تزال تبحث عن مبررات وجودها، ويدفع المنتمون لها، عنها وعن أنفسهم التهم بشكل دورى، لهذا ربما كنت الوحيد الذى دار فى ذهنه سؤال إن كانت هناك تبعات ما قد تنتج عن قراءة واحدة من الكاتبات، وضمن برنامج القراءات الخاص بالبرنامج، نصًا اعتمد على الجنس لتنقل من خلال ذلك حالة نفسية بعينها! 


قرآن الصباح على ناصية شارع برودواى
فى نيويورك بقيت معلقا بين حبها وكراهيتها، لم أقرر حتى لحظة مغادرتى لها هل هى جميلة أم قبيحة، فى أوقات بدا وكأنى فى ميدان العتبة لكن مع وجود نظام. بضائع صينية رخيصة للسياح، كلها مدون عليها «أحب نيويورك»، فنانون متوسطو الموهبة فى الشوارع، رجال ونساء يرتدون أزياء تنكرية لمن يريد التقاط الصور معهم، رجل شبه عارٍ بقبعة كاوبوى يعزف على جيتار، نسوة يرتدين البكينى وقد كتبن على مؤخراتهن «أحب نيويورك»، عربات طعام لا نهائية يقف على الكثير منها مصريون ينبعث من بعضها القرآن فى الصباح.

ثم أغانى مهرجات فى الظهيرة، أفواج من المشردين لا يلحون فى السؤال، بدلا من ذلك هناك ذلك الكوب من البلاستيك لمن يريد أن يتعطف عليهم بشيء ما، تحفظ لهم الماريجوانا كرامتهم وتبقيهم فى أحلامهم وخيالاتهم، مثل كثيرين يتعاملون مع «الصنف» الذى يباع هناك فى الأركان والزوايا.

وبشكل احتفالى وقانوني. صادف بينما أقف على أحد النواصى أن جاءت سيدة سوداء لتشترى شيئًا من الماريجوانا ولم تقبل عرض الديلر بتدخين سيجارة سويًا لأن عليها أن تعود لابنتها الصغيرة لهذا تبقى التدخين لوقت متأخر من اليوم.

وعلى بعد خطوات منا يقف شرطيان يتابعان تنظيم حركة مرور الناس فى جزء مزدحم من الشارع بسبب أعمال إنشائية تجرى على قدم وساق فى كل مكان ربما لاستكمال خطة لتحويل الشوارع إلى مسارات للمشى تغطيها شبكة هائلة من المظلات يقولون إنها المستقبل القادم لشوارع المدن الكبرى التى لا تتعدى أعمال تطويرها على حق مواطنيها فى التجول بحرية، وحق الطبيعة فى فرض منطقها. 

اقرأ ايضا | موسوعة عن «حميد سعيد»