شوقى حامد
لم يكن مدربا مشهورا أو حتى لاعبا مغمورا.. ومع ذلك كانت له بصمات غائرة ونظرات قادرة وقرارات حاسمة.. وتصرفات حكيمة.. وتدخلات رشيدة.. وخبرات ودرايات عديدة.. الاستقامة والنزاهة والعدالة والكفاءة من سجاياه.. والقوة والاحترام والحكمة والحصافة من صفاته والخبرات المتراكمة والدرايات المتنوعة والقدرات الفائقة من مميزاته.. ولطالما عايشته ورافقته ودنوت منه وتعاملت معه واقتفيت آثاره واقتديت به ولم أكن أقدر على الابتعاد عنه لأيام قليلة، وسرعان ما أذهب إليه وأئتنس بحنانه وألجأ إلى حضنه فقد كان من عائلة عريقة يرجع سلسالها إلى الإمام على زين العابدين وعندما نزحت لمصر استقرت ببلبيس شرقية وهو من الضباط الشرفاء النزهاء الذين أمضوا حقبا زمنية عديدة فى الخدمة الميدانية إلى أن استقر فى مركز سكرتير الاتحاد الرياضى للقوات المسلحة.
وتعامل مع قيادات ورجالات من ذوى الرفعة والمكانة وفرضته خصاله على بعض هؤلاء ونال منهم قسطا وافرا من الاحترام والثقة.. أسند إليه المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة مهمة إعادة الانضباط لفريق النادى الأهلى وكان يضم بعض النجوم المشاهير أمثال صالح سليم والفناجيلى وأبو النور والشربينى وطه إسماعيل، فأشرف على معسكرهم بالاتحاد وعاملهم كجنود بالقوات المسلحة، وكأب إلى أن استعاد الفريق هيبته التى افتقدها من خلال النتائج والعروض.
كانت تلك الواقعة هى التى قادته لإسناد الإشراف العام على المنتخبين الوطنى والعسكري، ثم تولى منصب مدير عام الاتحاد بالجبلاية لأكثر من أربعين عاما متصلا ومر عليه العديد والعديد من القيادات أمثال النائب محمد أحمد والفريق عبدالعزيز مصطفى والكابتن عبده صالح الوحش والمهندس محمد حسن حلمى واللواء الدهشورى حرب والكابتن سمير زاهر، ونال الثقة الكاملة من كل هؤلاء بل لعل اللواء الدهشورى استصدر قرارا باستمرار اللواء الديب فى موقعه حتى لحظاته الأخيرة من فرط حبه الشديد له واحترامه وتقديره لخصالة.. وفى آخر أيامه نال العديد من الأوسمة والأنواط وتم تكريمه من جوزيف بلاتر رئيس الفيفا تقديرا لمشواره التاريخى الحافل وتم إطلاق اسمه على قاعة المؤتمرات الرئيسية بالجبلاية.
ولعلى أعترف بأن الوالد اللواء الديب كان من بين الأسباب التى جعلتنى أزهد فى الاستمرار بالخدمة وأتجه إلى العمل بالنقد الرياضي.. اقتربت منه عن طريق رجالاته المخلصين أمثال اللواء زامر عزت واللواء طبيب خطاب عمر خطاب.. كان الأول مديرا للمنتخب والثانى طبيبه.. وكنت أحد الضباط الزملاء للواء زامر يوم أن كان يعمل بإدارة الأندية العسكرية.
وأشهد أنه كان مثالا للأخلاقيات العالية والقدرات المتعددة.. ولطالما حرصت على الذهاب للجبلاية لمجرد مشاهدة اللواء الديب دون أن يكون من مقاصدى الحصول على معلومات أو بيانات.. ولم يمنحنى ولو مرة واحدة شرف تقبيل يديه الطاهرتين وكنا دائما نختلف على هذا فهو يحرص دائما على جذب يده بعد مصافحتي.. وكان اللواء الديب خزانة من الأسرار ودولابا من الأفكار وكنت أستمتع بالإنصات له، وكم أشركنى فى لقاءات كانت تتم بالصدفة مع رجالات عملوا بمواقع رياضية مختلفة أمثال عصام بهيج جناح الزمالك ومصر الدولى وكان من رجالات القوات المسلحة السابقين وكذلك المهندس سيد متولى الرئيس التاريخى للمصري.
أما أكثر اللقاءات الثلاثية التى كنت أسعى لحضورها فقد كانت تضم سيادة اللواء الديب والكابتن عبده صالح الوحش والمهندس مصطفى فهمي.. كانت الحوارات تدور حول كرتنا المحلية ومقارنتها بمثيلتها الأفريقية والعالمية وأشهد أن ثلاثتهم ممن لديهم خبرات وتجارب تجعلنى أنصت وأستوعب النصائح التي أتمنى أن تدوم الجلسات وتتواصل للمزيد من المعرفة.. كان اللواء الديب لديه بعض الخلصاء من رجالاته الذين حرص على منحهم ثقته وتحلقهم حوله أمثال فوزى غانم وسيد بخيت واستبقاهم رؤساء الاتحاد عقب وفاته وقد عاش أخريات أيامه مترملا متبتلا فى محراب عائلته وكانت ترافقه فى هذه الأيام ابنته ويقوم برعايته نجله وهو دكتور بجامعة عين شمس.