الأسرار الكاملة لسقوط الطبيب الإخواني المزيف داخل المستشفى الجامعي

الطبيب الإخواني المزيف
الطبيب الإخواني المزيف

كتب: محمد عوف 

منذ نعومة أظفاره وحياته غير مستقرة، فقد نشأ وسط أسرة بسيطة الحال، والده توفى وهو في سن مبكرة، ووالدته ربة منزل وله من الأشقاء ثلاثة أكبرهم مصطفى شاب هادئ الطباع ولا يحب جلب المشاكل، ويأتي هو في الترتيب الثالث، اضطرته الظروف لترك الدراسة بعد حصوله على الشهادة الابتدائية والالتحاق بالعمل في عدة أماكن حتى يستطيع الانفاق على أسرته، وعلى الرغم من كونه لم يكمل تعليمه بسبب فشله في تحصيل الدروس بشهادة مدرسيه، بقي له حلم تمنى تحقيقه ولو بارتكاب جريمة؛ وهو ممارسة مهنة الطب، بات يراوده ويود تحقيقه بأي وسيلة حتى لجأ للتزوير اخيرا مع شراء بالطو طبيب من أي محل لبيع المستلزمات الطبية، ما حكاية هذا الشاب الذي اقنع نفسه بالكذب أنه طبيب ويستطيع مناظرة المرضى وكتابة الروشتات؟ التفاصيل في السطور التالية:-

 

بينما كانت عقارب الساعة تقترب من الثالثة صباحاً، كان المدعو طاهر أ ب يقف أمام بوابة مستشفى الطوارئ الجامعي بطنطا مرتدياً البالطو الأزرق وهو الزي المعروف والرسمي الخاص بأطباء الامتياز بالمستشفى، ويحمل حقيبته وبكل ثقة يدخل من البوابة ويلقي بالسلام على أفراد الأمن متجهاً إلى قسم الاستقبال، معرفا نفسه على أنه أستاذ مساعد بكلية الطب تخصص قلب وجاء لمتابعة الحالات المرضية، كان المكان مكتظاً بالحالات الطارئة كعادته، والأطباء مشغولون معهم فوقف يتابع بعض الحالات ويتبادل أطراف الحديث مع أقاربهم للاستفسار عن ظروف كل حالة.

 

 اعتقد الدكتور المزيف أنه استطاع خداع الأطباء وطاقم التمريض المتواجدين في المكان فواصل تقمصه للدور ببراعة إلا أن طريقته وأسلوبه جعل الجميع يشكون في أمره، خاصة أن وجهه غير مألوف بالنسبة لهم، فأخذوا يتهامسون فيما بينهم ويسألون بعضهم "مين ده"؟ فبادرت إحدى الطبيبات بسؤاله "هو حضرتك مين"؟ فنظر إليها نظرة باستعلاء قائلاً لها؛ "قلت لحضرتك أنا أستاذ مساعد في كلية الطب"، فلاحقته بسؤال آخر "ممكن اشوف الكارنيه"، هنا شعر أن أمره قد انكشف، ولم يكن أمامه سوى المراوغة والمماطلة حتى يستطيع الفرار قبل ضبطه، فاستدعت له الطبيبة أفراد الأمن الإداري للتصرف معه، وقاموا باصطحابه لنقطة شرطة المستشفى، ليتولى النقيب محمد تعلب رئيس النقطة استجوابه ولم يجد أمامه سوى الصمت، ويقوم أفراد الأمن بتفتيشه ليعثروا معه على عدة كارنيهات مزورة منسوبة إلى عدة جهات طبية. 

 

أنا استاذ مساعد

 وبعدما ظل الطبيب المزيف يصرخ؛ "أنا أستاذ مساعد"، سرعام ما انكشف أمره؛ تبين أنه يدعى "طاهر.ا.ب" 33 سنة، بدون عمل، وبحوزته سماعة طبيب، وكمية حقن مختلفة الأنواع، ويتحرر المحضر رقم 17079 جنح أول طنطا، ويتم اصطحابه لقسم أول طنطا ثم إحالته للنيابة العامة للتحقيق، والتي كلفت إدارة البحث الجنائي بالغربية بسرعة عمل التحريات حول الواقعة، وأمرت بحجزه لحين ورود التحريات، وتوصلت تحريات الرائد يوسف الجندي رئيس مباحث قسم أول طنطا، إلى صحة الواقعة، فتم حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق بتهمة التزوير وانتحال صفة طبيب، نهاية منطقية لم ينتبه اليها هذا المزور فأعماه ضلاله عن أن يتراجع، ولم تنتهِ عند هذا الحد.

 

"أخبار الحوادث" انتقلت إلى قرية حصة شبشير التابعة لمركز طنطا مسقط رأس المتهم، ووسط اندهاش الأهالي من كلامنا وبعدما علت الابتسامة على وجوههم أكدوا لنا؛ أنه يمارس التمريض منذ صغره بحكم عمله في بعض العيادات والمستشفيات الخاصة، فقد كان بارعاً في إعطاء الحقن للحالات وتركيب الكانيولا بسهولة وهو ما جعله يكتسب خبرة وثقة في نفسه غير عادية، إلا أن الكثير من الأهالي أكدوا أن خبر القبض عليه لم يكن مفاجئاً خاصة أنه خلال الفترة الأخيرة بدأ يلجأ للإدمان ويقوم بجمع أموال من الأهالي بحجة صرفها على الحالات المحتاجة لكنه كان يشتري السموم التي ادمنها، فلم يكفه أنه مدمن مخدرات وإنما ايضًا انتحل صفة طبيب وهي ليست بالتهمة الهينة.

 

وكشف أحد الأهالي أن المتهم بعد وفاة والده ترك دراسته وعمل في البداية مندوب مبيعات لكنه لم يستمر ثم عمل في مجال تربية النحل، لكنه لم يستمر أيضا، ويبدو أنه قرر وهو الشاب الفاشل أن يعمل طبيبًا، بدأ ينتقل من عمل إلى عمل ومن مهنة إلى أخرى، حتى التحق في إحدى العيادات الطبية، وهنا كانت بدايته مع ممارسة الطب، كان عمره وقتها 18 عاما، وجد نفسه متأقلماً تماماً وبدأ يهتم أكثر وأكثر حتى أصبح ذات ثقة لدى الطبيب الذي يعمل في عيادته، وبدأ يمارس مهنة التمريض بلا دراسة لكن بالخبرة التي جعلته متميزاً حتى ذاع صيته وأخذ شهرة كبيرة لدى أقاربه وجيرانه في القرية في مجال التمريض وخاصة إعطاء الحقن، ويستدعيه الكثير من أهالي القرية لإعطاء الحقن للحالات الطارئة بالمجان، حتى أن الكثير منهم أطلقوا عليه لقب دكتور لبراعته في عمله، وكلما مر على جماعة من أهل القرية أثناء ذهابه وعودته يرحبون به بكلمة "اتفضل يا دكتور" وهذا ما كان يسعده دائماً، وربما صدق نفسه وقتها، محدثا نفسه، "وما المانع"! 

 

مدمن مخدرات وفاشل

وبدأ يتردد على بعض المستشفيات الخاصة للعمل بها ونظراً لكفاءته كان يدخل غرف العمليات في المستشفيات مع الأطباء لمساعدتهم داخل وخارج المحافظة، استمر على هذا الحال سنوات، يعمل في هدوء حتى بدأت حياته تتغير ويتجه ناحية الإدمان وتناول المنبهات مما جعله يفقد السيطرة على نفسه أحياناً وبدأ يستغل ثقة الأهالي فيه ويطلب منهم مبالغ مالية كلما ذهب لإعطاء حقنه لأي حالة، بدعوى توصيلها لحالات ملحة، لكنه كان يأخذ تلك الأموال لصرفها على شراء المخدرات وتعاطيها، مما جعله يفقد العمل في المستشفيات فاضطر للعمل كممرض منزلي وخاصة خلال فترة أزمة كورونا، مقابل مبالغ بسيطة لم تعينه على سد احتياجاته ووصل به الحال للاستدانة من بعض الأشخاص حتى بدأت الديون تحاصره، فأخذ يفكر في طرق أخرى للحصول على الأموال.

 

 

وكشف أحد الأهالي عن مفاجأة من العيار الثقيل حيث أن المتهم له ميول متطرفة وسبق وأعلن انضمامه للجماعة الإرهابية، وقام بتزوير مجموعة من الكارنيهات المنسوبة لعدة جهات صحية منها كارنيه منسوب لمستشفى خاص وعليه وظيفة رئيس تمريض رعاية القلب والرعاية الحرجة بمعهد الكبد، وكارنيه أخصائي تمريض منسوب لإحدى الجمعيات على الرغم من أنه لا يحمل سوى الشهادة الابتدائية، وكارنيه أخصائي تمريض منسوب لوحدة بحوث الكبد والجهاز الهضمي بمستشفى حميات المحلة الكبرى، إلا أن بطاقته الشخصية مدون بها بدون عمل، ولم يكتفِ بذلك بل قرر أن يتقمص دور الطبيب بعد أن كذب على نفسه وصدق كذبته وألهمه تفكيره بأن يرتدي البالطو ويتوجه لمستشفى الطوارئ الجامعي ويمارس مهنة الطب حتى سقط أخيراً في قبضة الشرطة.