صناعة الدواء.. «قضية أمن قومي»

صناعة الدواء
صناعة الدواء

تحريك أسعار الكثير من الأصناف الدوائية أمر يشتكي منه الجميع، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، ورغم هذا فان ارتفاع سعر الدولار وارتفاع أسعار الشحن لم يرحم آلام وآنين هؤلاء المرضي، وعند الحديث عن الأدوية نجد الإجابة دائما بسبب الاستيراد، فهل نحن نستورد كل احتياجاتنا من الأدوية خاصة أن لدينا صناعة محلية، تحدثنا مع الخبراء لمعرفة ما هي الأزمة الفعلية وراء ارتفاع أسعار الدواء؟ وهل لدينا إمكانية لتصنيع الدواء الطبية محليا؟ ..


مدخلات أغلبها مستورد
في البداية أوضح دكتور محمد عز العرب المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، أن مدخلات صناعة الدواء أغلبها مستوردة من الخارج ، سواء أشرطة التغليف أو علب الأدوية وعبوات الكبسول والأمبولات، بالإضافة إلى المادة الخام للأدوية والتى نستورد أكثر من 90% منها من الخارج. 

لافتاً إلى أننا متأخرين جدا في صناعة المواد الخام في مصر، برغم أننا بدأناها في الستينيات مع شركة النصر للصناعات الدوائية في أبو زعبل، ولكن دورها تقزم ولم تعد كما كانت منذ أكثر من 20 سنة، وأصبحنا نعتمد على الاستيراد.


إحياء صناعة المادة الخام

وأشار أن هناك أملا لإعادة إحياء صناعة المادة الخام للدواء محليا من خلال مدينة الدواء في أبو زعبل، حيث سيكون بها جزء خاص بتصنيع المواد الخام للأدوية، قائلاً "هذا ما طالبنا به المجتمع المدني منذ فترة مع ارتفاع الأسعار للأدوية في 2017، ووقتها طالبنا بضرورة تصنيع المادة الخام في مصر".

وأضاف مستشار الحق في الدواء أن صناعة الدواء أمن قومي، قائلاً " لقد شعرنا بهذا في أزمة كورونا، عندما كانت تتأخر بعض شحنات الأدوية والمواد الخام نتيجة الجائحة، ولو أننا نمتلك المادة الخام محليًا لن نتأثر بمثل هذه الأزمات، خاصة أن الدواء لا يمكن الاستغناء عنه، فمن الممكن أن أقول للشخص لاتأكل لحوم أو لا تتعشى مثلا، ولكن لايمكن أن أقول له لا تأخذ الدواء".


ترشيد الانفاق

مؤكدًا أنه لابد من إسراع الوتيرة لانتاج وتصنيع المادة الخام في مصر، مع وضع سياسة لمنع الزيادة، منها مثلا ترشيد الإنفاق في بعض البنود التى تستنزف الكثير من الميزانية مثل بند الدعاية، بالإضافة إلى مساندة الدولة للشركات في العديد من الإجراءات، مثل تخفيض سعر الطاقة للمصانع، وهذا سيفرق كثيرا معهم.

لافتا إلى أنه تم إلغاء ضريبة القيمة المضافة على الأدوية منذ فترة، إلا أن بعض الضرائب مازالت موجودة، لذا نحتاج أيضًا لتخفيض الضرائب لصناعة الأدوية.  

مختتماً " لذا أنادي بعقد مائدة مستديرة عاجلاً من المتخصصين في صناعة وتجارة الأدوية والمجتمع المدني، وخاصة وأننا في اتجاه لزيادة جديدة في الأدوية بعد رفع سعر الدولار الجمركي".


مشكلة مزمنة

من جانبه قال دكتور محمد رؤوف حامد أستاذ علم الأدوية، أن هذه المشكلة مزمنة، بدأت من النصف الثاني من السبعينات، وأخذت تستفحل مع مرور الزمن، والسبب الرئيسي لها هو مشكلة السياسات العامة في مختلف القطاعات، والتى تضعف مع مرور الزمن، بسبب أنه كثيرا ما يتم اختيار أهل الثقة وليس أهل الخبرة.

مستكملا "هذا بالإضافة إلى أنه لدينا أزمة في تشغيل البشر، فالفكرة ليست مجرد تكنولوجيا نستوردها من الخارج، والأهم هو كيف نستخدم هذه التكنولوجيا بما يفيدنا".

البحث العلمي

وأكد إلى عدم الاهتمام الكافي بالبحث العلمي الذي هو أساس هذا القطاع، والكثير من المسئولين يرى أن الاستيراد هو الحل الأسهل.

دكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أشار في بداية حديثه، أكد إلى أنه في أوروبا وأمريكا يعملون على مايسمى بالبيئة النظيفة، وهى تعني الابتعاد عن تصنيع المواد الكيماوية، فهم يقومون بتصنيع المواد الخام للأدوية الخاصة بهم في الهند والصين، قائلا "ونحن أيضا نستورد المواد الخام من الهند والصين، ولكي نقوم بتصنيع المواد الخام في مصر نحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات على الأقل".

نغطي 92% من احتياجنا

وأكد "نحن كصناعة وطنية نغطي 92% من احتياج البلد من الدواء، لافتا أن أزمة الاستيراد ليست فقط العقار الطبي، وانما كارتون للتعبئة، شرائط للتغليف، أوراق وحبر للنشرات، كل هذا يتأثر بالاستيراد، بالاضافة إلى الموظف العامل بهذه المصانع والشركات يحتاج لزيادة مرتبه بما يناسب ارتفاعات الأسعار في البلد وبالتالي يتأثر سعر الدواء بكل هذه المتغيرات".


الشركات الوطنية وفيروس سي

وأشار أن حملة 100 مليون صحة التى كانت تقوم بالكشف عن مرضى فيروس سي استطاعت أن توفر الدواء "محليا" لأكثر من 2 مليون و200 ألف مريض، وكانت تكلفة علاج المريض الواحد 10 آلاف دولار وفق السعر العالمي في حال استيراده، معقبا "إلا أن الشركات الوطنية قامت بحل المشكلة من خلال تصنيع الدواء محليا بنفس كفاءة ونتيجة الدواء المستورد وبنسبة شفاء وصلت 99%، وبتكلفة 50 دولار فقط للمريض الواحد". 

وأشار رئيس شعبة الأدوية أن أخر مرة تم تحريك سعر الدواء فيها كانت فى 2017 أي من خمس سنوات، رغم تحريك أسعار كل شئ بسبب ارتفاع سعر الدورلار، موضحًا أن كل السلع والمنتجات تم زيادة أسعارها بسبب زيادة أسعار الشحن.

أزمة الأسم التجاري
لافتا إلى أن من أكبر المشكلات التى تتسبب في أزمة الأدوية هي ثقافة المجتمع من أطباء ومرضى والبحث عن الاسم التجاري للدواء، قائلا "لو أن هناك منتج مستورد مرتفع السعر فلدينا له أكثر من 20 بديل محلي بنفس المادة الفعالة وبربع السعر، في الدول المتقدمة لايتم التعامل إلا بالمادة العلمية، وهذا سيحل جانبًا كبيرًا من المشكلة".

مشددا أنه لابد أن يلتزم الأطباء بالتعامل بالاسم العلمي وليس التجاري، ولابد أن يكون هناك وعي لدى الناس، وهذا دور وسائل الإعلام في نشر هذه الثقافة والتوعية بأهمية تشجيع صناعة البلد.

الصناعة الوطنية الدرع الواقي

وقال دكتور علي عوف إن هناك أدوية لم نستطيع تصنيعها بعد منها أدوية السرطان، ولدينا خطوط قليلة لأدوية الهومونات، وبعض الأدوية النادرة والحديثة، مختتما "الصناعة الوطنية هي الحماية والدرع الواقي لنا ولابد أن ندعمها جميعا".

 

اقرأ ايضا :- مستوردو الأدوية في لبنان يحذرون من نفاد مئات الأصناف