بعد إخلاء سبيل الفتاة الصومالية

«براءة» دفاعًا عن الشرف.. تعرف على أسباب الإباحة فى القانون

الدفاع عن الشرف
الدفاع عن الشرف

منى ربيع 

منذ أيام أصدرت النيابة العامة برئاسة المستشار حماده الصاوى النائب العام قراره بإخلاء سبيل الفتاة الصومالية المتهمة بقتل سائق توك توك بعد محاولته الاعتداء عليها وعلى شرفها، الفتاة الصومالية استطاعت اصابة المتهم باغتصابها ثم سلمت  نفسها للشرطة ومثلت الجريمة.

واقعة القتاة الصومالية أعادت الى أذهاننا جريمة فتاة العياط والتى قررت النيابة العامة فيها بأنه ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بعدما ثبت لها قيام الفتاة بالدفاع الشرعي عن النفس ليبقى السؤال؛ كيف تحدد النيابة العامة أو المحكمة إذا كان مثل تلك الوقائع كانت حالة دفاع شرعى عن النفس من عدمه؟،وكيف للمحكمة أو النيابة العامة أن تحدد إذا كانت الفتاة تعرضت للاغتصاب أو التحرش من عدمه؟!

 

هناك محاولات تحرش واغتصاب، وهناك ايضا بعض الفتيات تدعى ذلك لوجود خصومة أو لمجرد الانتقام او لوجود خلافات بينهما وبين آخرين؛ في السطور التالية نستعرض واقعة فتاة العياط، والفتاة الصومالية، وكذلك بعض القضايا والتى ظهرت فيها براءة المتهم من الاغتصاب او التحرش، لذا اجبنا على كافة الأسئلة المطروحة من خلال اساتذة القانون ورجال القضاء.

 

الإصابات التى حدثت للفتاة الصومالية جاءت كقرينة لإخلاء سبيلها؛ حيث جاءت تحقيقات النيابة العامة أنها فورَ تلقيها إخطارًا بعثور اثنين على جثمانِ سائق مركبة آلية (توك توك) بالطريق العام بجوار مركبته بمنطقة التوسعات الشمالية بأكتوبر، وحضور فتاة صومالية لقسم الشرطة للإبلاغ عن محاولة السائق التعدي عليها جنسيًّا حالَ استقلالها معه المركبة، وتهديده لها بسكين، لكنها تمكنت من انتزاع السكين منه وإصابته به، والفرار منه، ثم الإبلاغ بما وقع.

 

وباستجواب الفتاة الصومالية أقرَّت بقتلها السائق حالَ مقاومته أثناءَ محاولته مواقعتها كرهًا عنها، وقد اصطحبت النيابة العامة الفتاةَ لمسرح الواقعة بعد استجوابها، وأجرت معاينة تصويرية للجريمة على نحو ما أقرَّت به في التحقيقات تفصيلًا.

 

وقد أُرفق بالأوراق تقريرٌ بشأن توقيع الكشف الطبي على الفتاة، والثابت به إصابتُها بجرح قطعي برأسها، وعدة جروح قطعية بأصابع يديها، وأكدت تحريات الشرطة صحة الواقعة على نحو ما جاء بإقرار الفتاة في التحقيقات، كما ورد تقرير مصلحة الطب الشرعي الخاص بإجراء الصفة التشريحية على جثمان السائق، والذي أكد أن وفاته قد حدثت نتيجة الإصابة التي أشارت إليها الفتاة، وأن الواقعة جائزة الحدوث وفْقَ الرواية التي أدلَتْ بها في التحقيقات باستخدام مثل السكين المضبوط.

 

لم تكن واقعة الفتاة الصومالية هي الاولى حيث سبقها منذ عامين واقعة فتاة العياط والتى قررت النيابة العامة فيها بألا وجه لإقامة الدعوى بعدما كشفت تحقيقات النيابة العامة؛ أن المتهم استدرج الفتاة وتوقف بها بمنطقة نائية وراودها عن نفسها؛ فلما رفضت ضرب وجهها وأشهر سكينًا يهددها به؛ فأوهمته بالقبول وطلبت منه إبعاد السكين لتمكنه من نفسها، فتركه وترجل متوجهًا إليها، وقبل وصوله استلت السكين وعاجلته بطعنة برقبته؛ فخلع قميصه ليحبس به نزف دمائه، واستكمل محاولاته للنيل منها، فانهالت على جسده بطعنات أصابت صدره ومواضع أخرى بجسده، حتى أيقنت خلاصها منه، وانطلقت تبحث عن الطريق حتى أبصرت مزارعين أعاناها على الوصول إلى عامل مسجد مكنها من الاتصال بوالدها لتبلغ الشرطة.

 

كانت النيابة العامة عاينت مكان الواقعة، وتبين أنها بمنطقة صحراوية نائية بجبل طهما؛ وسألت المزارعين وعامل المسجد ومن تواجدوا بمحطة الوقود وقت لقاء المجني عليها بالمتوفى، ومن بينهم نجل عم الأخير وسائق الحافلة التي أقلتها إلى تلك المحطة.

 

وأدلى الشهود بتفصيلات عن الواقعة لم تخالف ما كشفت عنه مشاهدة النيابة العامة لتسجيلات آلات المراقبة الخاصة بالمحطة من استقلال المجني عليها سيارة المتوفى رفقته، كما أمرت بإجراء الصفة التشريحية لجثمان المتوفى، والتي أثبتت أن وفاته حدثت من الإصابات الطعنية بالعنق والصدر، وأن الواقعة تحدث وفق التصور الذي كشفت عنه التحقيقات.

 

وطلبت النيابة العامة تحريات المباحث والتي أجراها رئيس مباحث مركز العياط، وتأكد من خلالها من صحة رواية المجني عليها بشأن قتلها من توفى دفاعًا عن نفسها، واستعلمت النيابة العامة عن السجلات الخاصة بالخطوط الهاتفية التي جرت عبرها المحادثات المتعلقة بالواقعة، والتي جاءت متفقة وما أدلى به شهودها وقررته المجني عليها.

 

واستجوبت النيابة العامة، صديق المجني عليها ومن رافقه، فقرر صديقها بترجله من الحافلة قيادة من توفى وتركه هاتفه المحمول بها، وحال عودته إليها أبصره يتحدث عبر هاتفه مع المجني عليها غير أنه لم يكترث لذلك، وأن انشغاله بمرض والدته منعه من الرد على اتصالاتها التالية.

 

وأهابت النيابة العامة بالمجني عليها التزام السلوك القويم، وعدم إيراد نفسها موارد المخاطر والشبهات، كما تهيب بكل أب وأم أو ولي أمر، أن يرعوا أبناءهم وأن يضعوا أمنهم وحمايتهم نصب أعينهم، وأن يعظموا في أنفس فتياتهم وفتيانهم البعد عن مواطن المخاطر، بأن يفطنوا لخداع شرار الناس، وبأن يجعلوا الكياسة لتصرفاتهم أساس؛ فإن الوقاية من الخطر خير من علاج نتائجه بعد وقوعه.

مثلما استعرضنا وقائع الدفاع الشرعي عن النفس والشرف كان هناك بعض القضايا والتى اثبتت فيها المحكمة ادعاء المجنى عليها وبرأت المتهم فيها.

 

براءة صاحب العمارة

 ترجع الواقعة إلى عدة أشهر عندما ذهبت احدى السيدات وتدعى هبه في الرابعة والعشرين من عمرها إلى قسم شرطة شبرا الخيمة وهي تبكي غير مهندمة الثياب، وكانت تحمل في يديها «كيس بلاستيك» به عباءة مهلهلة.

 

طلبت هبه تحرير محضر ضد صاحب العمارة التي تسكن فيها، مؤكدة في أقوالها انها لم تكن تتخيل أن صاحب المنزل التي تسكن به وتعتبره مثل والدها حاول التعدي عليها جنسيًا ومزق ملابسها وبعدها انهمرت هبه في البكاء وكان ذلك في الساعة التاسعه مساءً، طلب منها ضابط القسم أن تهدأ حتى يستمع لأقوالها، وبدأت هبه تدلي بأقوالها حيث اكدت أنها فوجئت بصاحب العمارة يتهجم عليها في بيتها ويدفعها أرضًا ويمزق عباءتها ويتحسس أجزاءً حساسة من جسدها، وانها استطاعت دفعه وصرخت، لكنه خاف من رد فعلها ونزل على شقته وبعدها اتصلت بزوجها وأخبرته والذي اكد لها أنه سيأتي مسرعًا ليتم تحرير محضر بالواقعة وإحالته للنيابة التى قررت حبسه، وإحالته للمحاكمة الجنائية امام محكمة جنايات شبرا الخيمة.

 

وهناك مثل الحاج محمد داخل قفص الاتهام بينما جاءت هبه بصحبة زوجها، أصرت صاحبة البلاغ على نفس أقوالها والتى قالتها في محضر الشرطة والنيابة، وهنا طلب دفاع المتهم مناقشة هبه: في البداية سألها عن توقيت الاعتداء عليها حيث أكدت أن صاحب البيت حاول الاعتداء عليها في السادسة مساء ولم تنف اتصالها بزوجها واخباره بمحاولة الاغتصاب، وعندما سألها لماذا انتظرت لأكثر من ثلاث ساعات حتى تبلغ عن الواقعة، لم تستطع الاجابة.

 

واكتفى دفاع الحاج محمد بتلك الأسئلة وأكد محاميه في مرافعته؛ أن هناك تناقضًا في أقوال المدعية وزوجها الذي اكد أنه سيحضر مسرعًا ولكنه استمر في عمله حتى الساعة العاشرة مساءً مما يؤكد عدم معقولية الواقعة، فمن هو الزوج الذي يعلم بأن زوجته تعرضت لمحاولة اعتداء جنسي من صاحب المنزل ولم يأتِ بالرغم أن عمله يبعد عدة امتار عن المنزل.

 

وعندما بدأت المحكمة في مناقشة هبه وزوجها بدأ كل منهما يرتبك وتناقضت أقوالهما مما تسرب الشك إلى هيئة المحكمة، وكذلك قررت عدم استحالة الواقعة واصدرت حكمها ببراءة الحاج محمد وإلزام المدعية بالمصروفات واتعاب المحاماه.

سلطة تقديرية

وأمام تلك الوقائع كان علينا  الاجابة عن سؤال مهم؛ كيف للمحكمة أوالنيابة العامة أن تفرق بين الحقيقة والادعاء؟!

في البداية أكد المستشار أحمد عبد الرحمن نائب رئيس محكمة النقض وعضو مجلس القضاء الأعلى الأسبق؛ أن الدفاع عن الشرف هي احدى حالات الدفاع الشرعى عن النفس والتى قررتها المادة 248 من قانون العقوبات، ويحق للنيابة العامة أن تقرر بألا وجه لإقامة الدعوى بشرط عدم تجاوز حق المجنى عليه في الدفاع عن النفس، وان النيابة او المحكمة تستطيع التفرقة بين الدفاع الشرعى والادعاء كذبًا وذلك بعد ثبوت الادلة والقرائن وشهادة الشهود وتقرير الطب الشرعى بما وقع من إصابات الفتاة اثناء دفاعها عن نفسها وكذلك اصابات المجنى عليه كما حدث في واقعة فتاة العياط والفتاة الصومالية، وفي النهاية للمحكمة أو النيابة السلطة التقديرية في تحقيق ذلك مؤكدًا أنه اثناء عمله على منصة القضاء بمحكمة النقض كانت هناك قضية تم الحكم فيها على المتهمين بالاعدام بعد اتهامهم باغتصاب ربة منزل حيث قالت المجنى عليها إن المتهمين قاموا بخطفها من منزلها إلى شقة احدهم وتناوبوا اغتصابها، وطعن المتهمون على الحكم امام محكمة النقض وصدر الحكم بالبراءة بعد أن اطلعت المحكمة على اوراق القضية وعلى محضر صلح سابق بين المتهمين والمجنى عليها وثبوت أن احد المتهمين غير قادر جنسيا.

بينما أكد الدكتور إيهاب ماهر المحامي بالنقض قائلا؛ إن ادوات الجريمة وأقوال المتهم وتحريات المباحث وتقرير الطب الشرعي هي التى تثبت اي واقعة من عدمها، وخاصة تقرير الطب الشرعي وثبوت تعرض الفتاة لاصابات من عدمه وآثار العنف وكذلك اصابات المتهم لانه ليس كل مايقال يتم التصديق به، وأن الدليل والقرينة المحكمة تستنبطهما من خلال التحقيقات، ويجب أن تكون مدعمة بقرينة أخرى أو دليل وان الدليل في مثل تلك القضايا لا يحتاج إلى شيء آخر فهو قائم بذاته، فالدفاع الشرعى له حدود وإذا تم تجاوزه اصبح جريمة.