يُحكى أن هناك تاجر كبير في قرية صغيرة يتحكم في أرزاق العباد .. يأمر فيطاع .. يمنح ويمنع كيف يشاء.
الويل كل الويل لمن يتجرأ ويرفع رأسه أمام جناب الشهبندر الذي تربع على القمة بمفرده دون أن يسمح لأحد بأن يزيحه عنها أو يزاحمه عليها.
هذا التاجر الكبير بقدر سخائه وكرمه في الانفاق على أتباعه وأعوانه وكل من اعتصموا بحبله المهترئ ، بقدر ماهو خائن وغدار مع الجميع ، لا يحفظ سر ولا يؤتمن على عهد ولا يصون أي ود.
اكتوى جميع أهالي القرية بنار كبير التجار الذي يرفع الاسعار متى شاء ويخرب البيوت العمرانه كيف يشاء.
كل بيت يخطو داخله بقدميه لا يخرج منه إلا وهو أطلال تذروها الرياح.
والعجيب انه كان دائما يجد من يصفق لأفعاله ويبارك جرائمه ويبرر خطاياه ويجمل وجهه القبيح .
وأخيرا ظهر تاجر جديد في أطراف القرية يطمع في كرسي شهبندر التجار ويسعى لازاحته عنه بعد أن تربع عليه بمفرده لسنوات وسنوات.
وبدأت الحرب بين التاجرين الكبيرين على زعامة السوق .. وكان الضحية أهالي القرية الغلابة الذين لا يعنيهم كثيرا من يحكم ويتحكم.
كل ما يعنيهم لقمة العيش التي أصبحت بعيدة عن أيديهم .. وارتفعت الاسعار وخربت الديار وجاعت البطون وزاغت العيون.
الشهبندر القديم كل ما يعنيه الاحتفاظ بسطوته ونفوذه .. والشهبندر الجديد كل ما يعنيه ان يزيح القديم حتى يتمكن ويسيطر .. وبعدها سيكون لكل حادث حديث.
هذه القصة باختصار تعكس بشكل مبسط الهدف الحقيقي من الحرب الدائرة على ضفاف البلطيق بين روسيا وأوكرانيا.
يخطئ من يتوهم ان الحرب الروسية الاوكرانية الأخيرة مجرد مواجهة عسكرية بين الجارتين اللدودتين لتأمين الحدود وإيقاف تمدد الناتو في شرق القارة العجوز.
هذه الحرب مجرد محاولة لتغيير النظام العالمي الحالي بالقوة .. روسيا تسعى لازاحة الولايات المتحدة من مقعد رئيس مجلس إدارة الكوكب والذي تتربع عليه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 31 عاما تقريبا ، ويرى الدب الروسي أن ثلاثة عقود فترة زمنية كافية لعالم القطب الواحد ولابد من إعادة رسم الخريطة بعيدا عن هيمنة العم سام الذي لم يفعل شيئا منذ انفراده بحكم الكوكب سوى اشعال الحرائق هنا وهناك .. من افغانستان الى العراق .. ومن اليمن الى سوريا.
فتش في أوراق القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها ستجد رائحة الكاوبوي ماثلة بقوة.
الحرب الدائرة الآن في أوروبا ليست بعيدة عنا ، فالدخان المتصاعد من حرائقها ستحمله الرياح إلينا حتما ، ووقتها سيعمي أبصارنا ويلهب حلوقنا ويزكم أنوفنا.
رسالتي لمن يتعاطف مع أمريكا .. ماذا جنى العرب من الامريكان سوى الاستغلال والوقيعة واثارة الفتن وإشعال الحرائق؟!
ورسالتي أيضا لمن يتوسم خيرا في الروس .. الدب الروسي حليف وفي ومخلص ولكنه بخيل .. يمنح بالقطاره.
أعجبني جدا الموقف المصري الرسمي من الأزمة .. لم يصدر عنا تصريح واحد يسيئ لأحد أو ينتقص من أحد .. أدارت الدبلوماسية المصرية الأمر بمعلمة شديدة ، ولم يخرج الموقف المصري عن دعوة جميع الأطراف لضبط النفس وحل الخلافات بالطرق السلمية .
وتجنبت مصر كل أخطاء الماضي التي لم تخرج عن الهرولة شرقا في الستينات وتغيير البوصلة غربا في السبعينات .. بوصلتنا الآن تتجه نحو مصلحتنا فقط.