د.شعيب خلف يكتب: جسر مقطوع بين ضميرين نائمين

د .شعيب خلف يكتب :  جسر مقطوع بين ضميرين نائمين
د .شعيب خلف يكتب : جسر مقطوع بين ضميرين نائمين

لا وقت لدىَّ الآن لأمنح لسانى فسحة فى حدائق الثرثرة، خمسون عامًا مضت فى رحم المنايا، الكهوف الحية، الدوائر المغلقة على الميتين، باطن الأرض، غيابات الجب، صدر زوجتى الضيق، قلب حبيبتى المهاجر، رابطة عنقى المؤجرة، وأنا، ابن السبيل الهارب من تابوت الليل إلى كفن النهار، كل الأزمنة فاتت من بين أصابع صمتى دون مقايضة على أمومة عابرة للموت أو للحياة الميتة، التراب الذى تبقى من الكعكة لا يصلح للقطب ولا للمريد للتيمم، من يفتح الباب إذًا؟ غاب الذى لا يأتى، تشردت الخيول فى مجازات الصحارى، وباض الحمام على حروف اللغة فاستيقظ السكون، وماتت الحركات المجمدة بفعل الجهل، فافترش الفتى ضريح المعانى الغائبة حتى وصل إلى كتاب الموت، فكفن الروح، وسجل موته الأول فى سجل المواليد الميتين، بينما الجسد مستيقظ فى الخرائط والحوائط منذ بداية الحياة، أيها الميت استند على همك، واسرق لقبرك شعاعًا من الصبر حين تبدأ الشمس فى رقصها المباح، واسرق له غُرفة من الماء حتى يعود السّقاء من عطلته، واحكم الغلق حتى لا يغافلك سارقو الأعضاء فى صلاة الفجر، الجالسون فوق لوحة الشرف بلا تاريخ أو هوية، والحزب المدسوس فى أظفار الكذابين عاد إلى مكانه تمامًا فى خارطة الوجه.


هون عليك يا رجل! الكذب ينظر برأسه من ثقب إبرة صدئة بينما عكاره يملأ البحر، والصدق سامد فى غيابة الجب، والرَفَاقة لا يحبون من هاجر إليهم، سامدون يعجبون من ثعلب (شوقى) الذى برز فى ثياب الواعظين ويضحكون ولا يبكون ظانين أن للثعلب دينا، ماذا صنع برد الليالى غير غلق الحنجرة من ناحية البوح، ووضع الروح فى صندوق تحرسه عيون البصاصيين عند لعنة خوفو، المعارضون الملائكة فى الخارج كالحلاقين فى (مولد الحسين)، يفترشون الساحة بنقيق الضفادع، يقفون على الجسر المقطوع بين ضميرين نائمين، وتماثيل الشمع تزين ولائم آخر الليل فى سرادق السيرة، هم فلول التجارب بعد التراضى والتباديل على أحشاء العفة، فى صحراء منزوعة الأمن، تنام مبهوتة فى مخبئها الاختيارى: الألوان، والأثواب، والأحاديث باهتة مهما كانت الصبغات طبيعية، تنام فى كُبُول الهاوية، والفهلوة فَقَاهة مدربة على الصمود والمثالة بين الطيور الغريبة تلك التى تلتقط قوت الحمام المسالم من صالة البيت أمام أعييننا. «نحن لم نتعلم شيئًا» كما قال بيكاسو أمام «كهوف لاسكو» الصدور مغلقة على الجمر، والأمواج لا تخرج برأسها من غيابة البحر، بل تترك نفسها لحركة الريح المسافر فترقص رقصها المباح.

اقرأ ايضا

إريك سادين: كل شخص أصبح السارد الوحيد لحياته