مذكرات الحزن

مذكرات الحزن
مذكرات الحزن

بقلم : إنجى الطوخى

ما هو الحزن؟
 هل هو بندول الساعة الذى يتحرك فى مكانه يميناً ويساراً فى حركات روتينية إلى الأبد؟
أم الجلوس لمراقبة بندول الساعة بلا توقف؟
هل هو الغرز الصغيرة التى تكاثرت بالملايين حتى شكلت رداء من الصوف الرمادى.
أم صناعة تلك الغرز الصغيرة فى غرفة ذات لون واحد بينما تنظر الأصابع التى تصنع الغرز إلى اللاشىء.


ما هو الحزن؟
هو ليس ثلاثة حروف، هو ليس الحاء والزاى والنون
قد أجد إجابة فى تلك المذكرات التى تزينها الورود الخضراء والأرجوانية 
تلك المذكرات هى قصة الحزن ومنبته
أخفيتها فى صندوق كارتونى تحت السرير 
ثم لففته ألف مرة بلاصق كتعويذة للتخلص منه..


ولكن كانت هناك رائحة تتصاعد من أسفل السرير
لا أستطيع النوم منها أبدا
.. وإن نمت فالأحلام تأتى حزينة وأحيانا مفزعة
فأستيقظ ثم أستيقظ ثم أستيقظ 
فى البداية لم أدرك ما هى تلك الرائحة..
كانت رائحة تشبه غرفة جدتى وأحيانا بخور أبى وأحيانا أخرى مثل هواء شرفتى البارد
كان كل يوم له رائحة مختلفة
ولكن كل تلك الروائح لها ملمس واحد هو الحزن..

 ما هو الحزن؟
فى تلك المذكرات كان السطر الأول مكتوبا باللون الأحمر..
أهدانى أبى ومعه أمى قلادة معدنية فى السابعة، لم تكن قلادة عادية بل مليئة بالحزن
على صدرى ظلت لسنوات طوال..
10 سنوات..15 عاما..20 عاما..
كانت للقلادة جذور صغيرة منمنمة غرست بهدوء فى قلبى..
سحبت كل لون للفرح خلقه الله فى الحياة..
وعندما صرت أرض جرداء.. بدأت تنمو سيقان الحزن..
ثم أغصان.. ثم أوراق.
كبرت ولم أدرك أن شجرة الحزن تكبر أيضا فى قلبى 


سألت أبى فى أحد الأيام: لم فعلت ذلك فىَّ؟
أجاب وعيناه شاردتان بينما تتطاير شعيراته البيضاء مع الريح.. نسيت
فقط نسى أن يخبرنى أن اخلع القلادة!

كيف هو الحزن؟
هو الزحام الذى لا نسمع فيه صوتنا.

هو طبقة التراب التى تغطى السجاد فى بيت بلا أحد
هو الغيوم التى حجبت القمر فلم يعد يضىء 
هو زهرة ذبلت فى يد محب..
هو بيت بلا شرفة...أو أم
هو يد نعانقها قبل السفر
هو تلك العصافير المحبوسة فى قفص صغير بالشرفة
هو طعام بارد يتناوله طفل صغير وحيدا
هو روح أحببناها غادرت بلا رجعة
هو كاتب يصف الحزن وتهرب منه الكلمات

لماذا خلق الله الحزن؟
كأنه بحر هائج فى ليلة شتوية مظلمة..
كأنه إناء ضخم به أسماك صغيرة تائهة 
كأنه سيل العرم الذى لم يبقِ عشبة واحدة
كأنه..وكأنه.. وكأنه..
أوصاف أخطها بحبر دموى فى تلك المذكرات.
التى تقطن تحت سريرى كضيف ثقيل يرفض المغادرة..


أسأل الله لماذا خلقت الحزن؟
أسحب السؤال خوفا.. قلقا..
فمن أنا لأسأل.. لماذا خلق الله الحزن؟...

متى أدرك أحد أن هناك ما يسمى الحزن؟
بل من أطلق على الحزن كلمة حزن؟
لا تتوقف الأسئلة ...
كأنه نحل يطن فى غابة أمازون لا تصلها شمس أبدا..
أسئلتى هى أيضا تبدو بدائية.. مثل تلك الغابات
أحيانا تبدو عنجهية..
أحيانا تكون سوراً.. ظاهره حروف
وباطنه أزيز أسمعه فى قلبى ولا يتوقف 
لم أعد قادرة التنفس بسببه..
أطرح الأسئلة.. لأنى خائفة
أن ينفجر قلبى..
فينطلق سيل الحزن 
ويحرق الأخضر واليابس.. 
لأنى خائفة أن أتحول وقتها إلى شجرة من الحزن الخالص..
ولن يستظل البشر بظلى.. وأبقى وحيدة إلى الأبد..
فمن سيتظلل بشجرة مليئة فقط الحزن؟!..
هل للحزن ذاكرة؟
آخر سطر فى المذكرات..
أرسم بجواره فراشة بأجنحة أرجوانية وزرقاء..
أتمنى فى سرى لو كان للحزن ذاكرة..
أصدق أمنيتى..
ثم أدعو بقلب وجل أن يمحنى الله من ذاكرة الحزن..
وأن يمنحنى قلبا بذاكرة جديدة بلا حزن
قلبا ليس هشا مثل الذى منحنى إياه أبى وأمى..
قلبا لا يتذكر سوى لحظات الفرح..
بل قلبا قادرا على صنع لحظات الفرح..
قلبا قادرا على الطيران بأجنحة أرجوانية وزرقاء مثل 
الفراشة التى رسمتها فى السطر الأخير من مذاكرت الحزن.

اقرأ ايضا | لچينى وربع ابتسامة