لماذا ينعقد الزواج على مذهب أبو حنيفة؟.. علي جمعة يوضح

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من المسائل التي أثار حولها بعض المتشددين الجدل وذلك في محاولة للطعن في الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان قول المأذون المعتمد من قبل الدولة عند عقد الزواج‏:‏ على مذهب أبي حنيفة النعمان حيث قالوا‏:‏ ألم يكن هناك زواج قبل أبي حنيفة؟ وهل أصبح أبو حنيفة النعمان أعلى مرتبة من الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبح يلقب بالإمام الأعظم دون غيره؟ وأصبحوا يرفضون ذكر هذه الجملة عند عقد الزواج‏.


وتابع علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: هذه الشبهة التي يروجها المتعصبون وغير المتخصصين في الفتوى -فضلا عن الفقه- مردود عليها بأن القانون المصري للأحوال الشخصية يستند كما قلنا إلى المذهب الحنفي ؛ فعندما يأتي المأذون ويقيم العقد وتقول المرأة لمن تريد الزواج منه زوجتك نفسي ، ويقول الرجل قبلت على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان إنما يفعلون هذا ويلتزمون به تحسبا لأي خلاف يقع بين الرجل والمرأة‏,‏ إذ إنهما سوف يترافعان إلى القاضي يحكم بالقانون المأخوذ من المذاهب الإسلامية وعلى رأسها مذهب أبي حنيفة‏,‏ بل سيرجع في بعض المسائل التي لم ينص عليها القانون إلى فقه أبي حنيفة واجتهادات السادة الأحناف فيها للحكم بالراجح منها في كل مسألة‏,‏ هذا هو معنى قول القائل‏:‏ زوجتك نفسي على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان هذا هو الشائع عند إتمام عقود الزواج‏,‏ ولكن لنفرض أن شخصا لم يلتزم بهذه الجملة عند عقد النكاح فهل يبطل ذلك العقد أو يكون قد أصابه ما يشين؟ نقول‏:‏ لا بطلان ولا ضرر في ذلك وليقل كما يلتزم البعض‏: زوجتك نفسي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة لم يخرج عن الكتاب والسنة‏,‏ بل هو كغيره من الأئمة المجتهدين أشد الناس تمسكا بهما‏: “وكلهم من رسول الله ملتمس* غرفا من البحر أو رشفا من الديم”.

وأضاف علي جمعة : هناك علة أخرى لهذه المقولة يذكرها العلماء على سبيل الطرفة والملحة وهي أن مذهب أبي حنيفة النعمان في الزواج لا يشترط عدالة الشهود وفي هذا يقول الإمام الكاساني الحنفي‏:‏ وأما عدالة الشاهد فليست بشرط لانعقاد النكاح عندنا فينعقد بحضور الفاسقين ‏(بدائع الصنائع)‏ وشرح ذلك السرخسي فقال‏:‏ الأصل عندنا أن كل من يصلح أن يكون قابلا للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته‏,‏ وكل من يصلح أن يكون وليا في نكاح يصلح أن يكون شاهدا في ذلك النكاح وعلى هذا الأصل قلنا‏:‏ ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين ‏(المبسوط).‏

واستطرد علي جمعة : أما عدالة الشهود عند المذاهب الأخرى فشرط في صحة عقد النكاح فعند الشافعي شرط ولا ينعقد إلا بحضور من ظاهره العدالة واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ‏(السنن الكبرى للبيهقي).

وبين علي جمعة أن هناك غرض الآخذين بمذهب أبي حنيفة هو الخروج من هذه المشكلة ورفع العنت والحرج عن الناس في أمر لا غنى لهم عنه وهو الزواج‏,‏ واضعين في الاعتبار أن الأصل في المسلم العدالة دون التفتيش في أفعال المسلمين ونياتهم‏,‏ خاصة في عصرنا الحاضر الذي كثر فيه أعداد المسلمين وتناءت الديار بينهم ولم يعودوا أسرا وقبائل كما كان الحال في العصور السابقة‏.

وشدد على أن هذه إحدى العبارات التي تجري على الألسنة ولا يعرف كثير من الناس أصلها أو الحكمة منها وبالرغم من أن لها أصلا في الشرع والقانون فإن المتشددين ومدعي العلم كعادتهم يحاولون إثارة الفتن والتنازع والفرقة حولها وتغليب آرائهم ومعتقداتهم فيها ناسين ما تمثله تلك العبارة وغيرها من عمق تاريخي في النفس المصرية.‏

اقرأ أيضا:علي جمعة: مشروع «العسقلاني» التجديدي اعتمد على التوثيق حتى صار أميرا