«محطة سخا».. دولة علماء الزراعة فى الشرق الأوسط..تفاصيل

محطة سخا
محطة سخا

كتب: ياسين صبرى

محطة سخا: تضم 54 قسمًا موزعًا على 14 معهدًا ومعملًا مركزيًا على مساحة 1090 فدانًا 

دورات مجانية للعاملين بالمجال الزراعي لنقل الخبرة إليهم

سخا.. تنتج 60% من تقاوي الأساس لمحصول القمح على مستوى الجمهورية

 

تزخر مصر بالعديد من العقول النابغة والمراكز البحثية المرموقة التى تعد بمثابة نبع للعلم لا ينضب، فنجدها تعمل باستمرار لوضع اسم مصر فى مصاف الدول المتقدمة، وتعد محطة البحوث الزراعية فى مدينة سخا بمحافظة كفر الشيخ، أبرز مثال على ذلك حيث تأسست عام 1960 بهدف إجراء البحوث والدراسات العلمية اللازمة لتحقيق نهضة زراعية شاملة، وإيلاء اهتمام أكبر ببحوث الأصناف عالية الإنتاج من مختلف البذور والمحاصيل، وتقديم الخدمات الإرشادية للمزارعين فى شمال الدلتا.

 

هذه المحطة ربما لم تكن معلومة للكثيرين حتى جاء حوار الرئيس عبدالفتاح السيسى مع وزير الزراعة السيد القصير خلال افتتاحه مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعى حول ضرورة التوسع فى إنتاج التقاوى المعتمدة من مراكز البحوث ومحطة سخا حيث تزيد إنتاجيتها، ومن هنا قررت "آخرساعة" أن تزور المحطة وترصد ما يحدث بها.

 

وإذا جاز القول يمكن وصف هذه المحطة بأنها دولة العلماء والباحثين فى مجال الزراعة، ومنذ جرى تأسيسها وحتى وقتنا الحالى نجحت فى استنباط العديد من الأصناف النباتية المتميزة فى إنتاجها وحجم استهلاكها للمياه، علاوة على إنتاج التقاوى والبذور لمختلف المحاصيل الرئيسية، لتسهم إلى حد كبير فى سد الفجوة الغذائية ونقل الممارسات الزراعية الحديثة لكل من يرغب فى تعلمها.

 

زرات آخرساعة، هذه المحطة، حيث كان فى استقبالنا الدكتور محمد عطوة، مدير المحطة، الذى أوضح لنا أن مركز البحوث الزراعية قام بتغطية جميع مناطق الجمهورية بمحطات بحثية حسب خصائص كل منطقة واحتياجاتها الزراعية، ومن بينها محطة سخا التى تعد أكبر محطة بحثية فى الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تضم 54 قسمًا موزعًا على 14 معهدًا، ومعملا مركزيا على مساحة 1090 فدانا.

 

وحوالى 70% من مخرجات البحث العلمى الزراعى ممثلة فى استنباط الأصناف والهجن الجديدة تأتى من إنتاج  المحطة، فنجد أن 100% من الأصناف المزروعة أرزًا من إنتاج محطة سخا، علاوة على إنتاج 95% من الأصناف المزروعة قطنًا على مستوى الجمهورية، خاصة الأصناف الطويلة وفائقة الطول، بجانب تغطية احتياجات نحو 60% من المساحة المنزرعة بالقمح فى مصر من الأصناف التى جرى استنباطها فى هذه المحطة.

 

والمهام التى أنشئت من أجلها المحطة متعددة، من بينها تعظيم إنتاج المحاصيل، وحل المشكلات التى تواجه الإنتاج الزراعى، لا سيما المحاصيل الحقلية، عبر إنتاج تقاوى المربى والأساس، وبذرة المربى هى أول بذرة تخرج من الصنف المراد زراعته لتدخل بعد ذلك ضمن منظومة إنتاج تقاوى الأساس لإكثارها على نطاق أوسع وصولا إلى اعتمادها وتسجيلها ونقلها للإدارة المركزية لإنتاج التقاوى، من ثم المزارعين.

 

ويوضح: هناك نشاط آخر مهم بالمحطة وهو التوسع فى نشاط الإرشاد والتدريب الزراعى الذى لم يعد مقتصرًا على الباحثين أو الطلاب فقط، بل يتم تقديم دورات تدريبية مجانية لكل من يعمل بالمجال الزراعى لنقل خبرتنا كاملة إليهم، حتى وصل عدد المتدربين فى عام 2021 إلى 12 ألف متدرب، فميزة هذه النوعية من المتدربين هو إمكانية نقل ما تعلموه إلى المجتمع المحيط بهم لنشر التكنولوجيا الزراعية الحديثة من أصناف وهجن وممارسات جديدة ترفع إنتاجية المحصول وتقلل من استهلاك المياه والمبيدات والأسمدة.

 

يتابع: لدينا برامج داخل المحطة لتربية أصناف قصيرة العمر وفيرة الإنتاج، فهناك  أصناف قديمة من الأرز كانت مدة زراعتها تستمر لـ170 يومًا، ونجحنا فى اختصار فترة نموها بخمسين يومًا كاملة من خلال استنباط أصناف مثل اسخا106 وبسخا107، كما يوجد نوع جديد من الأرز استنبطته المحطة هو االأرز السوبرب الذى يمثل مستقبل زراعة الأرز فى مصر، كون إنتاجه أكثر من الأنواع التقليدية بحوالى 10%، ويعنى ذلك إمكانية تقليل المساحة المنزرعة بمحصول الأرز مع الحصول على نفس الكمية التى تحتاجها السوق المحلية والتصديرية عبر رفع كفاءة إنتاجية الفدان وتقليل استهلاك المياه لتُوجه لزراعة محاصيل استراتيجية أخرى.

 

ويؤكد: عندما يتم رفع إنتاج الفدان بنفس كمية المياه والأسمدة فنحن نحقق أعلى استفادة من وحدة المساحة فى ظل ثبات الموارد المتاحة لدينا، وهو ما يسمى بـبالزيادة الزراعية الرأسيةب عبر توفير الأصناف التى تعطى أعلى إنتاجية مع مقاومة الظروف البيئية المختلفة، والمزارعون يرون نتائج تجاربنا بأنفسهم عبر حقول المشاهدات المنتشرة فى معظم المراكز الإدارية الزراعية بل ويقومون باختيار بعضها بناء على نتائجها المبهرة.

 

انتقلنا بعد ذلك إلى الحقول البحثية التابعة للمحطة، حيث كان يتم حصاد أحد أصناف القمح الجديدة، وهناك التقينا الدكتور إبراهيم عبدالهادى، رئيس قسم بحوث القمح بمعهد البحوث الحقلية التابع لمحطة سخا، الذى أشار إلى أن قسم بحوث القمح يعد من أكبر الأقسام البحثية، ويمتلك برنامجًا عملاقًا لاستنباط أصناف عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض، موضحا أن الأصناف المصرية من القمح تتفوق على الأجنبية فى متوسط إنتاجية الفدان بمعدل يتراوح بين 2.5 و3 أطنان على مستوى الجمهورية بل يتعدى هذه النسبة إلى 3 و4 أطنان فى الحقول الإرشادية، فيما متوسط الإنتاج على مستوى العالم من القمح هو 1.5 طن للفدان فقط.

 

يلتقط أطراف الحديث الدكتور سيد على عبدالحميد، رئيس الفريق البحثى بقسم بحوث القمح بالمحطة، الذى أوضح أن إنتاجية الفدان للقمح الربيعى فى مصر تعتبر من أعلى نسب الإنتاج على مستوى العالم بمعدل يتراوح بين 8 و9 أطنان للهكتار الواحد.

 

يتابع: كان سبب اختيار موقع إنشاء محطة سخا هو أنها تعد نقطة التقاء الأمراض النباتية، من ثم يمكن من خلالها تقييم درجة مقاومة النبات وتأثره بالظروف البيئية وارتفاع درجات الحرارة والملوحة.. وننتج فى محطة سخا حوالى 60% من تقاوى الأساس لمحصول القمح على مستوى الجمهورية، ولدينا نحو 640 فدانا يتم زراعتها بتقاوى أساس موزعة ما بين أصناف مثل امصر1ب وبمصر3ب وبمصر4ب، وهو أحدث صنف جرى تسجيله هذا العام، ولدينا أيضا اسخا95ب وهو من الأصناف عالية الإنتاجية ويغطى مساحة كبيرة للغاية تصل لثلث المساحة المنزرعة بالقمح فى كفر الشيخ، بجانب زراعة اسدس14ب وهو من الأصناف التى تُزرع على نطاق واسع بمصر، ونجحنا فى استنباط أصناف مثل جيزة171 تصل إنتاجيته لـ24 إردبًا للفدان.

 

ويشير إلى أن المساحة المزروعة قمحًا تُحصد بالآلات الزراعية، وصنف امصر3ب الذى تم تسجيله من عامين، يعد من الأصناف الممتازة المقاومة للأمراض ويصل معدل إنتاجه إلى 28 أردبا للفدان مع الالتزام بحزمة التوصيات الإرشادية، وعمومًا الصنف الذى ينتج فى المحطة يتم تقييمه وإخضاعه لتجارب المعاملات ثم تخصص له حزمة توصيات كمعدل تقاوى وتسميد ورى، ثم يدخل مراحل إكثار التقاوى بناء على الخطة الموضوعة مسبقا فى المحطة التى تأخذ بعين الاعتبار مساحة زراعته المتوقعة على مستوى الجمهورية ومدى إقبال المزارعين عليه.

 

فيما أوضح الدكتور حاتم الحمادى رئيس قسم الذرة الشامية بمعهد البحوث الحقلية أن المساحة التى يزرع بها محصول الذرة داخل مصر تصل إلى ٢,٨ مليون فدان, بواقع ٢,٢مليون فدان لإنتاج الحبوب  و ٦٠٠ ألف فدان لإنتاج السيلاج والأعلاف بنسبةت تصل إلى ٢٠ طنا للفدان .

وتابع:تهجن الذرة تنقسم إلى أنواع فردية وثلاثية وكلتاهما تتفرع إلى هجن صفراء وبيضاء، ونحن بفضل الله قمنا بإنتاجتهجن ذات جودة مرتفعة أحدثها هجين ٣٧٧عالى الإنتاجية ضمن الحملة القومية لزراعة الذرة الشامية بالتعاون مع أكاديميةتالبحث العلمى والتكنولوجيا فى ٢٣ محافظة تشمل الحقول التعليمية وحقول المشاهدات، وفى عام ٢٠٢٢ الجارى سيتم تسجيل ٧ هجن جديدة للذرة بعد أخذ جميع الموافقات عليها منت بينها هجن ذرة الفشار التى نستوردها من الخارج بالعملة الصعبة إضافة إلى هجن الذرة السكرية sweet corn .

 

وعلى مقربة منا كان يقف عامل يُدعى عاطف أحمد على ماكينة الحصاد منهمكا فى ترقيم أجولة القمح ووضعها على عربات النقل، وأوضح لنا أن عملية الحصاد تبدأ فى العاشرة صباحًا تمهيدا لنقل المحصول للمخازن، وهنا أكد أحمد سيد مدير المزرعة البحثية أن عملية حصاد القمح مرتبطة بدرجة رطوبة الجو، فإذا كانت مرتفعة لا يمكن أن تقوم الماكينات بعملها على الوجه الأمثل، لذا ننتظر حتى يكون المحصول جافا ثم يتم حصده، بعدها يتم تخزين كل صنف بمفرده لحين استلامه من قبل رئيس فريق الجرد، ثم يتم تنظيف ماكينات الحصاد قبل التعامل مع أى محصول آخر.

 

توجهنا بعد ذلك إلى موقع ماكينات غربلة الحبوب، وهناك كان فى انتظارنا زكى عبدالمجيد، مهندس فحص واعتماد التقاوى، ليكشف عن طرق حفظ الحبوب بعد نقلها للتخزين، حيث تتم عملية التبخير بقرص الغلة للقضاء على السوس والحشرات الحية وتوضع الأجولة على أقمشة أسفلها رمال ثم تُسحب عينة أوليّة بحجم 2 كيلوجرام للفحص المعملى، فإذا كانت خالية من الحشرات يتم إدخالها مرحلة الغربلة، وبعدها تُعامل بالمطهرات الفطرية للقضاء ما يعرف بمرض تفحم القمح.