إنها مصر

لكل وقت أذان !

كرم جبر
كرم جبر

لكل وقت أذان، وزمان كنا نشاهد طلبة الجامعة فى أفلام أبيض وأسود، يرتدون البدلة كاملة، حتى لو كانت فقيرة، والكرافت والشنبات والأحذية اللامعة، مصففى الشعر وحليقى الذقن.

الآن اذهب إلى أى جامعة، تى شيرت وشورت، والذقون متسخة والشعر منكوش، والجينز ممزق ومتسخ، واللغة غريبة والمفردات صادمة، وأحياناً تجد شاباً يرتدى بنطلوناً صورة طبق الأصل من بنطلونات البنات.

بنات أمس، شبه نادية لطفى وزبيدة ثروت وفاتن حمامة، هوانم، رقة وذوق وشياكة، واستايل مصرى أصيل يوحى بالروعة وعنوانه «الست دى مصرية»، والله يرحم أيام زمان حين كانت الفتاة المصرية وردة العرب، قبل ظهور اللبنانية والتونسية.

لا يمكن أن تُلبس ابنتك عباءة أمك أو جدتك، ولا يمكن أن تقنع ابنك أن الجنيه زمان كان يشترى عشر بيضات وكيلو سكر وباكو شاي، ولن يعود زمان حتى لو قلت للزمان ارجع يا زمان، فالجيل الحالى أفضل من السابق، والسابق أكثر وعياً ممن سبقه، وإلا ما تغيرت الدنيا وما تقدمت للأمام.

الجيل الحالى يمتلك «القدرة» ويفتقد «القدوة»، والشباب مولع بالبحث عن مثل أعلى، يقتنع به ويؤمن بمبادئه ويسير على دربه.. وفى بلادنا زاد الشعور بأزمة الأخلاق نتيجة افتقاد القدوة، واتساع الهوة بين الأجيال، وافتقاد حلقات التواصل بينها، والدليل على ذلك أن النجم محمد صلاح أصبح زعيم الشباب العربي، لأنهم وجدوا فيه ما يفتقدونه فى غيره.

*** 

يُحكى عن شاعر مجهول، ترك الشعر وعمل جزاراً، وعندما سألوه قال: « بالعظم صارت الكلاب تجرى خلفي، وبالشعر كنت أرجو الكلابا «.
حكاية « الشاعر الجزار» مثل «صدمة شجاعة»، وهى لرجل قرر مواجهة الحقيقة واستبدل الشعر بالعظم، وهجر السجع والنسخ والتشبيه والأوزان والقوافى، من أجل الـ»هُبر» واللحمة والكبدة والعكوة والكوارع، ليوفر غذاء المعدة وينام سعيداً وشبعان وقرير العين هو وزوجته وأولاده، بدلاً من التسول و»قلّة القيمة» والتذلل «للى يسوى واللى ما يسواش».

والأهم من كل ذلك أن الكلاب الأوفياء، صارت تحتشد أمام بيته لتحصل على العظم مقابل الحراسة وتخويف اللصوص، والكلاب  طبعها الوفاء ولا تخون، فارتاح من البشر الجاحدين الناكرين، الذين لا يعرفون الأصالة.

وهكذا الدنيا وكذلك الصحة والشهرة والجاه، والحياة يوم «حلو» ويوم «مر»، ولكن قد تكون حلاوتها أكثر من مرارتها أو العكس، والعاقل هو الذى لا يغتر بحلاوتها ولا يقنط من مرها، وإنما يسلح نفسه بالتعايش السلمى مع الأفراح والأحزان والصحة والمرض والغنى والفقر، فلا يتشبث ببريق زائف، ولا يحاول أن يأخذ من الحياة أكثر من حقه.