«الرباط غير المقدس» فـــى قـــــوانيـن الأحوال الشخصية

قانون الأسرة الجديد خطوة نحو استقرار الأسرة المصرية.. بشرط استعادة «ميزان العدالة»

صورة أرشيفية - مجمع محاكم شبرا
صورة أرشيفية - مجمع محاكم شبرا

كتبت: هبة بيومى

مايا مرسى: تفعيل القانون أصبح ضرورة ملحة

انتصار السعيد: القانون بالكامل يحتاج لتعديل شامل خصوصاً نصوص النفقات

يعد «قانون الأحوال الشخصية الجديد» أحد مشروعات القوانين التى يجرى البحث عنها باستمرار دائم، خصوصًا مع الأزمات التى تواجهها أسر مصرية كثيرة فى ظل القانون الحالى. ويمكن القول إن تعديل القانون فى مسودته الجديدة هو قانون يسعى إلى تحقيق الاستقرار الأسرى والتماسك المجتمعى وعلاج كل المشاكل التى تنجم عن فض الرباط المقدس «الزواج» بكل مشتملاته وأخطرها «الأبناء»، ويعلق الكثيرون آمالا عريضة على القانون الجديد المقدَّم من الحكومة، إلى مجلس النواب، والذى يتكوَّن من 194 مادّة تشمل أحكام الزواج وانتهائه، وينقسم إلى 7 أبواب تشمل الخطبة وعقد الزواج، وآثار الزواج وأحكامه، وانتهاء عقد الزواج والطلاق، والتطليق والفسخ، والخلع، والمفقود، والنسب، والنفقة، والحضانة، وصندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية.


وفى هذا الملف إطلالة على ملف الأحوال الشخصية فى مصر، الذى يتطلع الجميع إليه لاستعادة ميزان العدالة بين جميع أطراف الأسرة المصرية، بما فى ذلك حقوق الأطفال التائهة بعد طلاق الأبوين، ولم نغفل مطالبات الرجال بحقوقهم، فتحدثنا أيضًا إلى نماذج ممن انفصلوا عن زوجاتهم وواجهتهم عقبات أبرزها ما يطالهم من خسائر مادية بخلاف مشكلة «الرؤية»، كما نلقى الضوء على المجلس الحسبى ومدى أهمية تغيير نظامه فى ظل المنظومة القانونية الجديدة، كما نتطرق أيضًا إلى ملف طلاق الأقباط الذى زاد سخونة بعد مأساة مارى مجدى.

 

«قانون الأحوال الشخصية» دائرة اجتماعية يدور فى فلكها جميع أطراف الأسرة، والذى تقتضى الضرورة فى ظل متطلبات التغيرات الحديثة وحملات التشكيك فى شرعية نصوصه أن يسير فى انسيابية بما لا تطغى مصلحة طرف على الآخر، هذه المعادلة الصعبة هى ما يحاول أن يتغلب عليها تعديل قانون الأحوال الشخصية فى مسودته الجديدة، بعد أن تم سحبه العام الماضى نتيجة عاصفة من الانتقادات وعدم التوافق المجتمعى حوله، حتى وعد الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن القانون الجديد سيكون متوازنا وشاملا لكافة الأحوال الشخصية.

 

لاقت مبادرة الرئيس السيسى، ترحيبًا من كافة المؤسسات النسائية فى مصر، وأعربت الدكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، عن فخرها بهذه التصريحات التى تؤكد مدى حرص القيادة السياسية على الخروج بقانون متوازن وعادل للأحوال الشخصية، لافتة إلى أن هذه التصريحات تعد استكمالاً وتأكيداً لتوجيهات وتكليفات الرئيس المتواصلة بشأن دراسة مشروعات ومقترحات تلك القوانين.

إقرأ أيضاً | نهاد أبو القمصان: قانون الأحوال الشخصية يجب أن يحقق أمن المجتمع

أضافت، أن الخروج بهذا القانون وتفعيله أصبح ضرورة ملحة لاسيما أن هذه القضايا تمس جميع أفراد المجتمع وخاصة المرأة والطفل، وخروج قانون عادل ومتوازن للأحوال الشخصية سيحقق استقرار الأسرة المصرية بصورة كبيرة، وسيكون بمثابة رسالة طمأنة للأجيال القادمة بفكرة مؤسسة الزواج وأنه فى حالة الخلاف سيحصل كل طرف على حقه بكل إنصاف.

 

وأشارت إلى أن المجلس القومى للمرأة بذل جهوداً كبيرة على مدار ست سنوات، وقد انتهى من إعداد مجموعة من المحددات والمتطلبات التى يحرص على تضمينها وتحقيقها فى خروج قانون للأحوال الشخصية «الأسرة» الجديد، متمثلا فى الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية والأولوية لمراعاة المصلحة الفضلى للطفل فيما يتخذ حياله من إجراءات قانونية أو إدارية وحماية الحقوق والحريات المقررة دستوريا للمرأة والحفاظ على مكتسباتها وضمان تواصل حصولها عليها، والتأكيد على كامل الأهلية القانونية للمرأة وتنظيم وتوثيق الزواج والطلاق قانوناً لحسم المشاكل والحقوق المترتبة عليه للزوجين ومعالجة الإشكاليات والجوانب الإجرائية فى قضايا الأسرة.

 

وقد رحب عدد من المؤسسات الحقوقية بوثيقة المجلس القومى للمرأة حول قانون الأحوال الشخصية، مؤكدين أن هناك ضرورة مُلحة لفتح حوار مجتمعى موسع حول ذلك القانون، كما أكدت هذه المؤسسات والشخصيات العامة - 15مؤسسة ومبادرة و36 من الشخصيات المهتمة بالدفع بقانون أحوال شخصية مدني- أن وثيقة «المحددات والمتطلبات التشريعية لتعديلات قوانين الأحوال الشخصية» تفاعل فيها المجلس مع مبادرات الحركة النسائية إذ تضمنت الوثيقة العديد من الأطروحات والتدخلات التى جاءت فى مشروعات قوانين الأحوال الشخصية وغيرها من مشروعات قوانين ذات تماس صادرة عن منظمات المجتمع المدنى.

 

وقامت مؤسسة قضايا المرأة المصرية بإرسال مشروع القانون المقترح من قبل المؤسسة للأحوال الشخصية «قانون أسرة أكثر عدالة» إلى رئاسة الجمهورية وإلى رئاسة الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيسة المجلس القومى للمرأة، وأكدت المؤسسة قيامها بإعداد القانون على مدار ما يقرب من 20 عاما ماضية، وحرصت على وضع وصياغة مقترح القانون تحت شعار «قانون أسرة أكثر عدالة»، وأقامت حوارات ومناقشات عليه فى مختلف محافظات الجمهورية للحصول على رأى وتوافق مجتمعى حوله.

 

وطالبت المؤسسة، أن يتم صياغة قانون جديد ومتكامل للأحوال الشخصية فى ضوء الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة التى صدقت عليها مصر وملاحظات لجنة «السيداو» وتوصيات الاستعراض الدورى الشامل التى وافقت عليها مصر وأن يكون قائما على أسس من التكافؤ والمساواة والعدل والإنصاف لكل أفراد الأسرة مع مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال، وأن يكون صياغة المقترح بالشراكة ما بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى التى تعمل على قوانين الأحوال الشخصية وأن يتم طرحه للحوار المجتمعى ومشاركة كافة أطياف المجتمع.

 

الدكتورة مروة شرف الدين، الخبيرة فى حركة «مساواة الدولية» للمساواة والعدالة فى الأسرة، قالت إن التغيير الآن أصبح ضروريًا وممكنًا خاصة بعد سيطرة المتشددين ذوى النظرة الذكورية فى المجتمع ما أثر على المرأة، وأعطى حقا للرجل فى القانون بأن جعل المرأة واجبة الطاعة، ولا تستطيع أن تخرج للعمل أو تسافر أو توقع بعض العقود أو تحصل على قرض من البنك دون إذن زوجها أو الولى الذكر.

 

الدكتورة هدى بدران، رئيس اتحاد نساء مصر، لفتت إلى أن أهم المحددات التى يجب أن تنطوى عليها مبادئ القانون هى المصلحة الفضلى للطفل، لأنه عندما يقع الطلاق الذى يضيع فى المنتصف هو الطفل، الذى يستخدم أحيانا بين الطرفين، خصوصًا أن المرأة تستطيع إلى حد ما أن تتحمل وتدافع عن نفسها، إنما الطفل لا يمكن أن يتم المساس بطبيعته لأن أى أضرار تحدث للطفل فى سن صغيرة من الصعب أنه يتخطاها، وتؤثر عليه تأثيرا كبيرًا.

 

أضافت، أن هذه المحددات يجب أن تراجع فلا يصح مثلا أن يُسمح بالحبس إذا تقاعس الرجل عن دفع مستحقات النفقة، فلا يمكن أبدًا أن أسمح بحبس والد ابنى أو ابنتى لأننى عندما أحبس الأب فهناك ما يسمى الرؤية التى سيحرم منها الابن، والذى لن يستطيع تفسير الأسباب، ولكن ما سيترسخ فى ذهنه أن والدته تسببت فى سجن والده، مما سيحدث اضطرابات فى شخصيته، وهذه المحددات والمبادئ تنعكس على القانون بأكمله، مشيرة إلى طرح القانون الجديد لحوار مجتمعى واسع كما ذكر الرئيس السيسى بحيث لا يكون القانون غير منصف للمرأة وأيضًا غير مُنصف للرجل.

 

الدكتورة نيفين عبيد، رئيس مؤسسة المرأة الجديدة، ترى أن قانون الأحوال الشخصية يؤرق كافة المواطنين الذين يحتاجون لتيسير إجراءات التقاضى، ومن ثم توفير ضمانات الوصول للعدالة الإجرائية فى جميع مراحل التقاضى للنساء حتى لو كن غير حاضنات، مثل تيسير إجراءات الحصول على النفقة، والطلاق للضرر، والحماية من العنف الأسرى، إلى آخر كل تلك القضايا التى تستغرق سنوات للحصول على أحكام نافذة عليها.

 

أضافت، أن مصر شهدت عبر قرن كامل تذبذب الحقوق صعودا وهبوطا بداية من سن الزواج وحق تزويج النفس والرؤية والميراث والحضانة والتعدد والولاية التعليمية والمالية، وبات مطلوبًا أن يتجاوز القانون إلى التغيير الجذرى من خلال وضع قانون يقوم على منطق المواطنة الكاملة، ويحقق العدل والمساواة فى الحقوق أثناء وخلال وبعد انتهاء العلاقة الزوجية بما فى ذلك المسئولية المشتركة عن الأبناء، فخلال السنوات الأخيرة توالت علينا مشروعات قوانين بديلة لقانون الأحوال الشخصية، إلا أن القانون «العجوز» القديم مازال يثبت ترسخه ومقاومته للتغيير، فمعظم مشروعات القوانين إما طرحت تعديلات جزئية، أو تغيرات شاملة متضمنة إلغاء القانون 25/1929 وتعديلاته المتعددة ولكنها لم تخرج عن فلسفة القانون الذى يتعامل مع النساء باعتبارهن مواطنات ناقصات الأهلية القانونية.

 

المحامية انتصار السعيد، رئيس مجلس أمناء القاهرة للتنمية والقانون، قالت: إن القانون برمته يحتاج إلى تعديل شامل وخصوصًا نصوص النفقات بكل أنواعها بأن يتناول القانون بنود تقسيم الثروة المشتركة الناشئة عن عقد الزواج بشكل أساسى.

 

وكذلك النص الخاص بتقنين التعدد وألا يكون فى المطلق ولكن لابد من إشهار الزواج الثانى بالمحكمة، وتقديم ما يفيد العدل بين الزوجتين، وإلغاء نصوص النشوز وإنذار الطاعة لأنه نص مهين يتنافى مع متطلبات القرن الحالى، وضبط منظومة الزواج والطلاق بأن يكون كلاهما أمام قاضٍ، ونقل الولاية التعليمية للأم مباشرة دون تقديم طلب لمحكمة الأسرة.