عاجل

ديفيد كروننبرج يصل إلى مستوى «الوحش».. تفاصيل !

المخرج الكندي ديفيد كروننبرج
المخرج الكندي ديفيد كروننبرج

إنچى ماجد

من المعروف عن المخرج الكندي ديفيد كروننبرج أنه لا يمزح أبدا في أفلامه التي تنتمى للون الرعب الجسدي، والذي كان أول من قدمه، وصنع من خلاله اسم استثنائي في سينما الرعب والخيال العلمي، فمع كل فيلم جديد له يصاب الجمهور بحالة من الصدمة، مما يراه على الشاشة من أفكار ورؤى لا تخطر مطلقا على البال، وفي أحدث أفلامه “Crimes of The Future” أو جرائم المستقبل، يثبت لنا كروننبرج أنه قد وصل إلى مستوى الوحش من رؤيته الفنية التي لا يمكن وصفها

هذا الفيلم الخفيف الحركة بطيء الإيقاع - والذي عرض لأول مرة في الدورة الأخيرة من مهرجان “كان” - يمكن وصفه كما لو كان حلم مفزع، يناقش عددا من المواضيع المعتادة التي يتناولها كروننبرج في غالبية أفلامه، من الجنس والفن والسياسة، وأخيرا المستقبل المظلم لزراعة الأعضاء البشرية، ولا توضح الأحداث بالفيلم زمان حدوثها ولا حتى مكانها، بإستثناء وجود بعض لافتات البناء المكتوبة باللغة اليونانية، ولكن بغض النظر عن ذلك الغموض فى خلفية الأحداث، يبقى السؤال الأهم: “هل كروننبرج جاد بالفعل فيما يقدمه لجمهور السينما؟”

يقوم ببطولة الفيلم النجم الدنماركي فيجو مورتنسن - الذي تعاون مع ديفيد في فيلمين سابقين هما “تاريخ العنف” و”وعود شرقية” - ويلعب فيجو دور “شاول تينسر”، وهو رجل يعيش في حالة من الإنزعاج الأبدي لأن جسده يتمرد ضده، حيث تنمو بداخله أعضاء غير طبيعية، تستأصلها زوجته “كابريس” - وتلعب دورها النجمة الفرنسية ليا سيدو – خلال احتفالات فنية يشاهدها الجمهور على الملأ.

يعيش الأثنان في مخبأ تحت الأرض، أو ربما تكون قناة جافة، وينام “شاول” في وضعية تتشابه مع “خنفساء” عملاقة مقلوبة، ويأكل من طعام غريب مصنوع من العظام التي تتزاحم حوله، وهو الطعام الذي من المفترض أن يساعده على الهضم، وعندما يخرج من مخبأه، ويرتدي عباءة وكأنه على وشك الغناء أمام الجمهور، لا شيء في هذا الأمر كله منطقي.

ومع الشهرة الكبيرة التي تحققها تلك العروض المثيرة، نجد المحققة في السجل الوطني للأعضاء “تيملين” - وتلعب دورها النجمة كريستن ستيوارت – تبحث خلف ما يسمى “متلازمة التطور السريع” - وهي التي تسمح للزوجين بأداء عروضهما المثيرة للجدل، والتي ستكون بمثابة الخطوة التالية في تطور الجنس البشري، ففي المستقبل الذي تدور خلاله الأحداث، سيتوقف غالبية البشر عن المعاناة مع الألم الجسدي.

إذا كشفت لكم المزيد من اللمحات من حبكة الفيلم المحدودة للغاية سيكون شيئا غير مجدي بالمرة، عليكم عيش التجربة ومشاهدة الفيلم الذي يأتي كحالة سينمائية صعبة الوصف، بل قد يصل وصف بعض مشاهده على أنه “حالة من الجنون” التي لا يخطر على البال مشاهدتها على شاشة السينما، فالفيلم صادم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والمشاهد غير محتملة للجمهور العادي، حتى وإن تحمل إكمال المشاهدة، رغبة في إيجاد متعة فنية بالفيلم، فلن يجد تلك المتعة من الأساس، جاءت الحوارات بالفيلم بطيئة للغاية، فضلا عن أنها حوارات غريبة لا تمت للعقل بصلة، والمشاهد تدور في غرف مظلمة وقبيحة أيضا.

مع قليل من البحث، ستكتشف أن كروننبرج قدم فيلما عام 1970 يحمل نفس الاسم ومدته ساعة واحدة، وتم تصوير أحداث ذلك الفيلم بشكل صامت، ليتم إضافة تعليق صوتي بعدها، وعلى مستوى القصة، يتشابه الفيلمان في بعض العناصر، حيث تدور أحداث الفيلم حول حدوث تطور في الجنس البشري، على إثر اكتشاف أعضاء شريرة لم يسبق رؤيتها من قبل، تنمو لدى بعض الناس، ورغم أنه من المفترض أن يأتي الفيلم الأحدث أكثر تميزا وإبداعا - على الأخص على مستوى الصورة - لأننا ببساطة في 2022، لكن كانت المفاجأة أن الفيلم الأقدم جاء أكثر جمالا في تلك النقطة تحديدا، حيث تم تصويره بألوان أساسية زاهية، ليأتي أكثر حيوية من الناحية البصرية عن نسخة 2022.

هناك مقولة شهيرة عن فن التأليف، وهي “فقط افتح الوريد.. وأنزف”.. فهل سيطرت تلك المقولة على كروننبرج عند تقديم ذلك الفيلم؟، المثير للسخرية أن “جرائم المستقبل” تجاوز تلك المقولة بكثير، لدرجة أن الأمر فلت من بين يديه، ليقدم لنا عمل فني أشبه بالعملية الجراحية العويصة.