كشاف أسود

سنوات من عشق الفن.. كنز محمد سلماوي ونازلي مدكور

سنوات من عشق الفن : كنز محمد سلماوي ونازلي مدكور
سنوات من عشق الفن : كنز محمد سلماوي ونازلي مدكور

بقلم :  ياسر عبدالحافظ

>جوهر هذا الكتاب «الفخم» إذا المزج بين تلك الرؤيتين، أى أننا هنا ندلف إلى عصور وتواريخ، قديمة وحديثة، وعبر مجالات فنية مختلفة

> لا يستغرق الكتاب فى المعلومات التي يقدمها حول الأعمال الفنية كى لا  يقطع متعة القارئ البصرية

هناك أكثر من طريقة يمكن لأى منا الاستدلال بها على الشكل الذى سارت به حياته، وماذا فعل بها، أين ذهب وماذا رأى. والتذكارات أرق وسيلة يمكنها أن تحكى قصتنا. وهى منوعة إلى حد أنها قد تكون أى شيء، وقيمتها تنبع من الحدث الذى رافق عملية الاقتناء، الحدث يغير من خصائص هذا المقتنى ليضيف إلى حالته الجامدة بعض الصفات الإنسانية، يصبح الشيء تذكارا تتعكز عليه ذاكرتنا المثقوبة للانتقال مجددا، عند لمسه ورؤيته، إلى زمن الحدث وأحاسيسه.

 

 

الأديب محمد سلماوى والفنانة التشكيلية نازلى مدكور اختارا فى كتابهما «ممورابيليا» الذى صدر هذه الأيام، بعضا من مقتنياتهما التى جمعاها فى رحلتهما المشتركة، مزيج من اللوحات العالمية والمصرية، اللوحات الشخصية، النحت والخزف، الحفر والرسم والتصوير الضوئي، أعمال غير التشكيليين، السجاد والمنسوجات، الكتب والوثائق، العصى. كتاب قامت بتوثيقه الفنانة التشكيلية والناقدة الفنية ماجدة سعد الدين، وتصوير عماد عبد الهادي، والذى صدرت له كتب عدة فى هذا المجال من بينها كتالوج محمود سعيد. «ممورابيليا» بمثابة تلخيص لرحلة يمكن قراءتها عبر أكثر من زاوية، وإن كانت الرؤية البصرية هى الحاكمة بالطبع وهو الغالب هنا على هذا القراءة.

 

 

 

بشكل ما تؤكد ماجدة سعد الدين على  فكرة «التذكارات» فى مقدمتها، هى المعنى الأول الذى جذب انتباهها إلى هذه المجموعة الثرية «تكاد تمثل الحياة بكل أبعادها، نراها فى هذه المجموعة المختارة من أماكن وأزمنة قد نأت ودنت، نرى ما بين ثناياها قلوبا أحبت وأكفا تباعدت وتقاربت ومآقى فرحت وبكت».


غير أن الكتاب، والمجموعة الفنية، بالتأكيد أكثر ثراء من مجرد تذكارات شخصية بل هى «مقتنيات تحكى تاريخ حضارات متعددة، إنها ذاكرة للإنسانية». بتعبير ماجدة، وهو تعبير يتكامل مع قول سلماوى نفسه فى كلمة قصيرة فى تصدير الكتاب «كل عمل فني، قديم أو حديث، مرآة تعكس بشكل أو بآخر أحد جوانب التاريخ الذى صاحبها، والحضارة التى أبدعتها».


جوهر هذا الكتاب «الفخم» إذا المزج بين تلك الرؤيتين، أى أننا هنا ندلف إلى عصور وتواريخ، قديمة وحديثة، وعبر مجالات فنية مختلفة من بوابة اختيارات وذكريات سلماوى ونازلى.

 


وفق هذا فإن القسم الأول المخصص للوحات العالمية يبدأ بلوحة للفنان تشارلز لاندسير، فنان البلاط الملكى فى عصر الملكة فكتوريا. ولا يعود اختيار هذا العمل فى بداية الكتاب لأهميته «لدينا فى مجموعتنا أعمالا تزيد فى أهميتها على لوحة لاندسير الصغيرة والتى لا يزيد حجمها على 19 سم * 22 سم» لكن «هذه اللوحة بالذات تحتل مكانا أثيرا لدىَّ لأنها كانت النواة لهذه المجموعة».


ورغم أن المعلومة السابقة قد تمهد للإستراتيجية القائم عليها عمل الكتاب بتغليب الذوق الخاص عليه، وهو الطبيعي، إلا أن الوقع عكس ذلك، فقليلة هى المعلومات الشخصية التى يسجلها الكتاب حول اللوحات المنتقاة، لا يهتم كثيرا بتوثيق تبعية كل قطعة إن كانت لسلماوى أم لنازلي، وعليه فمتروك للقارئ التخمين (إن كان هذا ممكنا) أو الاكتفاء (وهو الأجدى) بالاستغراق فى ذلك الجمال باعتباره متحفا يحمل اسميهما معا، ويفضلان ألا يقطعا سياق تأمل زائر محرابهما الفنى سوى بمعلومة مختزلة عن كل لوحة تسردها ماجدة سعد الدين.


 لا نجد مثلا تسجيلا لتاريخ اقتناء العمل الذى يجذب أنظارنا، أو إن كان آل إلى أحدهما كهدية مثلا أو بالشراء. (نعرف بشكل عام من خلال المقدمة أن «الكثير من هذه اللوحات تم شراؤها من قاعات العرض المعروفة بالخارج، أو من بعض المزادات، وأن البعض الآخر آل إلى الأسرة بالميراث أو الإهداء من عائلة سلماوى أو عائلة زوجته حيث كان والدها المرحوم محمود مختار مدكور المحامى من محبى الفنون ومقتنيها، إلا أنه يؤكد (سلماوي) أن نسبة غير قليلة من هذه الأعمال قام بشرائها هو وزوجته فى مصر بعد زواجهما عام 1970 فحتى ذلك الوقت كانت لا تزال فى القاهرة والإسكندرية بقايا من مقتنيات الأجانب الذين كانوا يقيمون فى مصر. 


غير أن بعض الأعمال يتم استثناؤها فنجد عنها معلومة ما تخص علاقتها بمن اقتناها، من ذلك لوحة «الطحالب داخل الغابة» للفنان الفرنسى نارسيس دياز «أحد أهم أسماء مدرسة باربيزون» وقد راجت هذه المدرسة بين عام 1830 وعام 1870 وثار أتباعها على «المدرسة الرومانسية السائدة آنذاك والاتجاه إلى الواقعية، وكانوا فى ذلك يخرجون إلى قرية باربيزون على تخوم غابة فونتنبلو الشهيرة ليرسموا الأشجار الكامنة فى أعماق الغابة».

 


تجد ماجدة وراء تلك اللوحة قصة تستحق التسجيل فتنقل عن سلماوى أن الخبير اصطحبه إلى غرفة خافتة الضوء لفحصها تحت الضوء الأسود المنبعث من كشاف صغير يصدر الأشعة فوق البنفسجية للتأكد أنه ليس هناك عليها علامات لترميمات أو توقيع حديث، وأنه خرج بعد شرائها لاقتناء كشاف أسود لنفسه.


معلومات حول الفن يقدمها الكتاب على هامش عرضه للوحات من دون الاستغراق فيها بحيث لا تقطع المتعة البصرية. من بين تلك المعلومات مثلا وثائق التسجيل التى نفهم أن أى لوحة تفقد الكثير من قيمتها إن لم تكن برفقتها وثيقة تسجيلها، كما أنه لا يمكن نسبة اللوحة لأى فنان وإن كانت تحمل توقيعه من دون الوثيقة «لدى لوحة جميلة موقعة باسم ب . جوجان، تصور فتاة اسمها «ماكا» من تاهيتى التى عاش فيها جوجان فترة من عمره صور خلالها الكثير من فتيات الجزيرة، وقد أعرب لى من شاهدوها من المتخصصين عن اعتقادهم بأنها أصلية، لكن اللوحة غير موثقة، وما لم تكن اللوحة موثقة أصلا من المصدر الذى اشتريتها منه فإن التوثيق له طريق معروف لكنه طويل ومعقد».


من بين اللوحات العالمية ضمن مجموعة سلماوى ونازلى أعمال اكتسبت شهرة وذيوعا وتعود أصول مبدعيها إلى مصر، مثل جورج صباغ الذى ولد «لعائلة مقتدرة فى الاسكندرية فأرسله والده حنا صباغ إلى باريس لدراسة القانون، لكنه ترك القانون وبدأ يدرس الفن والتحق بمدرسة اللوفر فسبق النحات الكبير محمود مختار كأول مصرى يدرس الفن فى باريس». صباغ الذى صنع لنفسه طريقا فنيا خاصا فى فرنسا، وحصل على جنسيتها، عاد إلى مصر عام 1936 «بحثا عن مصادر بديلة للإلهام ومكث بها حتى عام 1945 حين عاد مرة أخرى إلى فرنسا».


كما تضم المجموعة لوحة منسوبة إلى الفنان والكاتب الفرنسى إيميل هنرى برنار وهو «من أكثر من ساهموا فى تطوير الحركة التشكيلية الفرنسية فى النصف الثانى من القرن ال 19» ولوحة المجموعة يعتقد أنه رسمها أثناء زيارته لمصر.


أما سانتينى بونتشينى فهو «فنان فرنسى سويسرى راجت لوحاته فى الخمسينيات والستينيات من القرن ال20 بمشاهدها الباريسية التى يضع فيها طفلة تشبه دمية الأطفال». أصبحت علامته المميزة. شهرته لم تبدأ إلا عندما سكن الإسكندرية من عام 1926 إلى 1948.

اقرأ ايضا محمد سلماوي: تأجيل الأديب كتابة فكرته يجعلها تولد بلا روح