سماح أبوبكر عزت: عملي بمجال أدب الطفل لم يكن قرارًا

سماح أبوبكر عزت:عملى بمجال أدب الطفل لم يكن قرارًا
سماح أبوبكر عزت:عملى بمجال أدب الطفل لم يكن قرارًا

حوار: عائشة المراغى

> لا أكتب بمعزل عن الأطفال.. ورسائلهم هى جائزتى الحقيقية
> أحببتُ الحكى من جدتى وكنت أعيد سرد «حواديتها» فى الصباح بتفاصيل مختلفة

> طفل اليوم لم يعد ساذجًا وعلينا أن نثير فضوله وندهشه

> من يتخذ «أدب الطفل» مهنة ستكون أعماله مجرد كلام على ورق

> الفن والثقافة حائط صد لأى شخص ضد الأفكار غير الصحية
«إلى جدتى الحبيبة التى علّمتنى الأبجدية ونسجت من حروفها عالمًا من الخيال.. إليها أُهدى هذه القصة. قُبلة على جبينها المشرق، وعقد من الفل والياسمين باتساع حضنها الدافئ الحنون».
بهذا الإهداء وَسَمت كاتبة الأطفال «سماح أبو بكر عزت» إحدى قصصها، لتعبِّر به عن اشتياقها لجدتها، مَن وَضعَت لها اللبنة الأولى لتصعد فوقها وتتلمس موهبتها، إذ كانت حكَّاءة رائعة، تحتضن حفيدتها فى كل ليلة وتسرد لها «حدوتة» جديدة، وقبل أن تصل للنهاية تكون الصغيرة – التى لم تكمل عامها الخامس – قد غَفَت، فيبدأ عقلها فى تخيُّل الأحداث بشكل مغاير ويضع النهايات التى تناسبه، وفى الصباح تعيد على جدتها ما حاكه خيالها، فتبتسم وتنصت لها. 
تلك السنوات الأولى من طفولتها عزّزت إيمانها بالدور الكبير الذى تلعبه «الجدّة» عمومًا فى حياة الأحفاد، وبشكل خاص تقول: «جدتى لأمى هى من أحببتنى فى الحدوتة وسرد الحكايات والشِعر، بخِفّة دمها وطيبتها وحنانها وذكائها الشديد، لم تكن عادية على الإطلاق. حين أعيد سرد القصص عليها فى اليوم التالى بتفاصيل مختلفة لم تكن تصححها أو تشعرنى بأن ما أقوله خطأ. لذلك أقول للأهالى دائمًا حين ألتقى بهم (اتركوا لأطفالكم حرية التخيُّل ولا تحجروا على تفكيرهم، هى مجرد حكاية، طالما أنهم لا يقولون أشياء خارجة أو ضد الأخلاق). ما فعلته جدتى أشعرنى رويدًا بأننى أستطيع الحكى، فصِرتُ أجمع الأطفال حولى وأحكى لهم وأحتويهم، حتى لو لم يكن فرق السن بينى وبينهم كبيرًا». 

من «حواديت» الطفولة و«بابا ماجد» و«أبلة فضيلة» إلى قراءة الكُتب؛ كانت انتقالة شبه تلقائية ويسيرة لسماح أبو بكر، نظرًا لنشأتها فى منزل مغلَّف بالثقافة والفن والأدب، فوالديها هما الكاتبة كوثر هيكل والفنان المثقف أبو بكر عزت، لذا كان طبيعيًا أن تكون المكتبة ركنًا أساسيًا فى حياتها، تسحب منها كتابًا وراء الآخر ولا يغادرها دون أثر، بدءًا من الأديب الرقيق – كما وصفته – مصطفى صادق الرافعى ومؤلفاته «السحاب الأحمر» و«أوراق الورد» و«رسائل الأحزان»، والمتنبى الذى تحفظ معظم قصائده، والكاتب الموسوعى أنيس منصور ذو القدرة الهائلة على تبسيط الفلسفة، فضلًا عن الكاتب العالمى المفضَّل لدى والدها؛ الروسى أنطوان تشيكوف.


كانت الأسرة نقطة قوة فى حياتها وذات تأثير كبير عليها، لكنها – فى الوقت ذاته – يمكن اعتبارها أحد معوقات طريقها إلى أدب الطفل، إذ حرصت سماح على الابتعاد عن مجال والديها، فدرسَت التجارة الخارجية باللغة الفرنسية.

وبعد التخرج عملت فى القطاع الاقتصادى بالتليفزيون المصرى، ثم انتقلت لقناة «القنال» بالإسماعيلية، وتدرجَت فيها إلى أن أصبحت حاليًا كبير معدِّى ومقدِّمى البرامج، لكن مسارها منذ البداية وحتى اللحظة الآنية شهد تغيرًا جوهريًا، قبل أكثر من عشرين عامًا، حين تعرّفت على عالم الأطفال عمليًا، عبر ترجمة المواد المرسلة من القناة الفرنسية للأطفال، تقول: «أدب الطفل تحديدًا لم يكن قرارًا اتخذته، وإنما وجدتُ نفسى فى المجال وأحببته، وعشقى للأطفال جعلنى أصل إليهم. عملتُ فى الكارتون وخيال الظل مع الأستاذ حسن عبد الغنى، والصلصال مع د. زينب زمزم، ثم احترفتُ كتابة الدراما وأنتجت لى شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات مسلسلات لاقت استحسانًا كبيرًا وحصلتُ عنها على جوائز، ومنها «علاء الدين وجدو أمين» من بطولة الفنانين أحمد خليل وأسامة عباس ونشوى مصطفى وإخراج د. عادل يحيى – عميد معهد السينما حينذاك، وكذلك «طفولة العلماء» الذى تقوم فكرته على أن مسار أى إنسان غالبًا ما يتحدد بموقف فى مرحلة الطفولة أو الصبا؛ لماذا ابن خلدون أصبح عالم اجتماع وابن سينا أصبح طبيبًا وفيلسوفًا، وقد قام ببطولته الفنانون أحمد حلاوة وسمير حسنى ومدحت مرسى، إذ كانت «صوت القاهرة» ترصد ميزانية جيدة لمسلسلات الأطفال وتستعين بفنانين كبار». 


أما مرحلة الكُتب المطبوعة فبدأت عام 2005، بعدما توقفت شركة صوت القاهرة عن الإنتاج، وكانت سماح قد قدَّمت للطفل كل الأشكال الدرامية، وهو ما أثقل تجربتها، تقول: «من يبدأ عمله فى مجال الطفل بالدراما ثم يتجه للكتابة تكون مساحة الخيال عنده واسعة جدًا، ولديه ملكة خلق عالم ثان، إذ اعتاد أن يغزل خلال 15 أو 18 حلقة شخصيات تعيش معه طوال الوقت ولها ملامح وتصرفات وشكل.

المهم أن يكون من يكتب للطفل على علاقة وثيقة به ويحبه، أما من يتخذها كمهنة فلن يترك علامة أو تفاعلًا حقيقيًا، ستكون أعماله مجرد كلام على ورق. ولذلك أنا لا أكتب بمعزل عن الأطفال، طوال الوقت أتفاعل وأتواصل معهم، مما يحقق لى تجديدًا وحيوية، لأنهم المتلقى الذى أتوجه إليه، ولابد أن أعرف كيف يفكر وكيف يمكن أن أؤثر فيه، فالنمط القديم لم يعد ذا جدوى اليوم».


وما بين النمطين القديم والحديث، تضيف سماح أبو بكر: «الطفل اليوم لم يعد ساذجًا يصدِّق أى شىء نقوله له، بل أصبح منفتحًا على العالم ويشاهد كل ما يحدث حوله، ومطلِّع على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بشكل عام، لا يمكن التأثير فيه بدون تقديم شىء جديد. كما أن الطفل بطبعه كائن فضولى ولا بد أن يندهش لكى يهتم، إن لم يكن ما يُقدَّم له يحمل الدهشة والخيال الذى يستفزه لن يقرأه، لأن المغريات والبدائل حوله الآن كثيرة، بخلاف الماضى.

لذلك أحرص على أن أجلس بين الأطفال وأحكى قصصى لهم، لأتابع رد فعلها عليهم بشكل مباشر. وقد فعلتُ ذلك مع أطفال فى كل أنحاء العالم؛ المدرسة المصرية فى لندن، المركز الثقافى المصرى فى باريس، الأكاديمية المصرية فى روما، السودان، وأربع مرات فى مهرجان «حكايات برلين». كانوا يجمعون لى جميع الأطفال الناطقين بالعربية لا المصريين فقط. هؤلاء هم جائزتى الحقيقية، ورسائلهم التى يبعثون بها لى معبرين عن إعجابهم بالقصص وكيف أثَّرت فيهم وغيَّرت مفاهيمهم، وكيف شعروا أنها تحكى عنهم وجعلتهم يتعاملون بشكل أفضل فى حياتهم. كل هذا يشعرنى أننى على الطريق الصحيح».


وفى إطار رحلاتها الخارجية – كذلك – من أجل أدب الطفل، شاركت فى مبادرة «اتكلم عربى» التى أطلقتها السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، بهدف ربط الأطفال المصريين فى الخارج بالوطن، تستكمل: «هناك أشياء كثيرة مشتركة بين الأطفال رغم اختلافهم من مكان لمكان.

وأهمَّها أنهم يعيشون نفس العصر الذى أصبحت متطلباته مختلفة عن السابق، لذا ارتبطت الموضوعات المطروحة لهم بالتطور والعالم الذى يعيشونه، وأضحت هناك قصص تتحدث عن تقبل الآخر وكيفية التعامل مع مواقع التواصل وتقنين ذلك بشكل لطيف، والابتزاز الإلكترونى. كل ذلك كتبتُ فيه قصصًا وحصلتُ عنها على جوائز».


هذه التطورات التى فرضها العصر شملت – أيضًا – الوسائل التى تُقدَّم من خلالها المواد المنتَجة للطفل، فلم يعد الكتاب الورقى وحده كافيًا، وإنما يتطلب الأمر تكاملًا بين الكتاب والدراما والألعاب، وغيرها من القوالب التى توضِّحها: «الكثير من قصصى تحولت إلى كتب صوتية ولاقت نجاحًا كبيرًا جدًا، من بينها «ثلاثون كتابًا وكتاب» الذى يتناول كُتب علماء العرب المؤثرة فى تاريخ الحضارة، وقصة «على وصديقه الذكى» عن الطفل الذى هرب منه الموبايل لأنه يسىء استخدامه. وفى الفترة القادمة ستقدَم أعمال من خلال الكارتون وتقنية الـ3D للتأثير فى الأطفال بشكل أكبر. لكن كل ذلك لا ينفى أن الكتاب الورقى سيظل باقيًا لأنه صديق ملازم لنا، ودائمًا أخبر الأطفال بأنهم قد يكون لهم أصحاب كُثر، إلا أن الكُتب هى الأصدقاء الأكثر عددًا وحميمية، وتعيش معهم فى نفس البيت».

فى عام 2012 بدأت سماح أبو بكر تجربة مختلفة، بالإشراف على صفحة بجريدة الوطن تحت عنوان «وبدأت الحدوتة مع ماما سماح» تم تخصيصها لاستقبال إبداعات الأطفال من رسم وقصص وشِعر ومشاركات مختلفة. ومع انتشار وباء «كورونا» وإجراءات السلامة التى اقتضت مكوث الأطفال بالمنزل، قدَّمت مع الجريدة برنامجًا بعنوان «توتة توتة وفى الحظر حدوتة» حظى بتفاعل كبير. 


لم تكن تلك التجربة جديدة بالنسبة لها، إذ تقدِّم قبل ذلك بسنوات برنامج «احكى يا ماما سماح» على قناة «القنال» والذى تعتمد فكرته على الحوار، فبعد أن تسرد قصة على الأطفال المشاركين معها فى الحلقة، تتناقش معهم حول معناها وهدفها، وتخرج بهم من إطار القصة للحياة، خاصة وأن القصص تكون من واقعهم المعاش والأحداث الجارية، مثل «حياة وكريمة»، «إيفر جرين» و«قنال لا تعرف المحال» التى حققت نجاحًا كبيرًا، تقول عنها: «صدرت القصة فى 30 يونيو الماضى أثناء معرض القاهرة الدولى للكتاب، بدعم كبير من د. هيثم الحاج على رئيس هيئة الكتاب ود. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة.

وكنت كلما أذهب للمعرض وأسأل عنها يبلغوننى أنها نفدت. لم أتخيّل أن تحقق كل هذا النجاح، ما أردته – فقط – تخليد هذا الحدث الذى شغل العالم كله لستة أيام، حتى تتعرف الأجيال اللاحقة كيف استطعنا السيطرة عليه. تحكى القصة عن طفل يعيش فى السويس، والده قبطان وجده أيضًا كان قبطانًا.

ويسرد الأحداث من وجهة نظره. الأطفال شعروا أنها ليست قصة تعليمية أو مفروضة عليهم، لأن الحكى على لسان طفل مثلهم. مشكلتى الحقيقية كانت فى المعلومات الهندسية والملاحية، وكيف يمكن تقديمها للطفل، فحاولت تبسيطها قدر الإمكان ليتمكنوا من فهمها، كتشبيه حجم السفينة – على سبيل المثال – بما يوازى أربعة ملاعب للكرة، وبالتالى يصبح الأمر مرتبطًا بشىء مألوف بالنسبة لهم».


أن تعتاد سماح أبو بكر القراءة منذ صغرها وتألَف صُحبة الكتاب؛ ربما يكون شيئًا يسيرًا وطبيعيًا، نظرًا لنشأتها بين والدين يهتمان بذلك، وكذلك أبناؤها الذين اعتادوا أن تحكى لهم قصصها قبل أى شخص، لكن ماذا عن أطفالنا فى القرى والنجوع ممن يتلقون التعليم الأساسى بصعوبة؟ تجيب: «الوصول إليهم يكون من خلال مراكز الثقافة المحيطة بهم والمكتبات.

ومن خلال أنشطة الثقافة الجماهيرية. أنا شخصيًا ذهبتُ ضمن حملة حياة كريمة لأربع قرى فى سيناء، وسنستكمل تلك اللقاءات مع الأطفال فى مختلف القرى، هم بالفعل متعطشون لأن يكون بين أيديهم كتاب أو قصة أو نشاط يشغلهم، ولديهم فطرة بِكر تستوعب ما يُقدَم». 


تستطرد: «التربية والتعليم – كذلك – دورها مهم جدًا، هى الأهم والأساس، عن طريق وجود المدرِّس الذى يشجِّع على القراءة والأنشطة، وتقديم قصص داخل المناهج تحببهم فى القراءة بشكل عام ولا يشعرون معها أنها مجرد قصة مفروضة عليهم، وإنما تشجعهم على قراءة كتب خارجية. ما نلاحظه من اختفاء لحصة المكتبة شيء غير صحى على الإطلاق، لا بد من أن تعود، إلى جانب حصص الموسيقى والنشاط، لأن تلك التى تنمِّى حب القراءة والابتكار فى الأطفال وتجعلهم أسوياء دون عنف أو تطرف. الفن والثقافة بوجه عام حائط صد لأى شخص ضد الأفكار غير الصحية».


تكمن الإشكالية التالية لـ «أدب الطفل» فى اختيار الأعمال المناسبة من بين الحكايات التى تملأ الآلاف من كتب الأطفال، إذ أصبح المجال – كما تصفه سماح أبو بكر – مغريًا للكثيرين، بعد رصد العديد من الجوائز له.

وربما آخِرها جائزة كامل الكيلانى التى أطلقها المجلس الأعلى للثقافة،  تقول: «يشهد أدب الطفل حاليًا نهضة كبيرة، وتنشره العديد من دور النشر، لا أرى أنه يواجه مشكلة، بل أن الأطفال هم من يواجهون ذلك، إذ يحتاجون منا إنتاجًا أكثر يواكب عصرهم ويضيف لهم شيئًا. لكن العبرة بالكيف لا الكم، فبعض الإنتاج الذى أراه يكون جميلًا جدًا والبعض بعيد تمامًا عن طفل اليوم. فى النهاية؛ ذائقة الطفل هى الحكم، والبقاء للأصلح. القصص موجودة ومواضيعها مطروحة وهُم لديهم كامل الحق فى الاختيار، حتى أننى فى لقاءاتى مع الأطفال أسألهم فى البداية عما يحبون أن أحكيه لهم».

تلك المحطات الثرية من حياة سماح أبو بكر، والمتقاطعة جميعها مع الطفل، سواء فى عملها الفنى أو المهنى، ما بين الكتابة والحكى وورش الأطفال وورش كتابة القصة والتحكيم فى جوائز للأطفال والكبار، جعلتها فى مصاف كُتَّاب أدب الطفل المتميزين والبارزين، ممن يهتم المسئولون برؤاهم، وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى استقبلها مؤخرًا فى القصر الرئاسى، بصحبة د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة. 


دار اللقاء بشكل عام حول ما ينقص الأطفال وما يمكن تقديمه لهم من أنشطة بحيث يصبحون فاعلين، وكيفية تنمية هويتهم المصرية فى ظل الغزو التكنولوجى وارتباطهم بالقنوات الفضائية والكارتون المدبلج. ومن المنتظَر أن تشهد الفترة المقبلة إنتاج أعمال للأطفال ومبادرات تحقق هذه الأغراض، كما يحتل أدب الطفل حيزًا كبيرًا من اهتمام مكتبة الأسرة.


وعن إمكانية أن تخُّط سماح أبو بكر عزت لقائها مع الرئيس فى قصة للأطفال، تقول: «لمَ لا؟ بالطبع يمكن صياغة لقائى معه فى قصة، خاصة أنه شجَّعنى وأثنى على قصة «حياة وكريمة» المستوحاة من المبادرة. هذا يمكن أن يكون له مردود جيد جدًا عند الأطفال، بأن القيادة السياسية ورئيس الدولة يهتم بهم، مما يشعرهم بأنهم كيانات فاعلة فى المجتمع».

اقرأ ايضا | ختام مؤتمر «ثقافة الغربية» عن الأديب مصطفى صادق الرافعي