بعد اكتشاف توابيت سقارة.. خبيرة تكشف الفرق بين الحفر الخلسة و«العلمي»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أكدت د. مونيكا حنا أستاذ الآثار المصرية القديمة وعميد كلية الآثار والتراث الحضارى بالأكاديمية العربية والنقل البحرى بأسوان، أنها تتابع بسعادة أنباء اكتشافات المجلس الأعلى للآثار وخاصة التوابيت التي ترجع للعصر المتأخر في كلا من الأقصر وسقارة، خاصة وأن فريق مصري هو من قام بهذه الاكتشافات.

 وتابعت د. مونيكا حنا أنها تشعر  بفخر بشغل علماء آثار عظماء أمثال الدكتور محمد عبد المقصود في سيناء والذي استطاع أن يكتب تاريخ مصري لسيناء بعد ما كان مقتصرا على النشر العلمي إبان الإحتلال بين النكسة وحرب ٧٣، والدكتور محمد مصطفى عبد المجيد والدكتور عماد خليل في الآثار الغارقة، والدكتور منصور بريك الذي أجرى حفائر رائعة في منطقة الأهرامات وأسوان وأخميم وغيرهم الكثير.

وأشارت د. حنا إلى أن السمة الغالبة على الاكتشافات المهمة لهؤلاء الأثريين المصريين أن لها نشر علمي دقيق بمقدورنا الرجوع له سواء في كتب علمية موثقة peer-reviewed أو دوريات علمية، وهذا الذي يحول الاكتشاف من أخبار في الصحف والمواقع إلى بحث علمي جاد وحقيقي مثل أي جهة علمية تشرف على تراث بلدها في العالم ونحن كباحثين وكل العالم المهتم بالتراث المصري يستفيد بذلك.

وتابعت: ولكن مؤخراً بدأ يحدث إعادة تدوير للاكتشافات المتكررة من التوابيت بدون أى نشر علمي أو حتى قوائم بأسماء الأشخاص الذين تم العثور عليهم، وبدأ الكثيرين من علماء الآثار المصريين والأجانب التساؤل حول هل هذه التوابيت التي اكتشفت بدون أي stratigraphy ولا نعرف أياً من الarchaeological features التي تم العثور فيهم عليها أو الarchaeological context، هل هي اكتشافات جديدة حقاً؟ أم أنها تم دفنها من القرن التاسع عشر من طرف تجار الآثار المستترين تحت ستار أنهم قناصل أيام محمد علي مثل "هنري سولت" والذي نعلم جيداً بدفنه العديد من التوابيت والأواني الكانوبية بسقارة تمهيداً لشحنهم لأوروبا لبيعهم، أو هل تم دفن بعض التوابيت في الأقصر خوفاً عليهم من غارات العدو في عام ١٩٦٧ حيث لم يكن لمصر العدد الكافى من المخازن الأثرية وارتأى وزير الثقافة آنذاك بأن دفن التوابيت قد يحميها من السرقة أو القصف، وإلى الآن يلجأ بعض لصوص المقابر لنفس الحيلة وهي دفن ما يجدوه من الآثار في الموقع حتى لا يتم القبض عليهم مثل ما شاهدته في موقع آثار أبو صير في بني سويف.

وتوضح د. مونيكا حنا الفرق بين الحفر الخلسة والحفر العلمي كما تعلمناه من أساتذتنا هو:

1. يجب توثيق جميع الطبقات الأثرية بشكل كاف من خلال الرسم الأثري السليم والفوتوغرافيا والآن المسح الثلاثي الأبعاد والأجهزة التى يمتلكها المجلس الأعلى للآثار.

2. إن لم توجد طبقات أثرية كافية يجب تحليل جميع مايتم العثور عليه بجانب اللقى الأثرية مثل قصاصات الجرائد وعلب السجائر لمحاولة معرفة هل تم كشف هذا المكان سابقاً أم لا؟ وهذا ليس عيباً ولكنه شأن أغلب الإكتشافات الأثرية في القرن الواحد والعشرين.

3. النشر العلمي الفوري وتنص لائحة البعثات الأثرية بالمجلس الأعلى للآثار بأن النشر العلمي الأولي يجب أن يكون في غضون ثلاثة أشهر من الاكتشاف - تم الكشف عن خبيئة العساسيف في ٢٠١٩ ولم أر أى نشر علمي لهذا الإكتشاف إلى الآن !.

4. يجب التعامل مع البقايا الإنسانية بشكل آدمي فينص كود شبكة المتاحف الدولية على أن احترام الموتى كأشخاص من الماضي هو جزء مهم من أخلاقيات العمل الأثري

يجب أن يكون هناك وقفة مع عمل البعثات الأثرية سواء الأجنبية أو المصرية، فالعديد منها يعمل طبقاً للقواعد العلمية، ولكن يوجد العديد أيضاً لازال متوهماً أنه يأتي من أجل العثور على الكنز لبيعه لمتحفه الأوروبي وأن التركيز على إيجاد مقبرة الإسكندر الأكبر أو كليوباترا من خلال بعثة مشبوهة مديرتها ليست حاصلة على مؤهل في الآثار هو إعادة انتاج للاستعمار الغربي للتراث المصري، وأن التركيز على البحث على الأسرار والذهب والياقوت والمرجان هو من شيم علي بابا ولا يجب أن يكون الشغل الشاغل لعلماء الآثار، فعلم الآثار هو علم الطبقات الأثرية وتحليلها وفهمها جميعاً لمحاولة كتابة تاريخ حقيقي عن المصريين القدماء وعادتهم وأمراضهم وأكلهم وشربهم وأفكارهم ومعتقداتهم، وأن تحويل هذا العلم إلى إسهال اكتشافات بدون نشر علمي وترميم وإدارة للتراث المصري لا يفرق نهائياً عما قام به المكتشفين الأوائل من إغتصاب لحضارة نهر النيل ويقدم نموذج سيء لمن يريد أن يقوم بالحفر الخلسة حيث يتم البعد عن ماذا نستقي للعلم من خلال هذه الاكتشافات إلى أفكار من داخل الزمبيل مع تصريحات من تحت البرنيطة إن لم يكتشف سوى ربع آثار مصر.

اقرأ ايضا : الآثار: «ندعو المصريين لزيارة أبو الهول والتعرف على المعلومات الصحيحة للحضارة المصرية

وأخيراً، من خلال دراما توجيه الاتهام لمدير متحف اللوفر أتمنى أن أرى المجلس الأعلى للآثار في يوم من الأيام جهة علمية مصرية مستقلة تقوم ليس فقط باسترجاع الآثار التي سرقت ولكن أن تسترد قدرة المصريين بعلمائها الحقيقيين على إنتاج المعرفة من خلال النشر العلمي القوي لتاريخهم بكل طبقاته العظيمة، وأن السائح لن يأتي بسبب الاكتشافات ولكن سوف يأتي لمصر عندما يجد مواقع أثرية مرممة ويتم صيانتها بشكل دوري ويتم إدارتها بشكل جيد بها خدمات مقبولة ومعلومات مهمة وأفكار من خارج الزمبيل.