الاكتئاب الدامي.. قتلت أطفالها واعترفت في رسالة

المتهمة اثناء محاولة الانتحار
المتهمة اثناء محاولة الانتحار

مصطفي منير

"حزن.. دموع.. اكتئاب.. وجريمة في النهاية"؛ هكذا كانت تطور الحالة النفسية للمتهمة بارتكاب جريمة بشعة، هذا ما وصلت إليه سيدة الدقهلية التى أقدمت على قتل أطفالها الثلاثة والأقدام على الانتحار، وهذا ما وصفته رسالتها الأخيرة، ولكن ما أعلنته النيابة فى بيانها فسر الجريمة البشعة التى لم يستوعبها عقل، فالمتهمة مصابة باكتئاب ما بعد الحمل، ولكن للأسف لم تدر  ولم يدر من حولها بما تعانيه، قد يكون لنقص ثقافة العلاج النفسي، وقد يكون خوفاً من وصمة العار والمرض النفسي، وقد يكون هذا جهل، ولكن فى النهاية أصبحنا أمام جريمة بشعة والسبب مرض  نفسي قد يصيب بعض النساء، المثير أنها لم تكن الجريمة الاولي ومن المؤكد أنها لم تكن الاخيرة، السطور التالية تسرد لكم تفاصيل جريمة الدقهلة البشعة كما نستعرض أبرز الجرائم التى ارتكبت بواسطة أم مريضة.

 

المرض خطير ولكن الكارثة أنه مازال مجهولا لدي الكثير من الأسر، وللأسف هناك العديد من الجرائم ارتكبت وقد ترتكب والسبب هو المرض النفسي الذي تصاب به الأم ويجعلها في لحظة قاتلة، ولكن لأن الجهل بمثل هذا المرض النفسي لدي الكثير، اخذت تلك الجريمة الصدي الاعلامي الضخم، ولعلها تكون تحول في ثقافة الأسر.

 

بدأت جريمة الدقهلية عندما استيقظ أهالي قرية ميت تمامة بمدينة منية النصر، على جريمة بشعة حيث عثر الأهالي على جثث 3 أطفال مذبوحين داخل منزلهم بالقرية، بينما كانت الأم على الطريق الرئيسي فى محاولة منها للانتحار بإلقاء نفسها تحت عجلات جرار زراعي ولكن فشلت محاولة انتحارها وتم نقلها للمستشفى فى حالة خطيرة.

 

تلك كانت البداية لنكتشف جريمة بشعة وتفاصيل مرعبة حول الاسرة الصغيرة، وقتها قام الاهالي بإبلاغ الشرطة التى انتقلت على الفور، وتبين أن السيدة التى حاولت الانتحار تبلغ من العمر 30 عاما ومشهود لها فى القرية بالاحترام و الهدوء، لم يتخيل أحد من سكان القرية أن تلك السيدة سترتكب جريمة هكذا، ولكن المرض النفسي والحالة الصعبة التى أصابتها خلال الشهور السابقة وما كانت تعانيه خلال السنوات الماضية جعلها اقرب للاكتئاب وارتكاب هذه الجريمة البشعة.

 

الرسالة الاخيرة

أجرت وقتها القوات التحريات السرية وتبين أن المتهمه "حنان.م" 30 عاما خريجة كلية تربية قسم لغة عربية، متزوجة من "محمد.أ" 33 سنة مدرس ويعمل باحدي الدول العربية، يقيمان بمنطقة المكبس بقرية ميت تمامة، وبفحص السيدة داخل المستشفى أكد الأطباء أنها مصابة بجرح قطعى بالرقبة 10 سم ولا يمكن استجوابها، وأثناء فحص بلاغ الانتحار ورد بلاغ لمركز شرطة منية النصر بالعثور على جثث 3 أطفال مذبوحين داخل شقتهم.. بانتقال ضباط المباحث لمكان البلاغ تبين أن الأطفال هم أحمد 10 سنوات، وأنس 5 سنوات، وسمية 3 شهور، وترك الأم رسالة لزوجها مضمونها كان كالتالي:-

 

"أنا وديت ولادك الجنة يا محمد، إنت كمان هتروح معاهم الجنة علشان مقصرتش معانا في حاجة، أنا اللى قصرت معاهم وخصوصا أحمد، فكان لازم أوديه الجنة، لأن ذنبه في رقبتي، لا علمته الكلام ولا التعليم، وإخواته معاه في الجنة، اصبر واحتسبهم عند الله، ويا بختك بالجنة، أما أنا فادعيلي علشان كنت بتعذب فى الدنيا ومش قادرة أعيش، سامحني.. ربنا يكرمك باللي تستاهلك.. ويعوض عليك بولاد أحسن".

 

كانت الرسالة أو الاعتراف بالجريمة دليل على أن المتهمة تعاني من مرض ما، ولكن ظلت التحريات والفحص، وقتها انتقلت النيابة لمعاينة موقع الجريمة وتتبع خط سير المتهمة حتي المكان الذي حاولت فيه الانتحار، وبعد فحص الشرطة آلات المراقبة بمحيط الواقعة تبين اصطدام المجني عليها بجرار زراعي، وأن قائد الجرار قرر عند سؤاله أن المجني عليها ألقت بنفسها أسفله حال سيرِه مما أدّى لحدوث إصابتها، وبالتزامن مع ذلك رصدت وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام منشورات وأخبارا حول الواقعة مفادها انتحار السيدة بعد قتلها أبناءَها الثلاثة، وعلى ذلك باشرت النيابة العامة التحقيقات. 

 

حيث انتقلت إلى المستشفى والتقطت صورًا للسيدة المصابة لاتخاذ إجراءات تحديد هُويتها لحين إفاقتها، وكذا انتقلت إلى مسرح الحادث لمعاينته فعثرت على إحدى كاميرات المراقبة المطلّة على الموقع والتي سجلت لحظة إلقاء السيدة بنفسها أسفل الجرار حال سيره في الطريق، فسقطت وحدثت إصابتها، وسألت النيابة العامة ثلاثة شهود على الواقعة أكدوا إلقاءَ السيدة بنفسها أسفل الجرار، وأن قائده حاول تفاديها، وتوقف مباشرة عقب وقوع الحادث.

 

وخلال اتخاذ النيابة العامة تلك الإجراءات تلقت إخطارًا آخر من الشرطة بالتوصل لتحديد هوية المصابة ومحل إقامتها، وأنه عُثر بمسكنها على جثامين ثلاثة أطفال أشقاء مصابين جميعًا بإصاباتٍ ذَبحيَّةٍ بالرقبة، فانتقلت النيابة العامة لمعاينة المسكن فعثرت على آثار دماء بأنحاء متفرقة به، وكذلك عثرت على ورقةٍ مُدوَّن عليها بخط اليد عبارات تُفيد أن مَن كتبها قد أقرَّ ضمنًا بقتل الأطفال الثلاثة، كما عثرت النيابة العامة على هاتف محمول ومضبوطات أخرى أمرت بالتحفظ عليها، وكذا ناظرت جثامين الأطفال الثلاثة وما بها من إصابات، وعثرت جوارها على سكين ملطخ بالدماء أمرت بالتحفظ عليه وفحصه. 

 

وعلى ذلك تتبعت النيابة العامة خط السير المحتمل للسيدة من محلّ سكنها وصولًا لموقع الحادث لمعاينته وفحص كاميرات المراقبة به، وسألت النيابة العامة جدة الأطفال الثلاثة والتي اتهمت زوجة ابنها -السيدة المصابة- بقتل أبنائها، وسألت النيابة العامة شهودًا من الجيران منهم أحد أقارب زوج المصابة، والذين شهدوا بسماعهم صراخَ استغاثة من مسكن جدة الأطفال الثلاثة، وباستطلاعهم الأمر أخبرتهم الجدةُ بعثورها على جثامين الأطفال الثلاثة ملقاة بمسكن ابنها وبها جروح ذَبحية، مؤكدين اتهامهم السيدة المصابة بقتل أبنائها. 

 

وفي أعقاب إخطار النيابة العامة بإفاقة المصابة، وإمكانية إجابتها كتابةً على ما يُوجّه إليها من أسئلة، انتقلت النيابة العامة إليها لسؤالها حيث أقرّت كتابةً في ورقاتٍ دَوّنتها بارتكابها واقعة قتل أبنائها الثلاثة، موضحة أنها -بالرغم من استقرار معيشتها وتمتعها بحياة جيدة- انتابها اكتئاب شديد عقب ولادتها طفلها الأخير، مما دفعها للتفكير في إزهاق روحها وأرواحهم، لذلك تحينت فرصة انفردت خلالها بالأطفال الثلاثة واستلت سكينًا قتلتهم به ذبحًا، وحاولت إزهاق روحها به بعد ذلك فلم تفلح، فسارت بالطريق العام حتى رأت الجرار الزراعيّ فألقت بنفسها أسفله.

 

وعلى هذا أمرت النيابة العامة بعرض المتهمة لاستجوابها فورَ تماثلها للشفاء، وجارٍ استكمال التحقيقات.

 

الزوج يدعو لزوجته 

وبالرغم من الجريمة التى اتكبتها المتهمة واثناء تشيع جنازة الاطفال حضر الزوج من الخارج، واثناء تشيع جنازة اطفاله القي خطبة صغيرة بمسجد القرية، يدعو فيها المتواجدين بالدعاء لزوجته وكان نص الكلمة؛ "اللهم ارحم أولادي أحمد وأنس وسمية، وأدعوكم جميعا بالدعاء بأن يرحم لله أبنائي، وأن يشفي أمهم ويعافيها ويجعل ما بها من داء في ميزان حسناتها، ولله ما علمت عليها إلا خيرا، وما علمت أحدا أحرص منها على أولادي، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. اللهم اغفر لهم وارحمهم".

 

لاشك أن الجريمة بشعة، ولكن تضعنا أمام مجموعة تساؤلات؛ الى متى سنظل نعاني من وصمة المرض النفسي وهو مثل كل الأمراض التي تصيب الجسد؟!، هل سنتجاهل الازمات النفسية التى قد تودي بنا الى كوارث، فخلال السنوات الماضية كانت هناك العديد من الجرائم لأمهات قاموا بقتل اطفالهم بسبب البكاء، واسباب اخري تافهة فهل كانوا ضحية للمرض النفسي قبل أن يكونوا متهمين؟