الشاعر عبدالعزيز جويدة يفتح النار: جوائز الدولة تتم بمبدأ «شيلنى واشيلك»

عبدالعزيز جويدة
عبدالعزيز جويدة

مطربو الساحة لا يعرفون التغني بالقصائد

جويدة: لم أتكسب من الشعر وأنفق عليه.. وليست لي شلة

لست ظلًا لأخي.. وفاروق جويدة دولة إبداعية مستقلة

مراكز القوى في وزارة الثقافة أقوى من أي وزير

 

عائلة تبحث عن نوارس النور منذ الأبد، تشرق شمسها على مكتبة وارفة تفرش ظلالها على أركان العقول وخلجات الأفئدة، وتأخذ حقها كاملا من تكوينات المنزل الكبير بإحدى قرى محافظة البحيرة؛ الأب والأخ والمكتبة: ثلاثية مقدسة أسهمت فى التكوين الجينى للمعرفة المسكونة بالموسيقى عند الشاعر عبدالعزيز جويدة، وفتحت لعقله بابا واسعا على دوحة العرب الأزلية، الشعر؛ تلك النداهة التى سحرت أفراد العائلة فأضحوا أسارى خمرها المعتقة وفراشاتها الذهبية المحلقة.

وفى هذا الحوار ينفى عبدالعزيز جويدة المعروف بشاعر لاتعشقينى أن يكون ظلا لشقيقه الشاعر الكبير فاروق جويدة، ويتحدث عن جوائز الدولة التى يرى أنها تسير بمبدأ شيلنى وأشيلك، لافتًا إلى وجود بمراكز القوى فى وزارة الثقافة أقوى من أى وزير.. وفيما يلى الجزء الأول من الحوار:-

 

< إذا تحدثنا عن المهرجانات وتوزيع الغنائم السنوية لجوائز الدولة.. هل أنت راض عن مكانك المحايد حتى الآن من هذه الجوائز؟

- الذين يحكمون القبضة على جوائز الدولة هم الذين يرشحون وهم الذين يُحَكْمون وهم الذين يفوزون بالجوائز، سبحان الله مرتع للشللية يورثون بعضهم بعضا المناصب والألقاب والجوائز، البعض منهم لم يكتب حرفا منذ ثلاثين عاما وهو الذى يرشح نفسه للجائزة، وهو الذى يحصل على الجائزة بمبدأ اشيلنى واشيلكب! مشهد حزين وبائس خاص بنا نحن فقط كعرب، لا تراه فى أى دولة أخرى، لذا المشهد عندنا توقف عند هذه الصورة لأننا لم نعد نرى غيرها، هذه مصيبة توزيع الغنائم قبل وبعد كل موقعة للجوائز، وحين يكون ذلك الأمر أشد قوة وبأسا يصبح الوقوف ضده نوعا من الانتحار، ومن المستحيل أن يتغير المشهد الثقافى فى ظل وجود هؤلاء لأن مراكز القوى داخل وزارة الثقافة أقوى من أى وزير مهما كان، والحل الوحيد تسريح هذا العدد الهائل من المنتفعين ومن انتهت صلاحيتهم الإبداعية للأبد، لأن التعامل مع الثقافة على أنها مكون مجانى هذا مبدأ يجلب الخراب، وما تنفقه الدولة بهذا الشكل الفج لم يعد موجودا فى العالم كله، لأن المال السايب يعلم السرقة.

ويتساءل جودة، هل هذه المجانية ساعدت فى دحر الإرهاب؟ هل هذه المجانية أخرجت لنا طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ؟ هل جعلت المسارح تمتلئ عن آخرها بجمهور متعطش للثقافة؟ هل منعت التحرش وهذبت الأخلاق وارتقت بالكلمة وجددت الخطاب الدينى؟ هل قدمت لنا أم كلثوم وعبدالوهاب والسنباطى؟ هذه المجانية قدمت لك التوكتوك وأغانى المهرجانات والإسفاف والابتذال، وجعلت المسارح تسكنها الفئران وقصور الثقافة المغلقة للأبد؛ وهذا دليل على أن موظفى الوزارة فى واد والناس فى واد وبينهما بلاد وبلاد.. أنا لا أبحث عن جوائز ولا أريدها وكل ما أبحث عنه أن أقدم للناس ما تحبه وأكون سببًا فى إسعادهم ولو بكلمة هذه هى جائزة المبدع الحقيقى.

 

< ما صحة أن النقد لا يستطيع موازاة الإبداع الشعرى والنثرى.. وما الأسباب التى أدت إلى اتكلسب النقد الأدبى الحقيقى فى مصر؟

- النقد والإبداع وجهان لعملة واحدة، لكن المصيبة أن الناقد الحقيقى يحتاج منك إلى رعاية لكى يكون على الحياد، فمن الصعب أن تترك الناقد يقاسى العوز والفلس ويصارع الحياة من أجل البقاء خشية الغرق وتطلب منه ما لا يستطيع عمله، لأن النقد عملية إبداعية مكملة للنص الأصلى ومهمة جدا؛ فالمبدع يعانى والناقد يقاسى وكلاهما تعبا وأرهقتهما الحياة الصعبة، لذا بحث الناقد عن وظيفة بعيدة عن النقد ليعيش الحياة اليومية، وهرب من المشهد معظم النقاد الذين نأتمنهم على هذا الدور العظيم؛ والحقيقة أن الناقد الجيد عملة نادرة إذا لم يغلبه هواه الشخصى فى دفع الدفة نحو مراده لا مراد النقد؛ وعدد الكتاب زاد عن الحد وتكدس الطريق إلى النقد بعشرات النصوص التى لا لزوم لها فزاد المعروض الذى هو ليس مرغوبا فيه وتعطلت فى الطريق عشرات النصوص التى ما كان أحوجنا إليها لو تحققت فى شوارع النقد سيولة مرورية؛ نحتاج إلى إنصاف الناقد بمنحه بدل معيشة ليتفرغ إلى النقد ويبدع ويضيف، نريد أن نعينه على مرارة الحياة لكى لا يتحول من ناقد إلى ناقم أو حاقد، نريد أن نحافظ على كرامة أصحاب النقد والإبداع ونوفر لهما حياة كريمة تليق بدورهما فى الحياة، وأن نتعلم الإنسانية ولو مرة وننصف هؤلاء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لكنهم مُكرهون على ذلك، ويا ليت قومى يعلمون!

 

< ما أبرز الطقوس التى تمارسها عند الاستغراق فى كتابة الشعر؟ 

- أنا شاعر يكتب بطريقته الخاصة ولى جمهورى وطقوسى الإبداعية التى تكره القيود، فأنا أكتب عندما تكون حالتى تسمح بالكتابة لأننى لست ملزمَا بشيء تجاه جريدة أو كيان ما أكتب له، تلك الحالة من الحرية الزائدة جعلتنى فى سلام نفسى مع الحرف والورقة والقلم، لا أنتظر من الشعر شيئًا، لا مال ولا جاه ولا منصب ولا جائزة، وليست لى شلة أدبية إذا لم ترض عنى أموت جوعا، أنا أنفق على الشعر وسعيد بذلك ولم أتكسب فى حياتى من الشعر مليما واحدا ولن يحدث.. أعمل فى بلاط الشعر خادما له ولست نادما على ما أعطيته للشعر، ولكن ندمى على أننى لم أعطه أكثر ولكن كل شيء بقدر من الله.. وفى النهاية التاريخ هو الحكم العدل على كل مبدع، لذا أنا شاعر إن لم ينصفه التاريخ حيا فقد ينصفه ميتا.

 

لست ظلاً لأخي!

< هل أثرت شهرة أخيك الأكبر الشاعر الكبير فاروق جويدة فى إبداعك سلبًا أم إيجابًا.. وهل كنت اظلا شعرياب له؟

- ليس هنالك شاعر فى العالم كله كان ظلا لشاعر آخر، لأن هذه قدرة الله فى توزيع الأرزاق وعدالته المطلقة أن تنال قدر ما كتبه الله لك، ولن تنال أبدًا ما تريده أنت لأن الإبداع أرزاق يوزعها الخلاق؛ الشاعر الكبير الرائع المبدع الأستاذ فاروق جويدة مدرسة شعرية متفردة الحال وبعيدة المنال على أى مقلد لها فلن تستمتع أبدًا بمن يقلدون عبدالحليم حافظ، هكذا الشعر، كل منا له بصمته الخاصة وإحساسه الخاص وتجربته الخاصة؛ والأستاذ فاروق جويدة إبداع مختلف وجيل مختلف ووظيفة تختلف، وهو من جيل الرواد وأنا من جيل الطلاب، هو له جمهور يمتد فى العالم كله وله مسرحيات شعرية أدخلته فى منطقة أخرى تماما، وهو كاتب مقال من الطراز الأول؛ إذن هو دولة إبداعية مستقلة ذات سيادة، وهو أستاذى العظيم وقدوتى ومثلى الأعلى ومصدر فخر لنا جميعا.

الشعر والغناء

< العلاقة بين الشعر والغناء ممتدة إلى قول حسّان بن ثابت: اإن الغناء لهذا الشعر مضمارب.. ما رأيك فى هذه العلاقة المتشابكة؟

- الغناء والشعر وجهان لعملة واحدة، ولذا فى عصور ازدهار الشعر يزدهر الغناء والعكس صحيح، لأن القصيدة المغناة إذا كتب الله لها النجاح فهى تساوى عشرة دواوين من الشعر المطبوع، فى قصيدة الأطلال للشاعر الكبير إبراهيم ناجى ولحن العبقرى رياض السنباطى وغناء كوكب الشرق أم كلثوم، فإن ناجى قبل الأطلال وناجى بعد الأطلال بينهما فرق كبير، ورغم أن ناجى رحل عن دنيانا قبل أن تشدو كوكب الشرق برائعته فإنه كان كلما كتب قصيدة ذهب بها لأم كلثوم وبعد أن تسمعها تقول له: اسمعنى الأطلال يا ناجى، وهكذا حتى رحل ناجى وترك ما تركه من قصائد، وهو شاعر رومانسى مطبوع من عظماء مدرسة أبولو الشعرية، لكن سيدة الغناء كانت عبقرية عندما تختار، وبالفعل اختارت الأطلال من عدة قصائد لناجى وصنعت هذا الكوكتيل العبقرى المدهش، وأصبحنا نسمعها بلهفة منقطعة النظير، ولو ظلت القصيدة حبيسة الديوان كانت ستذهب مثلما ذهبت ملايين القصائد، لأن صوت سيدة الغناء هو أكبر وأعظم فاترينة عرض فى العالم وحين غنت لناجى عرفت البشرية كلها من هو إبراهيم ناجي، وأيضا الشاعر الكبير نزار قبانى عندما غنت له العملاقة نجاة الصغيرة اأيظنب كان له أكثر من سبعة دواوين شعرية مطبوعة والناس تطلق عليه اسم اشاعر أيظنب لأن الغناء يسكن فى قلوب الناس وعقولها والموسيقى تفرش الأرض تحت القصيدة بالياسمين والأصوات العبقرية أمثال أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة ومحمد عبدالوهاب وفايزة أحمد تمنح القصيدة بهاء يشبه بهاء الملوك فوق عروشهم، لأن القصيدة العربية المغناة تطوف العالم العربى فى ساعة واحدة لا صعوبة فى الفهم ولا غرابة فى الألفاظ، لأن اللغة العربية إذا حلقت فوق قوم سرقت القلوب وشكلت الوجدان وألهمت الألسنة عذب الكلام.

< كيف كانت تجربتك مع الموسيقار نصير شمة؟

- الأهم جرأة المطرب الذى سيغنى القصيدة وما لديه من إمكانيات تسمح له أن يخوض هذه التجربة بنجاح، لأن غناء قصيدة ليس بالأمر الهين، ولذا فى الجيل الحالى توقفت القصيدة عند المطرب كاظم الساهر حيث ذهب محصول نزار الشعرى كله إلى كاظم الساهر وغابت القصيدة العربية تماما عن ساحة الغناء ليحل محلها السوقية والابتذال والمهرجانات والإسفاف.. نصير شمة موسيقار عبقرى فذ، وقدمنا معا ثلاثة أعمال فقط لأن كبار مطربى الساحة لا يتغنون بالقصائد وكاظم الساهر يغنى دائما من ألحانه ولو وجد نصير شمة المطرب الذى يحقق له ما يريد لصال وجال فى عالم القصيدة، ولكن للأسف الشديد نحن أمام تراجع واضح وملحوظ وربما يكون فيه تعمد من البعض أن تُطرد القصيدة العربية المغناة من ساحة الغناء لتظل خالية لهذا الهراء.. آمال ماهر وأنغام وعلى الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح وشيرين وأصالة لو منحوا القصيدة حقها لنقلتهم إلى عالم آخر من المجد، فأغنيات مثل ارسالة من تحت الماءب وبقارئة الفنجانب واالجندولب واالأطلالب والا تدخلىب واحبيبهاب وبعدت يا يوم مولدىب والا تكذبىب واأنا لن أعود إليكب واأراك عصى الدمعب واهذه ليلتىب واغدا ألقاكب، هذه الدرر من ينكرها وينكر دورها فهو جاحد لأن القصيدة المغناة لها سحر عجيب.

محور حياتى!

< يُقال عنك دائما إن معظم شعرك عاطفى.. كيف تجد علاقتك بالمرأة، وهل تعتقد حقا أن: اكل النساء سواءب؟

- المرأة فى حياتى نسبتها كنسبة المياه إلى اليابسة على سطح الكرة الأرضية، المرأة هى المياه، وهى محور حياتى واهتمامى وشغلى الشاغل كشاعر، لأن الشعر فى نظرى خُلق ليُكتب فى النساء، ومهما تعددت أغراض الشعر كما يزعمون يبقى الغرض الأعظم فى تاريخ البشرية قصيدة كتبت فى عيون أنثى، وهذا هو الشعر الذى سيعيش، فكل أغراض الشعر الأخرى من مدح وذم ورثاء ووطنيات ستنقرض مثل الديناصورات، ولكن القصيدة الباقية للأبد هى القصيدة التى كُتبت من أجل المرأة، وأنا أجد متعة لا نهائية فى الكتابة إلى الأنثى أو الحوار معها شعريا لكى أبقى على قيد الحنين، فلولا وجود الأنثى فى الحياة لانقرضت مباهجها.. لا توجد أنثى تشبه الأخرى فى العالم، كلهن عواصم لمدن متباينة تماما، فليست باريس مثل لندن أو القاهرة مثل بغداد أو نيويورك مثل طوكيو، كل أنثى عالم بمفرده يختلف شكلا ومضمونا، لذا كتبت لهن اليس كل النساء سواءب.

عزوف عن الرديء

< ما السر وراء عزوف الشباب العربى عن مطالعة الشعر مقارنة بالرواية والقصة؟ 

- الشباب العربى عازف عن الشعر الردئ فقط، من قال إن شباب العالم العربى يكره الشعر الجيد أو القصيدة الرائعة؟! هذا ترويج من قبل كتاب القصة والرواية من أجل تسويق أنفسهم، لأنه لا بديل لجنس أدبى عن الآخر، فما بالك بالشعر العربى، أنت تقدم قصيدة بذائقة لا يقبلها المتلقى العربى وتريد أن تفرضها عليه فرضا، أين القصيدة الجيدة، أين الموسيقى والمشاعر والأحاسيس وصدق التجربة؟! أنت تروِّج منتجا زائفا وتريد من صاحب الذائقة الأصيلة أن يجاريك فى هذا العبث؛ القصيدة العربية الجميلة لو نشرت على وسائل السوشيال ميديا تلف العالم كله فى دقائق هكذا نحن عرفنا الشعر، أما ما يُكتب حاليا رغم هذا العدد الهائل من الأدعياء يعرض علينا غثاء كغثاء السيل لا فيه شعر ولا شاعرية، صور مكررة ورتابة وملل لموسيقى مكررة، أين الدهشة فى العبارة التى تمنحك الذهول، أين اللغة والبساطة والتلقائية، وأنا أتحدى هنالك العشرات من شعراء القصيدة العمودية والتفعيلة لا تستطيع أن تفرق بينهم، نفس النمط ونفس السحنة ونفس المفردات أين تفرد المبدع وأين تفرد إبداعه تلك هى الإشكالية، أن تصبح كل الأصوات متشابهة فى هذا العالم الشعرى الفسيح، هذه المشاهد العبثية أصابت المتلقى بتخمة الملل والفرار من هذا المشهد الشعرى البائس.