رفعت الجلسة | سر تحمله فتاة

سر تحمله فتاة
سر تحمله فتاة

انتهت مراسم العزاء، تفرق الجميع وبقي أهل المتوفى يتباكون عليه، يتحدثون عن كرمه وعطائه، فى حين أخذت أرملته وأم أولاده، تحكى عن إخلاصه، وولائه، وحبه لأسرته، وتضحيته كثيرا بعمره ووقته، حتى يظلوا منعمين بالثراء الفاحش وترف الحياة..

وفجاة والجميع يتبارون فى الترحم عليه، ظهرت فتاة فى منتصف العشرينات من عمرها، جميلة، ذات عينين واسعتين وقوام ممشوق، ترتدى فستانا أسود، ودموعها تغطى وجهها، سألت فى عجلة من أمرها عن زوجة المتوفى، وعندما حضرت إليها، طلبت منها الحديث على انفراد، وبعد دقائق من نظرات الاستغراب والترقب بينهما، أخبرتها بالسر الذى أخفاه عنها زوجها.

كانا زميلين فى نفس الكلية، نشأت بينهما قصة حب جميلة، تغنى بها طلاب الجامعة، وصفوها برواية رد قلبي، «ابنة الثراء تعشق الشاب الفقير»، تفوقا سويا، وتخرجا معا، لكن حبهما استمر، وأنتهى بعد عامين من التخرج بالزواج.

سبق الارتباط بينهما، سيناريوهات صعبة كثيرة، قدمت فيهما الزوجة تضحيات كثيرة، تحدت والدها الثرى وعائلتها ذات الأصول التركية، من أجل الزواج بزميلها «الفقير» الذى لا يملك من حطام الدنيا سوى شقة ورثها عن والديه اللذين توفيا حرقا بعد تسرب الغاز.

هربت الفتاة إلى بيت زميلها «العاشق»، اتصلت بأسرتها وأخبرتهم أنها لن تعود إلا بعد الموافقة على زواجها من حبيبها.

استسلمت الأسرة لطلبات الفتاة الهاربة.. وبعد يومين من الغياب، زارها شقيقها، أخبرها بموافقة أسرتها على الارتباط من هذا الشاب شريطة أن تعيشا معا فى بيت العائلة.

وافقت الفتاة، وأقنعت حبيبها بطلبات أسرتها، وبعد أشهر تم الزواج، وانتقل العروسان إلى بيت العائلة فى منطقة المعادى.

مرت الأيام، والحب بين الزوجين يكبر، والأوضاع المالية للزوج تنتعش، فقد أشركته عائلة زوجته فى إدارة بعض الأمور، فليس من المعقول أن يتركوه يتسول العمل، بعد أن أصبح فردا من أ فراد العائلة، استغل الزوج هذه الميزة، كبر فى تجارته، أصبح ثريا، والأموال ملأت خزينته.

لم يتناسَ ذلك الشاب عائلته الفقيرة، افتتح مصنعا لهم فى منطقة البساتين، وترك لهم إدارته، على أن يمر كل شهر لجمع الإيراد، وتوزيع عائده عليهم.

على الجانب الآخر، كانت الزوجة منشغلة فى تربية أولادها، لقد رزقهما الله بولد وفتاة، أدخلتهما مدارس أجنبية، عملت على ربطهما بالثقافة الأوروبية، وعادات وتقاليد عائلتها التركية، أغلقت الزوجة أى ارتباط بين أولادها وعائلة أبيهما، لم يكن ذلك تكبرا، أو تقليلا، واحتقارا، بل لأنها أرادت أن يذوب أبناؤها فى الثقافة الأجنبية، هى ترى أن مستقبلهما هناك فى أمريكا أو إنجلترا، وليس فى حى المعادى.

وبعد انتهاء مرحلة الثانوية.. أغلقت الزوجة صفحة التعليم فى مصر، سافرت مع أولادها الى لندن تاركة الزوج يمارس مهام عمله فى القاهرة.

قررت الزوجة أن تبقى بصحبة أولادها فى إنجلترا، حيث جامعاتهما الكبرى التى التحقا بها، ومع كل أجازة قصيرة كانت تسافر إلى ما تبقى من عائلتها فى تركيا لزيارتهما بصحبة أبنائها، أما القاهرة، فقد حددت وقت عودتها إليها بعد إنتهاء أولادها من دراستهما الجامعية.

لم يعترض الزوج على خطة زوجته باستكمال أولادهما تعليمهما فى جامعات أجنبية، لقد ترك منذ أن دخل بيت العائلة الثرية شئون المنزل والأولاد كاملة لزوجته، وتفرغ لأعماله وتجارته.

كان الزوج يوازن بين عائلته وأسرته جيدا، يتحمل نصائح العائلة الثرية ذات الحسب والنسب، يراقب تصرفاتهم وأفعالهم، بهدف إرضائهم وبالتالى استمرار العطاء والثقة فيه.

وعلى الجانب الآخر كان يهرع مع نهاية كل شهر إلى مصنع عائلته الفقيرة، يرتمى فى حضن أقاربه وجيرانه، يحن إلى الماضى معهم، يسعد بفرحهم، فقد كان الابن الوحيد لوالديه.

ظل الزوج على هذا التناقض الرهيب، ورغم ذلك لم يتناس أسرته بل كان يسافر إلى زوجته وأولاده شهريا، يلتقى بهما، وينهى بعض الأعمال الخاصة به.
مرت السنوات الأربع، وتخرج الابن الأكبر من الجامعة فى بريطانيا، لكنه لم يعد إلى مصر، بل ظل مع والدته فى إنجلترا لمدة عامين أخرين حتى تخرجت شقيقته من الجامعة، ثم عادا الإثنين إلى القاهرة بصحبة والدتهما.

لم تكن عودة نهائية كما أرادها الزوج، بل كانت استراحة لتنفيذ ما خططت له الزوجة، باستمرار بقاء أولادها فى أوروبا بعد تخرجهم، وهوما تحقق بالفعل، سافرت الزوجة مع أولادها ولكن هذه المرة إلى أمريكا، خاصة بعد أن التحق الابن الأكبر بوظيفة كبيرة فى مجال الفضاء، وأرادت الابنة استكمال دراستها ما بعد الجامعة وعمل الماجستير فى أحد معاهد أمريكا عن الموسيقى.

وسط كل ذلك، وبسبب انشغاله فى التجارة، تناسى الزوج النغزات التى كانت تهاجم قلبه، كان يراها من تأثير القولون العصبى، لم يهتم كثيرا، انشغل أكثر بالعمل والتجارة، لكن كان للقدر كلمة الفصل، أصيب بتعب شديد فى القلب وهو على كرسى مكتبه، لم يستطع النطق حاول طلب العون، لكنه سقط مغشيا عليه على الأرض، وبعد 10 دقائق طرقت السكرتيرة باب مكتبه، دخلت ووجدته ساقطا على الأرض مغشيا عليه، لم تنتظر روحه سوى دقائق، صعدت إلى خالقها وهو فى طريقه إلى المستشفى. 

علمت الزوجة بوفاة زوجها، بكت وصرخت، أخبرت أولادها، أسرعوا جميعا إلى المطار، وعادوا إلى القاهرة، لحضور مراسم الدفن والعزاء.
انعقدت له مراسم عزاء فى مكانين مختلفين، فى المعادى حيث عائلة زوجته الثرية، وضيوف العزاء من ذوى الأصول التركية والأجنبية والأثرياء والوزراء الحاليين والسابقين، وسرادق آخر أقيم فى منطقة البساتين المجاورة، حيث جيرانه وعائلته الفقيرة، وضيوف المعزين من العمال والأقارب والفلاحين والصعايدة.

انتهت مراسم العزاءين فى وقت واحد، بعد صلاة العشاء، تفرق المعزون، لكن فى البساتين مازال الحزن يسيطر على عائلة المتوفى.

أما على الجانب الآخر فى المنطقة الراقية المعادى، تحول العزاء الى اجتماع سرى للعائلة الثرية، سحبت الزوجة بيدها الفتاة العشرينية التى حضرت للتعرف عليها إلى داخل الفيلا، وطلبت من أولادها وشقيقها الحضور إلى الداخل.

أجلست الزوجة الفتاة فى حجرة الضيافة، طلبت منها إعادة سرد المعلومات التى أخبرتها بها من دقائق. اعترضت الفتاة فى البداية على الطريقة التى تعاملت الزوجة معها بجذبها بعنف إلى داخل المنزل، رفضت الحديث مع أحد من أفراد العائلة، إلا بعد حضور محاميها وإظهار الأدلة على ما تقوله.

وافقت الزوجة وسط ذهول شقيقها وأولادها، والذين تساءلوا، عن أى سر ستكشفه هذه الفتاة الصغيرة؟، حضر محاميها، الذى كان ينتظر أمام الفيلا، دخل وبدأت الفتاة تكشف السر.

قالت: «كان والدى يعمل فى مصنع زوجك بالبساتين، أثار الكلام الزوجة وشقيقها وأولادها، فلم يخبرهم الزوج أى شىء عن هذا المصنع، رغم ذلك طلبت الزوجة من الفتاة إكمال حديثها.

استكملت الفتاة، عرض والدى على زوجك الغذاء فى منزلنا فقد كان جارنا قبل أن يتزوجك وينتقل للعيش فى المعادى، وافق وحضر إلى منزلنا، قدمت له الطعام والشراب، وبعد أن غادر، فوجئت بوالدى يخبرنى أن زوجك يريد الارتباط بى رغم أنه يكبرنى بـ30 عاما.

ترددت كثيرا، لكن الجميع أخبرونى أنه شخص كريم، ويكفى ما يفعله مع أهله الفقراء، بجانب والدى الذى مدح فيه كثيرا، وهو نادرا ما يمدح أحدا.

وافقت على الزواج منه، واخترت استمرار العيش مع والدى فأنا ابنته الوحيدة، وكنا نلتقى مرتين فى الشهر يمارس واجباته الزوجية معي، وباقى الأيام يرسل لى سائقه الخاص لإحضارى للخروج أو العشاء فى مكان ما بعيدا عن أعين الناس، فقد كان حريصا على أن يظل زواجنا سريا، ومات، دون أن يخبرنى عن السبب.

هنا قاطعها محاميها.. وقدم للزوجة صورة من عقد الزواج وبطاقات الهوية وأرقام هواتف الشهود ومنهم سائقه الخاص للتأكد من هذه الأوراق، وطالب الزوجة بعدم توزيع الميراث إلا بحضور الزوجة الثانية.

قاطعت الزوجة المحامى، قامت بطرده هو والفتاة من البيت، لم تصدق أن يكون زوجها الراحل قد فعل ذلك، هى لم تقصر معه، تحدت أسرتها من أجل الزواج به، سخرت حياتها لتربية أولادهما، والوقوف بجانبه، لم تبخل عليه بشىء، كانت تبادله الحب بل أكثر منه، تتقبل عذره وانشغاله بأعماله، لكن يخونها ويتزوج من فتاة تصغره بـ30 عاما فهذا الأمر غريب، وقد يكون مسرحية لا أساس لها.

انهارت الزوجة، وظلت تصرخ فى وجه الفتاة ومحاميها.. «اطلعوا بره».، لكن الزوجة الشابة أرادت إخبارها بوصية زوجها قبل المغادرة.

قالت عذرا سيدتي: «أوصانى زوجى بنقل ملكية المصنع فى البساتين إلى عائلته الفقيرة، وغدا سأتوجه إلى الشهر العقارى لتنفيذ وصيته، لكنه أكد على عدم التنازل عن ميراثى فى ثروته، وأن أنفق جزءا منها على الفقراء، أما باقى الثروة فلزوجته الأولى وأولاده الاثنين».

بعدها غادرت الفتاة بصحبة محاميها إلى منزلها بالبساتين، وفى الصباح طلبت من والدها إحضار أفراد عائلة زوجها، توجهت معهم إلى الشهر العقارى وتنازلت عن ملكية المصنع، لكن حدث ما كان يتوقعه محامى الفتاة، أخرجت أسرة الزوجة الأولى إعلان الوراثة دون أن يضم الزوجة الشابة، وبدأوا فى توزيع الثروة، أسرع المحامي، واتخذ عدة إجراءات وأوقف ذلك الإعلان، وتوجه الطرفان إلى القضاء للفصل بينهما.

.. وبعد تداول القضية عدةجلسات وتيقن المحكمةمن شهود الإثبات وصحة عقدالزواج العرفى ،قضت المحكمة أولا بإبطال اعلام الوراثة.

وثانيا بتحقيق وفاة الزوج المرحوم وانحصار ورثه الشرعى فى زوجتيه م، و. د، ولهما ثمن التركة فرضا بالتسوية بينهما أما أولاده فيستحقون باقى التركة..

رفعت الجلسة

اقرأ أيضاً | رفعت الجلسة| زوج.. وعشيق