كنوز| مواقف لا تنسى!

فاتن حمامة
فاتن حمامة

فاتن حمامة

كنت طالبة فى المدرسة الثانوية فى عام 1944، أرادت المدرسة إقامة احتفال بإحدى المناسبات، واختارت «الناظرة» إحدى الروايات التى تتفق مع هذه المناسبة، وعهدت إلى أحد مدربى التمثيل بإخراج الرواية، وأعلنت الناظرة أن على كل طالبة ترى فى نفسها الاستعداد للتمثيل أن تتقدم إلى سكرتيرة المدرسة لتقيد اسمها، وأسرعت أنا بقيد اسمى، وكان جميع زميلاتى يرشحوننى لبطولة الحفلة نظرا لعلاقتى بالفن، وجاء حضرة المدرب وهو ممثل مغمور.

واستعرض جميع الطالبات واختار من بينهن خمس طالبات لم أكن منهن، وبكيت لهذا ودهشت المدرسات من هذه النتيجة فقد كان المدرب يعلم تمام العلم أننى فاتن حمامة التى ظهرت فى فيلم «يوم سعيد» واستدعته الناظرة لتسأله عن سبب عدم اختيارى فقال: إنه بخبرته الفنية حكم بعدم صلاحيتى، واستطاعت الناظرة والمدرسات إقناعه بأن يختبرنى فى أحد الأدوار لعله يغير رأيه، ولكنه أصر على موقفه، ورأى إكراما لخاطر الناظرة والمدرسات أن يستدعينى أمامهن ويختبرنى، وذهبت إليه فسألنى: «حافظة إيه يا شاطرة ؟» 


فقلت: «حافظة أبيات كثيرة من مجنون ليلى»، فقال : «طيب قولى حاجة !» 


وكانت تبدو عليه علامات الضيق من إصرار الناظرة والمدرسات على اختبارى وكلمات التشجيع التى وجهتها إليّ، ورغم كل هذا فقد خانتنى أعصابى وأنا ألقى شعر مجنون ليلى، فألقيته بطريقة فيها تأتأة وفأفأة، وكانت الناظرة تقترب منى وتحاول أن تشجعنى بالابتسام، وعبثا حاولت أن أتحكم فى أعصابى وأن أمثل دور ليلى بغير جدوى، وهكذا انتصر المدرب! 


وعدت إلى منزلى وأنا أبكى، ورويت لوالدى القصة وأعلنت أننى لن أذهب إلى المدرسة ما لم أمثل فى هذه الحفلة، وذهب والدى فى اليوم التالى ليقابل الناظرة، وعاد بعد أن حصل على وعد بأن ألقى فى الحفلة قطعة من الشعر التمثيلى، وتركت كل شيء وتفرغت للتدرب على إلقاء مقطوعة من شعر حافظ إبراهيم وهى قصيدة «مصر تتحدث عن نفسها» التى تغنت بها أم كلثوم


وفى يوم الحفلة كان دورى فى البرنامج قبل نهاية الحفلة بنمرتين، ولما جاء دورى خرجت إلى جمهور الحفلة وقد ارتديت العلم المصرى وألقيت شعر حافظ إبراهيم فظفرت بإعجاب الحاضرين واستعادوا معى القطعة عدة مرات، وخرجت من المسرح فوجدت حضرة المدرب وقد وقف والدموع فى عينيه يصفق بحماس شديد ويعتذر لى عن رأيه السابق وهو يتنبأ لى بنجاح باهر فى التمثيل، ومرت الأيام وأصبحت ممثلة سينمائية، وحدث ذات مرة أن أسند إليّ دور فى أحد الأفلام، وكان بين شخصيات هذا الفيلم شخصية مدير فرقة مسرحية لا هم له فى الدنيا إلا تحطيم المواهب والحكم بعدم صلاحيتهم وقال المخرج: إنه يريد ممثلا قويا يستطيع تمثيل هذا الدور، وقفز إلى ذهنى اسم حضرة المدرب الهمام، وقام حضرة الهمام بهذا الدور على أكمل وجه، ولعله الدور الوحيد الذى أتقن تمثيله على الشاشة كما يتقنه فى الحياة. 


ولعل القراء لا يعلمون أننى كنت أهوى الغناء والموسيقى إبان طفولتى، وقد عنى والدى بتشجيع موهبتى فى الغناء، وأذكر أننى ذهبت مع والدتى إلى حفلة زفاف إحدى قريباتنا، وطلبت منى إحدى قريباتى أن أغنى، فبدأت أغنى بعد إلحاح من العروسين أغنية «أيها الراقدون تحت التراب» التى أحفظها لمحمد عبد الوهاب، تشاءم العريس وغضبت العروس، وصاحت أمها: «أعوذ بالله .. فال الله ولا فالك»، غضبت والدتى من هذا النقد وانسحبنا من الفرح!


«الكواكب» - 25 مايو 1954

إقرأ أيضاً|في ذكرى ميلاد فاتن حمامة.. «يوم سعيد» نقطة انطلاق سيدة الشاشة