هيدرا: صراع الهوية وبداية الخلق

هيدرا: صراع الهوية وبداية الخلق
هيدرا: صراع الهوية وبداية الخلق

بقلم : رابعة الختام

عنوان الرواية يعنى أن الحقيقة لها عدة أوجه وعدة رؤوس، فيما يشبه وحش الأساطير الإغريقية «هيدرا» صاحب العشرة رؤوس

تأخذنا رواية «هيدرا، أوديسا الفناء والخلود» الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية لعام 2021 للكاتب الشاب أحمد الصادق، لعوالم ديستوبية متشابكة، ببناء أشبه بهرمية مكعبات الأطفال، وسرد متسارع مشوق، استطاع الصادق تكوين عوالمه بحرفية سردية وأدبية باهرة، عبر لغة مكثفة ومعان متداخلة وحبكات متقنة. 


الفكرة جديدة ومستحدثة عن الأسئلة الوجودية التى طالما أرقت مناماتنا، لماذا نحن؟
ماذا لو كان الإنسان خالداً؟
عدة تساؤلات على لسان الإنسان البدائى انتهت بأن زارت الأرض سفينة فضاء ضلت طريقها، وحدثت طفرة بشرية وعدة تجارب علمية انتهت بالتوصل لحقن خلايا الإنسان وشرايينه بالعديد من المركبات الكيميائية التى من شأنها محاربة أشكال ظهور الشيخوخة، وقتل الخلايا السرطانية، والحفاظ على الجسد البشرى من الأمراض والأوبئة، وتحقيق حلمه بالخلود.
بالطبع لم يتحقق حلم الخلود للجميع لتنخر الطبقية بين فئات المجتمع،وتتكون طبقات اجتماعية وأيدولوجية تتصارع فيما بينها. 


يتولد صراع طبقى بين الخالدين والفانين، تتكون طبقتى السادة والعبيد، الغريب أن العبيد يستلذون العذاب والسحق والانهزامية، فى إسقاطات كثيرة على الواقع الآنى، تبريرات تجد مسوغاتها فى اللحظة المعاشة خروجا عن المنطق الانسانى عبورا لواقعنا المتخبط سياسيا واجتماعيا وفكرة الطبقية واستئساد البشر على بعضهم البعض على خلفية أسباب واهية، كمن صنع لآلهه تمثالا من العجوة ثم أكله.


وتأتى «هيدرا» كمرحلة زمكانية لتسد الفجوات بين التاريخ وخليط الأحاسيس والمشاعر النامية على رصيد من العنصرية والتعالى بين الطرفين لتعيد للإنسان البدائى الأول الكاميرا من جديد.


لم يغفل الكاتب فى خضم الأحداث المفعمة بالحركية والتفاعلية، استخدام تقنيات سردية مستساغة للغاية، وخيوط درامية وإنسانية متعددة لإضفاء روح إنسانية وبعد مشاعري. 


ذهب الكاتب لمنطقة زمكانية غير مألوفة، تناقش عددا من القضايا الهامة، أهمها أن الإنسان ما زال عنصريا تغذى عنصريته كل المعطيات حوله، وأن هذا الإنسان لا يتقبل الآخر المختلف عنه أيا كان هذا الإختلاف دينيا وثقافيا وحتى فى الشكل ولون البشرة.  


فالخالدون الذين منحتهم تقنية حقن الخلايا  ومحاربة الأمراض خلودا طويلا سخروا بدورهم من الفانين بل صاروا ساداتهم، خاصة وأن جنس الخالدين تم إخصاء ذكورهم جميعا وتعقيم نسائهم، فالجنس الخالد لا يتناسل ولا يتكاثر.


لهم كل المتع، لكن دون إنجاب الأطفال حتى لا يتكاثر الجنس الخالد ويضيق بهم الكون، خاصة وأن تقنية الخلود ذاتها أتيحت للأثرياء فقط وتعتبر تقنية مكلفة للغاية بما تطلبه من حقن سنوى، وزيارات للمراكز البحثية فى دولة عظمى.    


لم يترك الكاتب السرد يتدفق بفعل قوة الدفع، وإنما حول عنفوان اللحظة السردية لتواتر أسئلة لا تهدأ، ما الذى ينتظر البشرية عام 2052؟ وما هى التغييرات التى يمكنها الحدوث؟
الخيال سابق للعلم هذه حقيقة مؤكدة، ففى البدء كان الخيال وأتبعته التجارب العلمية لصيرورة هذا الخيال لحقائق، وهذا ما اعتمدته مآلات الحكى الروائى بتغلييب التخييل على الواقعى، والتشابك مع القارئ فى جرعة خيال علمى مكثف يشركه فى الأحداث ويعطيه الفرصة للتفكير فيما وراء الحدث، وماذا يحدث له شخصياً لو تحول مصيره لمثل مصائر أبطال «هيدرا، أوديسا الفناء والخلود».   


 عنوان الرواية يعنى أن الحقيقة لها عدة أوجه وعدة رؤوس، فيما يشبه وحش الأساطير الإغريقية «هيدرا» صاحب العشرة رؤوس. 


تحتوى الرواية عدة دهشات، بداية من استخدام تقنية سردية حديثة بتصوير الأحداث كما لو كانت مجسمة، رباعية الأبعاد، وبالتحدث عبر كاميرا أزلية مثبتة تحكى المشهد بطريقة القطع السينمائي.


فيخرج من الحدث بكادر ويدخل لغيره بكادر آخر، ويحيلنا تسليط الكاميرا لتقنيات الكتابة السينمائية بزخمها وحركيتها.مروراً بدهشة الخيال العلمى ذاته وإمتزاجه بالتخييل، وعدم سطوة النص على الصورة التى تطل من كل صفحة من صفحات الرواية.


نهاية بدهشة الإنسان البدائى نفسه الذى بدأت معه وبه فصول الرواية فتدفقت الأسئلة الوجودية على لسان البطل «بود» وبلغته البدائية وزيه المصنوع من جلود الحيوانات، للعام الذى لم نعرف ما هو، وإكتفى الكاتب بنثر دهشاته عبر السطور، حين سأل «بودفاي» الإنسان الحديث عن بداية تدشين تقنية الخلود، لتأتى الإجابة إنها بدأت عام 2052، فنكتشف أننا أبعد من هذا التاريخ بمراحل، وتخطينا سنوات عديدة.


تقع الرواية الصادرة عن دار العين فى 330 صفحة من القطع الكبير، ويختتمها بقاموس عن بعض الكلمات المستخدمة فيها على ألسنة البدائيين، يضم ثلاثين كلمة على رأسها أسماء الأبطال. 


جاء الإهداء بسيطا رشيقا، (إلى الإنسانية وما بعدها... أبى وأمى).أحمد الصادق قاص وروائى وسيناريست ومؤلف موسيقى مصرى، مواليد 1987، درس الفلسفة بكلية الآداب، حصد العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة، نشرت له مجموعة قصصية بعنوان «لغة كل شيء» عن دار العين للنشر لعام 2015 بعد فوزها بالمركز الأول بمسابقة المواهب الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة، والمركز الثانى فى المسابقة المركزية بالهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2014.


صدرت روايته الأولى «رحلة داخل فوهة الماسورة» عن دار الكتب خان 2017، وفازت فكرتها بمنحة آفاق فى الرواية بالشراكة مع محترف نجوى بركات عام 2014/  2015.


كما حصل على منحة آفاق للكتابات الإبداعية والنقدية لعام 2019 عن مجموعته القصصية القصيرة «10 محاولات فاشلة للانتحار» الصادرة عن منشورات دار الربيع.
وتفرغ الصادق للكتاب والابداع بعد حصوله مؤخرا على منحة وزارة الثقافة للتفرغ.

اقرأ ايضا | حجب التشجيعية بين «عدم التقدّم» و«عدم الارتقاء»