محطات في حياة اللواء خليل الديب.. صاحب البصمة الغائرة.. والنظرة الثاقبة

اللواء خليل الديب
اللواء خليل الديب

شوقى‭ ‬حامد

‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مدربا‭ ‬مشهورا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لاعبا‭ ‬مغمورا‭.. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬بصمات‭ ‬غائرة‭ ‬ونظرات‭ ‬قادرة‭ ‬وقرارات‭ ‬حاسمة‭.. ‬وتصرفات‭ ‬حكيمة‭.. ‬وتدخلات‭ ‬رشيدة‭.. ‬وخبرات‭ ‬ودرايات‭ ‬عديدة‭.. ‬الاستقامة‭ ‬والنزاهة‭ ‬والعدالة‭ ‬والكفاءة‭ ‬من‭ ‬سجاياه‭.. ‬والقوة‭ ‬والاحترام‭ ‬والحكمة‭ ‬والحصافة‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬والخبرات‭ ‬المتراكمة‭ ‬والدرايات‭ ‬المتنوعة‭ ‬والقدرات‭ ‬الفائقة‭ ‬من‭ ‬مميزاته‭.. ‬ولطالما‭ ‬عايشته‭ ‬ورافقته‭ ‬ودنوت‭ ‬منه‭ ‬وتعاملت‭ ‬معه‭ ‬واقتفيت‭ ‬آثاره‭ ‬واقتديت‭ ‬به‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنه‭ ‬لأيام‭ ‬قليلة،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬أذهب‭ ‬إليه‭ ‬وأئتنس‭ ‬بحنانه‭ ‬وألجأ‭ ‬إلى‭ ‬حضنه‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬عريقة‭ ‬يرجع‭ ‬سلسالها‭ ‬إلى‭ ‬الإمام‭ ‬على‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬وعندما‭ ‬نزحت‭ ‬لمصر‭ ‬استقرت‭ ‬ببلبيس‭ ‬شرقية‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬الشرفاء‭ ‬النزهاء‭ ‬الذين‭ ‬أمضوا‭ ‬حقبا‭ ‬زمنية‭ ‬عديدة‭ ‬فى‭ ‬الخدمة‭ ‬الميدانية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استقر‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬سكرتير‭ ‬الاتحاد‭ ‬الرياضى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭.

 

‬وتعامل‭ ‬مع‭ ‬قيادات‭ ‬ورجالات‭ ‬من‭ ‬ذوى‭ ‬الرفعة‭ ‬والمكانة‭ ‬وفرضته‭ ‬خصاله‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬ونال‭ ‬منهم‭ ‬قسطا‭ ‬وافرا‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والثقة‭.. ‬أسند‭ ‬إليه‭ ‬المشير‭ ‬عبدالحكيم‭ ‬عامر‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬مهمة‭ ‬إعادة‭ ‬الانضباط‭ ‬لفريق‭ ‬النادى‭ ‬الأهلى‭ ‬وكان‭ ‬يضم‭ ‬بعض‭ ‬النجوم‭ ‬المشاهير‭ ‬أمثال‭ ‬صالح‭ ‬سليم‭ ‬والفناجيلى‭ ‬وأبو‭ ‬النور‭ ‬والشربينى‭ ‬وطه‭ ‬إسماعيل،‭ ‬فأشرف‭ ‬على‭ ‬معسكرهم‭ ‬بالاتحاد‭ ‬وعاملهم‭ ‬كجنود‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وكأب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استعاد‭ ‬الفريق‭ ‬هيبته‭ ‬التى‭ ‬افتقدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النتائج‭ ‬والعروض.

 

‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬قادته‭ ‬لإسناد‭ ‬الإشراف‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬المنتخبين‭ ‬الوطنى‭ ‬والعسكري،‭ ‬ثم‭ ‬تولى‭ ‬منصب‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الاتحاد‭ ‬بالجبلاية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاما‭ ‬متصلا‭ ‬ومر‭ ‬عليه‭ ‬العديد‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬أمثال‭ ‬النائب‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬والفريق‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬مصطفى‭ ‬والكابتن‭ ‬عبده‭ ‬صالح‭ ‬الوحش‭ ‬والمهندس‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬حلمى‭ ‬واللواء‭ ‬الدهشورى‭ ‬حرب‭ ‬والكابتن‭ ‬سمير‭ ‬زاهر،‭ ‬ونال‭ ‬الثقة‭ ‬الكاملة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬بل‭ ‬لعل‭ ‬اللواء‭ ‬الدهشورى‭ ‬استصدر‭ ‬قرارا‭ ‬باستمرار‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬فى‭ ‬موقعه‭ ‬حتى‭ ‬لحظاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬حبه‭ ‬الشديد‭ ‬له‭ ‬واحترامه‭ ‬وتقديره‭ ‬لخصالة‭.. ‬وفى‭ ‬آخر‭ ‬أيامه‭ ‬نال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأوسمة‭ ‬والأنواط‭ ‬وتم‭ ‬تكريمه‭ ‬من‭ ‬جوزيف‭ ‬بلاتر‭ ‬رئيس‭ ‬الفيفا‭ ‬تقديرا‭ ‬لمشواره‭ ‬التاريخى‭ ‬الحافل‭ ‬وتم‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬قاعة‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الرئيسية‭ ‬بالجبلاية‭.

 

 ‬ولعلى‭ ‬أعترف‭ ‬بأن‭ ‬الوالد‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأسباب‭ ‬التى‭ ‬جعلتنى‭ ‬أزهد‭ ‬فى‭ ‬الاستمرار‭ ‬بالخدمة‭ ‬وأتجه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬بالنقد‭ ‬الرياضي‭.. ‬اقتربت‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رجالاته‭ ‬المخلصين‭ ‬أمثال‭ ‬اللواء‭ ‬زامر‭ ‬عزت‭ ‬واللواء‭ ‬طبيب‭ ‬خطاب‭ ‬عمر‭ ‬خطاب‭.. ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬مديرا‭ ‬للمنتخب‭ ‬والثانى‭ ‬طبيبه‭.. ‬وكنت‭ ‬أحد‭ ‬الضباط‭ ‬الزملاء‭ ‬للواء‭ ‬زامر‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬بإدارة‭ ‬الأندية‭ ‬العسكرية.

 

‬وأشهد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مثالا‭ ‬للأخلاقيات‭ ‬العالية‭ ‬والقدرات‭ ‬المتعددة‭.. ‬ولطالما‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬للجبلاية‭ ‬لمجرد‭ ‬مشاهدة‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬مقاصدى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬أو‭ ‬بيانات‭.. ‬ولم‭ ‬يمنحنى‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬شرف‭ ‬تقبيل‭ ‬يديه‭ ‬الطاهرتين‭ ‬وكنا‭ ‬دائما‭ ‬نختلف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فهو‭ ‬يحرص‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬يده‭ ‬بعد‭ ‬مصافحتي‭.. ‬وكان‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬خزانة‭ ‬من‭ ‬الأسرار‭ ‬ودولابا‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬وكنت‭ ‬أستمتع‭ ‬بالإنصات‭ ‬له، وكم‭ ‬أشركنى‭ ‬فى‭ ‬لقاءات‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬بالصدفة‭ ‬مع‭ ‬رجالات‭ ‬عملوا‭ ‬بمواقع‭ ‬رياضية‭ ‬مختلفة‭ ‬أمثال‭ ‬عصام‭ ‬بهيج‭ ‬جناح‭ ‬الزمالك‭ ‬ومصر‭ ‬الدولى‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السابقين‭ ‬وكذلك‭ ‬المهندس‭ ‬سيد‭ ‬متولى‭ ‬الرئيس‭ ‬التاريخى‭ ‬للمصري.

 

‬أما‭ ‬أكثر‭ ‬اللقاءات‭ ‬الثلاثية‭ ‬التى‭ ‬كنت‭ ‬أسعى‭ ‬لحضورها‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬سيادة‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬والكابتن‭ ‬عبده‭ ‬صالح‭ ‬الوحش‭ ‬والمهندس‭ ‬مصطفى‭ ‬فهمي‭.. ‬كانت‭ ‬الحوارات‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬كرتنا‭ ‬المحلية‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بمثيلتها‭ ‬الأفريقية‭ ‬والعالمية‭ ‬وأشهد‭ ‬أن‭ ‬ثلاثتهم‭ ‬ممن‭ ‬لديهم‭ ‬خبرات‭ ‬وتجارب‭ ‬تجعلنى‭ ‬أنصت‭ ‬وأستوعب‭ ‬النصائح‭ ‬التي‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تدوم‭ ‬الجلسات‭ ‬وتتواصل‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭.. ‬كان‭ ‬اللواء‭ ‬الديب‭ ‬لديه‭ ‬بعض‭ ‬الخلصاء‭ ‬من‭ ‬رجالاته‭ ‬الذين‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬منحهم‭ ‬ثقته‭ ‬وتحلقهم‭ ‬حوله‭ ‬أمثال‭ ‬فوزى‭ ‬غانم‭ ‬وسيد‭ ‬بخيت‭ ‬واستبقاهم‭ ‬رؤساء‭ ‬الاتحاد‭ ‬عقب‭ ‬وفاته‭ ‬وقد‭ ‬عاش‭ ‬أخريات‭ ‬أيامه‭ ‬مترملا‭ ‬متبتلا‭ ‬فى‭ ‬محراب‭ ‬عائلته‭ ‬وكانت‭ ‬ترافقه‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬ابنته‭ ‬ويقوم‭ ‬برعايته‭ ‬نجله‭ ‬وهو‭ ‬دكتور‭ ‬بجامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭.‬