خناقة على كرسي الشهبندر

أحمد الإمام
أحمد الإمام

يُحكى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تاجر‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬أرزاق‭ ‬العباد‭ .. ‬يأمر‭ ‬فيطاع‭ .. ‬يمنح‭ ‬ويمنع‭ ‬كيف‭ ‬يشاء‭.‬

الويل‭ ‬كل‭ ‬الويل‭ ‬لمن‭ ‬يتجرأ‭ ‬ويرفع‭ ‬رأسه‭ ‬أمام‭ ‬جناب‭ ‬الشهبندر‭ ‬الذي‭ ‬تربع‭ ‬على‭ ‬القمة‭ ‬بمفرده‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لأحد‭ ‬بأن‭ ‬يزيحه‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يزاحمه‭ ‬عليها‭.‬

هذا‭ ‬التاجر‭ ‬الكبير‭ ‬بقدر‭ ‬سخائه‭ ‬وكرمه‭ ‬في‭ ‬الانفاق‭ ‬على‭ ‬أتباعه‭ ‬وأعوانه‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬اعتصموا‭ ‬بحبله‭ ‬المهترئ‭ ‬،‭ ‬بقدر‭ ‬ماهو‭ ‬خائن‭ ‬وغدار‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يحفظ‭ ‬سر‭ ‬ولا‭ ‬يؤتمن‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬ولا‭ ‬يصون‭ ‬أي‭ ‬ود‭.‬

اكتوى‭ ‬جميع‭ ‬أهالي‭ ‬القرية‭ ‬بنار‭ ‬كبير‭ ‬التجار‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬الاسعار‭ ‬متى‭ ‬شاء‭ ‬ويخرب‭ ‬البيوت‭ ‬العمرانه‭ ‬كيف‭ ‬يشاء‭.‬

كل‭ ‬بيت‭ ‬يخطو‭ ‬داخله‭ ‬بقدميه‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬منه‮  ‬إلا‭ ‬وهو‭ ‬أطلال‭ ‬تذروها‭ ‬الرياح‭.‬

والعجيب‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يصفق‭ ‬لأفعاله‭ ‬ويبارك‭ ‬جرائمه‭ ‬ويبرر‭ ‬خطاياه‭ ‬ويجمل‭ ‬وجهه‭ ‬القبيح‭ .‬

وأخيرا‭ ‬ظهر‭ ‬تاجر‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬القرية‭ ‬يطمع‭ ‬في‭ ‬كرسي‭ ‬شهبندر‭ ‬التجار‭ ‬ويسعى‭ ‬لازاحته‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تربع‭ ‬عليه‭ ‬بمفرده‭ ‬لسنوات‭ ‬وسنوات‭.‬

وبدأت‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬التاجرين‭ ‬الكبيرين‭ ‬على‭ ‬زعامة‭ ‬السوق‭ .. ‬وكان‭ ‬الضحية‭ ‬أهالي‭ ‬القرية‭ ‬الغلابة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعنيهم‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬ويتحكم‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬يعنيهم‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أيديهم‭ .. ‬وارتفعت‭ ‬الاسعار‭ ‬وخربت‭ ‬الديار‭ ‬وجاعت‭ ‬البطون‭ ‬وزاغت‭ ‬العيون‭.‬

الشهبندر‭ ‬القديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بسطوته‭ ‬ونفوذه‭ .. ‬والشهبندر‭ ‬الجديد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ان‭ ‬يزيح‭ ‬القديم‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬ويسيطر‭ .. ‬وبعدها‭ ‬سيكون‭ ‬لكل‭ ‬حادث‭ ‬حديث‭.‬

هذه‭ ‬القصة‭ ‬باختصار‭ ‬تعكس‭ ‬بشكل‭ ‬مبسط‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬البلطيق‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭.‬

يخطئ‭ ‬من‭ ‬يتوهم‭ ‬ان‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الاوكرانية‭ ‬الأخيرة‭ ‬مجرد‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬بين‭ ‬الجارتين‭ ‬اللدودتين‭ ‬لتأمين‭ ‬الحدود‭ ‬وإيقاف‭ ‬تمدد‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭.‬

هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مجرد‭ ‬محاولة‭ ‬لتغيير‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬بالقوة‭ .. ‬روسيا‭ ‬تسعى‭ ‬لازاحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬مقعد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الكوكب‭ ‬والذي‭ ‬تتربع‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬قبل‭ ‬31‭ ‬عاما‭ ‬تقريبا‭ ‬،‭ ‬ويرى‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬كافية‭ ‬لعالم‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬الخريطة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬العم‭ ‬سام‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا‭ ‬منذ‭ ‬انفراده‭ ‬بحكم‭ ‬الكوكب‭ ‬سوى‭ ‬اشعال‭ ‬الحرائق‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ .. ‬من‭ ‬افغانستان‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ .. ‬ومن‭ ‬اليمن‭ ‬الى‭ ‬سوريا‭.‬

فتش‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش‭ ‬وبوكو‭ ‬حرام‭ ‬وغيرها‭ ‬ستجد‭ ‬رائحة‭ ‬الكاوبوي‭ ‬ماثلة‭ ‬بقوة‭.‬

الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عنا‭ ‬،‭ ‬فالدخان‭ ‬المتصاعد‭ ‬من‭ ‬حرائقها‭ ‬ستحمله‭ ‬الرياح‭ ‬إلينا‭ ‬حتما‭ ‬،‭ ‬ووقتها‭ ‬سيعمي‭ ‬أبصارنا‭ ‬ويلهب‭ ‬حلوقنا‭ ‬ويزكم‭ ‬أنوفنا‭.‬

رسالتي‭ ‬لمن‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ .. ‬ماذا‭ ‬جنى‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الامريكان‭ ‬سوى‭ ‬الاستغلال‭ ‬والوقيعة‭ ‬واثارة‭ ‬الفتن‭ ‬وإشعال‭ ‬الحرائق؟‭!‬

ورسالتي‭ ‬أيضا‭ ‬لمن‭ ‬يتوسم‭ ‬خيرا‭ ‬في‭ ‬الروس‭ .. ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬حليف‭ ‬وفي‭ ‬ومخلص‭ ‬ولكنه‭ ‬بخيل‭ .. ‬يمنح‭ ‬بالقطاره‭.‬

أعجبني‭ ‬جدا‭ ‬الموقف‭ ‬المصري‭ ‬الرسمي‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ .. ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬عنا‭ ‬تصريح‭ ‬واحد‭ ‬يسيئ‭ ‬لأحد‭ ‬أو‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬أحد‭ .. ‬أدارت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المصرية‭ ‬الأمر‭ ‬بمعلمة‭ ‬شديدة‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يخرج‭ ‬الموقف‭ ‬المصري‭ ‬عن‭ ‬دعوة‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬لضبط‭ ‬النفس‭ ‬وحل‭ ‬الخلافات‭ ‬بالطرق‭ ‬السلمية‭ .‬

‮ ‬وتجنبت‭ ‬مصر‭ ‬كل‭ ‬أخطاء‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬الهرولة‭ ‬شرقا‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬وتغيير‭ ‬البوصلة‭ ‬غربا‭ ‬في‭ ‬السبعينات‭ .. ‬بوصلتنا‭ ‬الآن‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬مصلحتنا‭ ‬فقط‭.‬