عبدالنبي النديم يكتب: عماد الدين حسين.. والهجرة الداخلية للصحفيين

عبد النبي النديم
عبد النبي النديم

مُعاناة أهل صاحبة الجلالة مستمرة، والصعب أن هذه المعاناة فى الكثير من الأحيان تأتي من أهل المهنة نفسها، فما يواجهه الصحفيين من صعوبات في الوقت الراهن بسبب عملية التحول التي تمر بها المهنة خلال الأعوام الماضية، وما تواجهه من منافسة شرسة من قبل الألوان الجديدة للعمل الصحفي من آليات مختلفة وتكنولوجيات حديثة ارتبطت بالعالم الافتراضي، وانتشار مواقع التواصل الإجتماعي بشكل أثر بشكل كبير على مبيعات الصحف الورقية، سواء القومية أو الحزبية أو الخاصة، وكذلك انتشار بوابات الصحف والمواقع الإلكترونية، التى أصبحت معها آلية وصول الخبر لا تتعدى ثواني ومعظم الأحداث يتم إذاعتها مباشر، من موقع الحدث، الأمر الذى زاد من معاناة الصحف الورقية، وقيام الهيئة الوطنية للصحافة بتحويل عدد من إصدارات الصحف الورقية إلى إلكترونية، فعملية التحول هذه خلقت في الأوساط الصحفية حالة من التوتر والقلق بين الصحفيين، وكانت سبباً كبيراً فى الهجرة الداخلية للصحفيين من الجرائد الورقية إلى المواقع الإلكترونية، ومع تقلص عملية الإعتماد على صحفيين جُدد ومتدربين، في معظم الجرائد والمواقع الصحفية، بدأ الاعتماد على الصحفيين بالجرائد الورقية، ولكن اختلفت المعاملة مع الصحفيين مع التدني فى المرتبات، خلال السنوات الماضية، بالزيادات الطفيفة التي لا توازي الارتفاع فى الأسعار والمعيشة، الأمر الذى دفع الصحفيين دفعاً إلى البحث عن مصدر رزق آخر، واللجوء إلى رؤساء التحرير والمسئولين بالمواقع الصحفية الكبرى، أملاً فى مصدر رزق جديد يزيد من دخل الصحفي يعينه على الظروف الاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وبدون قصد ..أو قد يكون بقصد ونفترض فيه حسن النية، عرض لنا الكاتب الصحفي عماد حسين رئيس تحرير موقع وجريدة الشروق، الذى خرج علينا بمقال نشره على موقع الشروق، ليصف لنا المعاناة التي يعانيها السواد الأعظم من الصحفيين في مصر، في حوار مع أحد هؤلاء الصحفيين الذين يبحثون عن دخل إضافي له، وطلب منه العمل بموقع الشروق الذي يعاني فيه أيضاً الصحفيين بجريدة وموقع الشروق من تدني مرتباتهم، كما أكد على ذلك الزميل عماد الدين حسين، في مقاله الذي نشره وجاء كالتالى: 
«الزميل قال لى» :«أريد أن أعمل معكم فى «الشروق»، قلت له بأن الظروف الاقتصادية شديدة الصعوبة فى معظم المؤسسات الإعلامية، وسألت عن الأماكن التى عمل فيها منذ تخرجه، فقال لى إنه يعمل فى أحد المواقع الإخبارية المهمة، ووعدته بالرد عليه بعد التشاور مع إدارة تحرير «الشروق». 
بعدها بأسبوع اتصل بى الزميل، فسألته، ولماذ تريد ترك الموقع الذى تعمل فيه، وتتقاضى منه أجراً وينشر لك بانتظام، وتأتى إلى مكان يعانى من مشاكل مالية، ولن يعينك سريعاً؟ ، إجابة هذا الزميل كانت صادمة، حيث قال لى: ومن قال لك إننى أريد أن أترك الموقع الذى أعمل فيه؟، أنا أرغب فى العمل عندكم للحصول على السُمعة الطيبة وعندهم للحصول على المال؟
إجابة الزميل أصابتنى بشلل مؤقت فى جهازى الإدراكى!!. قلت له هذا أمر غير طبيعى، ويشبه أن سيدة تتزوج برجلين فى وقت واحد! فجاءت إجابة الزميل أن هناك كثيرين من زملائه يعملون بصحف متنافسة فى الوقت نفسه. 
سألت الزميل: «إذا حصلت على خبر أو حوار أو قصة مهمة، فلمن سوف تعطيه أولاً، للموقع أم لجريدتنا، أم أنك ستقدم الخبر للجهتين فى الوقت نفسه مع بعض الصياغات المختلفة؟!. فلم يجب. 
الزميل لم يقدم رداً مقنعاً على أسئلتى، وفى النهاية وافقنى الرأى على مضض بأنه ليس من المنطقى الجمع بين مكانين متنافسين فى وقت واحد، اعتذرت للزميل بأدب شديد، وقلت له هذا أمر يصعب فهمه وقبوله والتعامل معه، وسوف يؤدى إلى تدمير المهنة إذا استمر هذا المنطق وتوسع، أعرف أن تصرف الزميل وكلامه ومنطقه لم يعد غريباً للأسف، وبالفعل هناك آخرون يجمعون بين مكانين متنافسين وربما أكثر فى وقت واحد. 
هذا الفساد بدأ حينما كان البعض يعمل فى قناة فضائية مثلاً، ويريد أن يتعاون مع صحيفة أو موقع إلكترونى، والحجة أنه سيقدم أعمالاً مختلفة للقناة عن تلك التى سيقدمها للموقع الإلكترونى أو الصحيفة الورقية، وعلى أيامنا حينما كنا شباباً كان شائعاً أن البعض يعمل فى صحيفة مصرية، وبجوارها فى مكتب صحيفة عربية، يقدم لها بعض الموضوعات والحوارات المختلفة من أجل تحسين الدخل، لأنها كانت تقدم مقابلاً معقولاً يعين الزميل على الجنيهات القليلة التى يحصل عليه من صحيفته، خصوصاً لأولئك الزملاء الذين لم يكونوا قد تم تعيينهم والتحاقهم بنقابة الصحفيين.
الآن وللأسف الشديد ولأسباب متعددة ومنها الأزمات الاقتصادية الطاحنة التى تعانى منها غالبية وسائل الإعلام، وغياب التنوع فى المحتوى وتراجع هامش المنافسة والحريات، تعرضت مهنة الصحافة وقواعدها لضربات مستمرة، ومنها أن عدداً من الأجيال الجديدة لم يعد يعرف القواعد المهنية السليمة، وأهمية المنافسة، وأهمية الولاء والإخلاص لمكان العمل الرئيسى، والحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بالصحيفة». 
الزميل الفاضل رئيس تحرير الشروق الأمر ليس صعباً كما تصورت، وليس فساداً كما أشرت، ولكن تكالبت على الصحفيين هموم الدنيا وزادت بإهمالكم كمسئولين عن هذه المهنة، والعمل على إنقاذها من عثرتها، فالفساد ليس على الصحفي الذى يبحث عن مصدر آخر يزيد دخله الذى أصبح حده من التدني أقل بكثير من مهن كان الصحفيون يعطفون على أصحابها، فتحديدكم الفساد في مهنة الصحافة على «نظام الجمعية» هو تسفيه للقضية، وأخذتها من جانب أنت تريد به أن تنأى بنفسك عن لب القضية، باعتبارك أحد الصحفيين الذين تم تعيينهم كنائب عن الشعب، وقيمة وقامة صحفية كبيرة تحظى بشعبية في الأوساط الصحفية، وشباب الصحفيين كانوا ينتظرون منك موقف داعم للمعاناة التي يعيشونها، وقراءة متأنية فى العقبات والصعوبات التي يواجهونها، ولا تحصرها فى قضية «الجمعية المشتركة للخبر»، إنه ليس فساداً، ولكنه البؤس الذى حول حياة الصحفيين إلى معاناة مستمرة، ولا مجيب ولا داعم لهم، فالصحفيين أصبحوا يتسولون العلاج لهم ولأسرهم، يسعون جاهدين لتجديد بطاقة التموين، التي تساعدهم على المعيشة بحد الكفاف، وأنت أعلم بأن هناك فئة كبيرة من الصحفيين لا دخل لهم سوى البدل الصحفي، وأزيدك من الشعر بيتاً، المتدربون بالمؤسسات القومية والصحف الخاصة والحزبية، المعاناة الكاملة مُجسدة فى هؤلاء الشباب من الصحفيين.
الزميل العزيز لقد بث حديثك القلق فى نفوس الصحفيين، وزاد من قاتمة المشهد أمام أعينهم، أن يصدر هذا الكلام عن أحد المسئولين عن الصحافة والصحفيين، خاصة أن مصر مقبلة على حوار وطني دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشخصكم أحد الذين نعول عليهم تصحيح الأوضاع لصاحبة الجلالة، مع باقي المسئولين من الزملاء الصحفيين عن هموم المهنة من الصحفيين أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والذى أنأى بهم عن إتباع نفس مسلككم بصب جم غضبكم على شاب يسعى لتحسين دخله، ووصمتموه بأنه سبب الفساد فى المهنة.  

وأسمح لى أن أجيبك عن تساؤلك .. «لقد جلت منكم هذه المرة»، لقد وضعت العربة أمام الحصان، ولم تنظر للظروف الاجتماعية للزملاء الصحفيين.. أولاً، وبعد رد الفعل من الزملاء أقريت بأحقيتهم فى العمل فى مواقع أخرى وقد تجملتم بجملة رنانة لا تُثمن ولا تُغنى من جوع، «لا تعطيني نسخة مكررة من الخبر»، وتطلب منا أن نحترق بنار المعيشة التى نحياها، وعار علينا مجرد التفكير في البحث عن مصدر لزيادة الدخل، وتحشرنا في زمرة الفاسدين.
الزميل العزيز والكاتب الصحفي المرموق ، إذا كان هناك تجاوز فى نقل الخبر وتكراره فليس العيب منا، ولكننا نحيا فى جزر منعزلة، لا نجد من يمد يد العون، والتعليم والنصيحة، للصحفيين الذين يرضخون تحت نير المعاناة، وبإقراركم بضعف رواتب الزملاء بالشروق، فهو ما يحزن فقد تخليتم عن مسئوليتكم تجاه الزملاء تحت رئاستكم، فى وضع مرتب عادل، الأمر الذي أجبر الكثير منهم الإنضمام إلى طوابير الهجرة الداخلية للصحفيين، والهروب من الجرائد التى لا ترعى توفير «حياة كريمة» لهم، بحثاً عن بصيص من الأمل لفتح باب رزق، الذى عز على الكثير من الصحفيين.
الزميل الفاضل أدعوك أن تتولى مسئوليتكم بجدية تجاه الصحافة والصحفيين، وتكون لسان حال السواد الأعظم من الصحفيين، فالمهنة  في حاجة شديدة لمن يخرجها من عثرتها، ويرعى مصالح أبنائها، وتوفير سُبل المعيشة الكريمة والدخل المناسب، فالمقالات التى تكتبها يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً لصحف ومواقع، والتي كما تقولون ليست المقالات التى تنشرها يومياً فى الشروق، كم تتقاضى مقابلها؟ ، بالتأكيد أضعاف مرتب زميل صحفي فى جريدة الشروق عن المقال الواحد، فلا تكيل بمكيالين، وأعد الأمور إلى نصابها الصحيح، ونقى المهنة أولاً من المتطفلين عليها - وأنت أدرى بهم – وننتظر منكم تصحيح المسار بالمهنة من خلال مشاركتكم في الحوار الوطني باِسم الصحفيين، لتعود للمهنة أدبياتها وإحترامها ومكانتها التى فقدتها بتخليكم عن دوركم المنشود، وثق تمام الثقة أنكم إذا تخليتم عن دوركم من موقع مسئوليتكم كنائب عن الصحفيين قبل أن تكون نائباً للشعب، ستكون سبه في جبينكم، ولن تغفر لكم صاحبة الجلالة تخليكم عن مسئوليتكم، والتى تنتظر منكم الكثير..   
وأدعو الزميل صاحب الواقعة مع النائب عماد الدين حسين أن يخرج علينا فلن يعيبه بحثه عن تحسين دخله أو تلميع نفسه على حد قول النائب عماد الدين حسين، ولكن موقفه هو ما يعيب المهنة، بعد أن نشر «غسيل صاحبة الجلالة» على الملأ، فكلنا هذا الزميل في البحث عن «حياة كريمة»، ولن نجيب على تساؤلك الكاتب الصحفي الكبير عماد الدين، لأننا ننتظر منكم أن تعلمونا كيف نكون مسئولين مهنياً وإدارياً لكي نستطيع تحمل المسئولية خلفكم، ولكن لا تفضحونا على الملأ، فنحن نقف أمامكم مكتوفى الأيدى ننفذ التعليمات والتوجيهات، لا نحيد عنها، ولكن لن نرضي بالقبول بالفتات فيما هو آت.. إن غداً لناظره قريب..