سليمان المعمري يكتب: فن إرضاء الكل من أجل حصد الجوائز

سليمان المعمري يكتب :عيب «المحاصصة»
سليمان المعمري يكتب :عيب «المحاصصة»

فى حوار إذاعى بُعَيْد فوز رواية سيدات القمر» بجائزة الأدب العربى فى فرنسا العام الماضى سألتُ مترجمها إلى الفرنسية خالد عثمان: هل توقعتَ هذا الفوز؟ فكانت إجابته بالنفى، لا لأن الرواية لا تستحق، بل لأنها سبق أن فازت بجائزة مان بوكر من قبل.

وهذا أمر يقلل من حظوظها فى تكرار الفوز. كان المترجم المصرى المقيم فى فرنسا يستحضر بهذا التوقع على الأرجح تاريخ الجوائز العربية التى يتكئ مانحوها فى العادة على أسباب ومحددات قليل منها يأتيمن داخل العملية الإبداعية.

وكثيرللأسف من خارجها. ومن ضمن هذه المحددات التى هى من خارج الإبداع ما يسمى بــ«مبدأ إتاحة الفرص»، بحيث لا يُكرِّر المحكمون فائزًا سابقًا، حتى إن كان يستحق الفوز، بل حتى إن كان المستحقَّ الوحيد، ولسان حالهم العبارة التراثية الشهيرة: «دع الضرع يدرّ لغيرك، كما درّ لك»!. 


عندما كررتُ السؤال على جوخة الحارثى بعد ذلك قالت إنها لم تتوقع الفوز [بجائزة الأدب العربى فى فرنسا] أيضًا وإنها قرأت لمعظم الأسماء السبعة الأخرى المرشحة للجائزة وترى أن الجميع كان يستحق فرصًا متساوية، لكنها أضافت تعليقًا مهمًّا عن أنه «فى الغرب لا توجد مشكلة فى إعطاء الكاتب أكثر من جائزة من جهات مختلفة».

وضربت مثالًابالبولندية أولجا توكارتشوك التى رُشّحتْ مؤخرًا لجائزة مان بوكر من جديد، بعد فترة قصيرة من فوزها بها سنة 2018م، كما فازت بجائزة نوبل للأدب لعام 2018 بعد فترة قصيرة أيضًا من فوزها بالـ«مان بوكر»، ولا أستبعد أن تفوز بالبوكر الثانية والثالثة فى السنوات القادمة، ببساطة لأنهم هناك ينظرون للنصّ فى المقام الأول لا لمؤلفه، أو لأى اعتبارات أخرى. 


مما سبق أصل إلى خلاصة مفادها أن واحدًا من أهم عيوب الجوائز العربية هو «ضرع البقرة» الذى عليه أن يدر للجميع. وهذا يحيلنا إلى عيب «المحاصصة». فالقائمون على هذه الجوائز يحرصون على إرضاء الكل.

وخروج الجميع سعيدًا من الحفلة. يتضح هذا أكثر فى مهرجانات الإذاعة والتليفزيون عندما نشاهد أن معظم (إن لم يكن جميع) إذاعات وتليفزيونات الدول تفوز بغض النظر عن جودة برامجها المقدمة للمسابقة. أما فى الجوائز التى ليس لها إلا فائز واحد فقط فإن المحاصصة تستمر لسنوات على مدار دورات الجائزة اللاحقة.

وأبرز مثال عليها جائزة البوكر العربية التى يمكن للمتابع التنبؤ بالفائز فيها كل عام، لا لجودة نصه، وإنما لأنه ينتمى إلى دولة لم يفز أحد منها من قبل. فإن كان النصّ الفائز جيدًا مرت «المحاصصة» بسلام، وإن كان غير ذلك أثار لغطًا واحتجاجات، خاصة إذا كان فى القائمة القصيرة نصّ أو نصوص أجمل من النص الفائز.


من عيوب الجوائز العربية أيضًا غياب النزاهة فى التحكيم أو الترشيح للجائزة، وسيطرة المحسوبيات والأهواء الشخصية. وسأسرد على ذلك قصة حدثت لى فى دولة عربية قبل عدة سنوات، عندما شاركتُ كعضو لجنة تحكيم فى مسابقة المهرجان العربى للإذاعة والتليفزيون. أثناء إحدى استراحات عملنا فى التحكيم اقترب منى عضو فى اللجنة وطلب منى أن أصوت لفوز برنامج إذاعة دولته مقابل أن يصوّت هو أيضا لصالح برنامج إذاعة دولتي!.

وطبعًا رفضتُ وقلتُ له دع العمل هو الذى يصوّت لنفسه. وحين أُعلنتْ النتائج صُعقتُ أن البرنامج الإذاعى التابع لدولته المليء بالأخطاء،والذى لا يستحق المشاركة فى المسابقة أصلًا،هو الذى نال الجائزة الأولى!، رغم أننى لم أصوت له حتى كمركز ثالث!. وحين تقصيتُ الأمر عرفتُ أننى لم أكن الوحيدَ الذى عرض عليه صاحبنا صفقة «صوّت لى وأصوت لك»، وأنه نجح فى مسعاه مع ممثلى دول أخرى فى لجنة التحكيم استجابوا لهذه الصفقة المشبوهة دون وازع من ضمير، ما أدى إلى فوز من لا يستحق. 


يحدث أحيانًا أن من يضطلعون بمهمة الترشيح أو التحكيم فى الجوائز الثقافية (خاصة الحكومى منها) لا يكونون مؤهلين لهذا الأمر، إما لأنهم مجرد موظفين فى مؤسسات ثقافية دون أن يكون لديهم تماسّ مباشر مع الثقافة، أو إنْ وُجِدَ هذا التماس فهو فى تخصص دقيق لا يؤهل صاحبه لمعرفة مستحقى الفوز فى التخصصات الأخرى التى لا علاقة لهذا المُرشِّح/ المحكِّم بها.

وقد قرأت قبل عدة أيام منشورًا بهذا المعنى للصديق الكاتب سيد محمود (الذى أعتبره بوصلة المشهد الثقافى فى مصر) يبدى فيه استياءه من كون بعض الجامعات التى تُرشّح لجوائز الدولة إنما ترشح منتسبيها وإن لم يكن لهم أى تأثير ثقافى خارج أسوار الجامعة.

هذا الاستياء الذى أبداه سيد، وإن كان يخصّ بلده مصر، إلا أنه يمكن سحبه على عُمان أو المغرب أو الأردن أو أى دولة عربية أخرى.واللافت أنه استياء مُزمِن؛ بمعنى أنه إذا كان سيد محمود أبداه سنة 2022 فإن سليمان فياض –الأديب المصرى الراحل- قد أبداه سنة 1990.

إذ يروى فى كتابه «النميمة» أنه قرأ سنتئذفى الصفحة الثقافية لجريدة الأخبار خبر ترشيح جامعة الإسكندرية أحد أساتذتها لجائزة الملك فيصل العالمية (فرع الأدب العربي). يقول فياض: «عندئذ طار صوابي، فذلك المرشح لم تُعرفْ له جودة قص.

ولا نعرف له نحن قبيلة القصاصين أثرًا فى القصّ بيننا، وكيف ترشح كلية فى جامعة محترمة مثله وتترك أعلامًا أحياء فى القصّ، فى مصر، والوطن العربي، يجاوز عددهم العشرة»؟، ثم حمل الصحيفة إلى الناقد عبدالقادر القط الذى كان آنئذ أحد محكمى جائزة الملك فيصل العالمية فأبدى استياءه بدوره قائلًا: «كيف يُرشَّح مثله.

ولدينا نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وقبلهما يحيى حقى!». ثم خاطب فياض قائلًا: «سأعمل على أن ترشح جامعة عين شمس يحيى حقى للجائزة، عليك أنت بصديقيك عبدالمحسن طه بدر وجابر عصفور كى ترشحه أيضًا جامعة القاهرة»، وهو ما كان.

وفاز يحيى حقى بالجائزة فى ذلك العام(1990) دون أن يعلم شيئًا عن هذه الترتيبات. والجائزة تتشرف به بالطبع، ولكن عندما نتأمل هذه الحكاية نجد أن الأمر احتاج إلى صُدفة وتخطيط واتصالات من أصدقائه لينال جائزة يستحقها بجدارة، وكان يفترض أن تصل إليه بطريقة طبيعية، لو أننا فى مكان آخر من هذا العالم.

اقرأ ايضا

 تكريم صاحبة «سيدات القمر» بالقاهرة