المخرج عبد الرحمن محمود: فيلم«باب الدنيا»..رد دين للراحل "محمد رمضان"

المخرج الراحل محمد رمضان
المخرج الراحل محمد رمضان

محمد القليوبي

باب الدنيا” كان عنواناً لحادث شهير في عام 2014، راح ضحيته مجموعة من الشباب في جبال سانت كاترين بسبب عاصفة ثلجية ضربت تلك الأنحاء، ومن ضمن تلك المجموعة كان المخرج الشاب محمد رمضان الذي وجد جثمانه هناك، وبعد 5 سنوات يقرر مهندس الصوت عبد الرحمن محمود السفر لتلك الدروب حتى يوثق في فيلم مدته 64 دقيقة حكاية تلك الرحلة، ويتحول لمخرج وكاتب سيناريو ومونتير في مرثية لصديقه الذي رحل باكراً، وتم تصوير الفيلم في 8 أيام ليخرج بالأبيض والأسود، ويسير في نفس مسير مجموعة محمد رمضان.. وفي هذا الحوار نتحدث مع عبد الرحمن عن فيلمه وحكايات “باب الدنيا”.

 

في البداية سألته عن قصة رحلته لـ”باب الدنيا”، والخروج بفيلم وثائقي حول الحادث الشهير هناك، فتحدث قائلاً: “لم يكن في بالي أن أقوم بإخراج فيلم وثائقي، لكن أن تتفاجأ بأمر يحدث لك يدفعك لهذا الأمر حينها لم أستطع الرفض، فكان الأمر من قبيل الصدفة بلا تخطيط، والأمر حدث عندما قررت قضاء عطلتي بعد انقضاء الموسم، وحينها قابلت صديق لي قال لي أنه سيذهب إلى سانت كاترين، وذهبت معه لهذاالغرض رغم أنني لم أسعى لأن أذهب هناك طوال المدة الماضية، وعندما سافرت كان الجميع هناك يتحدث عن محمد رمضان سواء من البدو أو الأدلة الذين يعملون هناك، ولم يعرفوا أن رمضان كان صديق لي، وحينها قمت برحلة لسانت كاترين، من زيارة للدير وجبل موسى، وبعدها أتجهت في رحلة لمدة 3 أيام لوادي جبال، وقابلت بطل الفيلم، وهو دليل من البدو اسمه أحمد، وبدأ يحكي عن محمد رمضان والحادثة، وأنه كان من الناس الذين كانوا يبحثون عن الشباب أثناء العاصفة، وهو الحادث الذي كان صدمة لي، خاصة أنه شهد وفاة صديقي محمد رمضان”.

 

 هل هناك تفاصيل يكشفها الفيلم لأول مرة عن الحادث؟

بطل الفيلم أحمد، يحكي الكثير من التفاصيل التي لا يعرفها أحد، والتي مر عليها 5 سنوات، وأنا وقت سرده للقصة قمت بإستخدام تليفوني الخاص وبدأت تصوير كل ما يقوله عن الحادث، حينها لم أفكر في صناعة الفيلم، لكن كنت متأثراً بالطبيعة من حولي، وبعد انقضاء اليوم الأول بقينا في منزل في قلب الجبل مملوك لسيدة مسنة اسمها “أم سعد”، وقضينا اليوم هناك، وفي الليل بدأت الحديث عن محمد رمضان، وعن المجموعة المفقودة منذ سنوات، وقمت بتوثيق هذه الشهادة على تليفوني من جديد، وفي اليوم الثاني قالت لي “أم سعد” أنني سأعود من جديد إلى هذا المكان، وبعد نهاية الرحلة عدت للقاهرة، وتحدثت مع المنتجة هالة القوصي، وقلت لها أنني أملك فيلما تسجيلياً بين يدي، وأريد إنتاجه، عندها بدأت كتابة السيناريو، وتعلمت المونتاج من أجل صناعة هذا العمل، وخرجت النسخة الأولى للفيلم بعد 3 شهور، وكانت مدتها 23 دقيقة، لكن شعرت أن هناك شيء ناقص لازال يحتاجه الفيلم، حينها قررت العودة من جديد، لكن هذه المرة سافرت مباشرة إلى “باب الدنيا”، وقمت برحلة بنفس خط سير المجموعة المفقودة، وقمت بمراجعة كل ما كتب عن الحادث في عام 2014.

 

 هل حاولت التواصل مع الناجين؟

حاولت بالتأكيد، وحكيت لهم عن فكرة الفيلم، لكني شعرت أنني إذا قمت بالضغط عليهم للمشاركة بالعمل سأؤذي مشاعرهم، خاصة أنني علمت أن الناجين خاضوا رحلة علاج نفسي طويلة، ومن الممكن أن تحدث انتكاسة في أي لحظة من اللحظات لهم، وحينها قررت العدول عن الإستعانة بهم، لكنهم تحدثوا معي، وتمنوا لي أن أنتج فيلما يليق بما حدث.

 

 كيف اكتملت رحلة تصوير الفيلم؟

حينما عدت لسانت كاترين بعد 6 أشهر من رحلتي الأولى، قررت أن أخذ خط سير “باب الدنيا”، وقابلت الدليل أحمد من جديد، وكان أول شخص ألتقيه، وبدأنا الإستعداد للصعود إلى جبل “باب الدنيا”، وقلت له أننا سنأخذ الرحلة كما قام بها محمد رمضان، واستغرقت الرحلة 5 أيام، وكانت المفاجأة - والتي غيرت خط سير العمل بالكامل - حينما علمت قصة أحد المغامرين يدعى “محمود الجمل”، وكان صديقاً لرمضان، والمعروف في منطقة “كاترين”، بـ”ملك الدروب”، وفي رحلة من رحلاته لـ”باب الدنيا” عام 2018، أصيب بصاعقة أردته قتيلاً في الحال، وأصبح موقع وفاته محل زيارة، وعلمت أن في هذه الرحلة كان محمود يحاول توثيق رحلة “باب الدنيا” أيضا، وبعد إكتشاف قصة محمود، وجدت أنه من الأنانية أن أنسب الفيلم لي، لأنه سبقني في هذا الطريق.

 

 هل توصلت للمادة التي صورها محمود؟

لا، لأن الكاميرا التي كان يصور بهادمرت في الحادث. بإعتبارك مهندس صوت في الأساس.. كيف وظفت الصوت في الفيلم؟

الفيلم ليس به تعليق صوتي، لأن العمل “رد دين لمحمد رمضان”، وواجب على جيلي السينمائي، ومحاولة لإحياء ذكرى رحلته في فيلم.

 لماذا صورت الفيلم بالأبيض والأسود؟

 لأنني بعد أن زرت كل تلك المناطق في سانت كاترين، وجدت أنني لا أحتاج للألوان، وكنت أحاول أن أقدم مرثية لصديقي، من هنا كان قرار أن يكون الفيلم بالأبيض والأسود، وأن يتوه أحمد الدليل في الصورة، والألوان تعطي الحقيقة الكاملة، لكن القصة لازالت غير مكتملة.   

 على ماذا اعتمدت في بناء قصصك؟

على القصة الرسمية التي أذيعت في وكالات الأنباء، وحكايات من حاولوا إنقاذ رمضان، مثلا “أم السعد” قالت أن المجموعة بقيت ليلة في منزلها، ووقت هبوب العاصفة كانت في إنتظارهم، وهناك بطولة لبدو سيناء لم يتحدث أحد عنها خلال الحادث، فكان هناك أكثر من 100 دليل بدوي ذهبوا وسط العاصفة للبحث عن مجموعة رمضان.

 

 الحادث أثار الكثير من التساؤلات.. ما الإجابات التي قابلتها خلال تلك الرحلة؟

هناك دائما محاولات لتحميل ذنب ما حدث على شخص ما، فهناك جانب يلقي باللوم على رمضان، وهناك جانب للاتهام لأجهزة الدولة بسبب التأخر في إنقاذهم، لكن هذا لم يشغل بالي، وكان لدي سؤال واحد، وهو “منذ متى يحدث في مصر عاصفة ثلجية حرارتها 13 درجة مئوية تحت الصفر؟”، فتلك عاصفة لم تحدث  في مصر منذ 150 سنة، وبالتالي الدولة ليست مجهزة لهذا الحدث الغير متوقع، وبالتالي المسئولية لا تقع على أحد، لأن المتهم الأساسي بالنسبة لي، هو جبل “باب الدنيا” نفسه.

 

 ما آخر ذكرى لك مع محمد رمضان؟

قبل أن يذهب رمضان في تلك الرحلة، أذكر أنه قابلني وعرض علي الذهاب معه، لكن بسبب انشغالي رفضت، ووجدت أنه كان يجب أن أكون معه عسى أن أقدم المساعدة، لكن القدر لعب دوره لأخرج بهذا الفيلم الذي يوثق لتلك الرحلة.

 

 ما الذي يريد الفيلم أن يقوله؟

أريد أن أقول أننا صغار جداً مقارنة بالقدر وبالطبيعة، وحتى أمام همومنا وأحزاننا، وفي جبل “باب الدنيا” تشعر بتلك المشاعر المتضاربة، وهذا أثر علي في تعاملاتي الشخصية بحياتي بعد الانتهاء من العمل.