حكايات «التجلى الأعظم».. أين عاش بني إسرائيل في مصر؟

التجلى الأعظم
التجلى الأعظم


في اطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادي المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبي الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذي يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار نستكمل الحلقة الثانية عن موقع إقامة بنى إسرائيل في مصر وقد استعرضنا دخول يوسف الصديق وأهله إلى مصر.

ويشير الدكتور ريحان إلى نسب بنى إسرائيل إلى جدهم نبى الله يعقوب الذى ذكر فى القرآن الكريم باسم إسرائيل }وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ{ سورة مريم آية 58، وكلمة إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من (إسرا) بمعنى عبد أو صفوة ومن (إيل) وهو الله فيكون معنى الكلمة عبد الله أو صفوة الله، وتزوج نبى الله يعقوب وأنجب اثنى عشر ولدًا هم بنو إسرائيل أبناء نبى الله يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم الخليل وهم الأسباط الإثنا عشر، أصغرهم يوسف وأخوه بنيامين، فأمّا يوسف فقد باعه اخوته إلى قافلة من الإسماعيليين والتجار وهم فى طريقهم إلى مصر، ثم باعه هؤلاء إلى رئيس شرطة فرعون عام 1699 ق.م. ولم يتجاوز يوسف السابعة عشرة من عمره، ونزل الباقون مع أبيهم وعائلاتهم ومقتنياتهم إلى مصر سنة 1678ق.م. حيث كان يوسف أمينًا لمخازن ملك مصر (ايبيبى – أبو فيس الأول) رابع ملوك الهكسوس.

وتوفى يوسف الصديق عام 1606ق.م. قبل طرد الهكسوس من حصن أفاريس بحوالى أربعين عامًا فى آواخر حكم الملك (خيان) الذى يسميه العرب (الريان بن الوليد) 1646- 1606ق.م. خامس ملوك الهكسوس، وفى التوراة "وسكن يوسف فى مصر هو وبيت أبيه وعاش حتى رأى الجيل الثالث لولديه، ولما قارب الوفاة استحلف إخوته قائلًا: تصعدون عظامى من هنا إلى قبر آبائى هناك فى كنعان، فحلفوا له ومات يوسف وله من العمر مائة وعشر عامًا فحنطوه فى مصر ووضعوه فى تابوت.

وينوه الدكتور ريحان بناءً على ما ذكر فى التوراة إلى أن نبى الله يعقوب وبنيه لمّا أقاموا فى مصر خيّرهم فرعون فى تحديد الأرض الذى ينزلون بها، فقالوا نحن رعاة ماشية فطلب نبى الله يوسف تسكينهم فى أرض جاسان أو جاشان شمال بلبيس الحالية والبعض يقول نواحى الصالحية وكان طلب نبى الله يوسف لذلك لأنها أرض مرعى لرعى الماشية وليبعدهم عن مخالطة المصريين وكان المصريون لا يخالطون الرعاة.

التجلى الأعظم

 


وذكر في التوراة الآية 11 من الإصحاح 47 تكوين "فأسكن يوسف أباه إخوته وأعطاهم ملكًا فى مصر من أفضل الأرض من أرض رعمسيس" 
وكان قد حدث جوع فى أرض كنعان فجاء نبى الله يعقوب وأولاده إلى مصر فرارًا من الجوع وأسكنهم نبى الله يوسف أرض جاسان (فى أطراف محافظة الشرقية) وكان عدد ذكورهم سبعين وأقاموا فى مصرعلى معيشتهم البدوية، وتكاثروا وعاشوا أجيالًا لا يكدر صفوهم شئ حتى مات أنبياء الله يعقوب ويوسف عليهما السلام وقام على مصر ملك لا يعرف بنى إسرائيل وهو الذى أمر بإلقاء كل مولود ذكر لهم فى النيل، وفى هذه الأثناء ولد نبى الله موسى عليه السلام ويحدد نعوم شقير ذلك عام 1571 ق.م.

وهناك العديد من الوثائق المصرية تؤكد التواجد الآسيوى فى مصر خلال عصر الدولة الحديثة وكان منهم بنو إسرائيل، وذكرت التوراة ثلاثة مواقع اختصتها بإقامتهم وهى جوشن بالإضافة إلى  مدينتا بر رعمسيس وبيثوم.

 

اقرأ أيضا :- خبير آثار: تنفيذ 14 مشروعا لتطوير موقع «التجلي الأعظم» بأرض السلام

ويشير الدكتور ريحان إلى فترة ولادة  نبى الله موسى حيث ذكر المفسرون أن ملك مصر في ذلك الوقت قد رأى رؤيا بأن نارًا خرجت من بيت المقدس دخلت بيوت المصريين إلّا بيوت بنى إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه على يد رجل من بنى إسرائيل، كما سمع أن بنى إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة، فعند ذلك أمر بقتل كل ذكر يولد منهم وأن تترك البنات.

التجلى الأعظم

 

ويوضح  أن بنو إسرائيل عاشوا في مصر آمنين لا ينتقص شيء من حقوقهم لدرجة أن أحدهم وهو قارون وكان من قوم موسى كان يعيش بدلتا النيل فى أغلب الظن فى فاقوس بمحافظة الشرقية وحقق الثروة الطائلة التي تحدّث عنها القرآن الكريم.

ولفت الدكتور ريحان إلى محاولة بعض الباحثين أن يدللوا على وجود كثير من المدن التى استخدم فى بنائها الطوب اللبن على تواجد لبنى إسرائيل فى النطاق الجغرافى لتلك المدن ويرى أنها لا تستند إلى أي أدلة علمية  حيث شيد قدماء المصريين المئات من المبانى بالطوب اللبن قبل وجود بنى إسرائيل فى مصر بألف سنة على الأقل ولم يكن البناء بالطوب اللبن من اختراع بنى إسرائيل ولكنهم فيما يبدو قد اشتركوا مع بعض العمال الآسيويين فى بناء بعض المنشئات من الطوب اللبن فى عصر الدولة الحديثة.

ويتضح من خلال آيات القرآن الكريم أن قدماء المصريين هم من برعوا فى عمل الطوب اللبن والأحمر وعمل ما يطلق عليه اليوم (قماين الطوب المرتفعة) وحرقها لتصبح طوبًا أحمر كما جاء فى سورة القصص (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَى).

وقد قام محمود حمزة بأعمال حفائر فى قرية قنتير قرب فاقوس بشرق الدلتا وكشف عن أساسات القصر الملكى للملك سيتى الأول ورمسيس الثانى وبعض القطع المنقوشة التى ترجع إلى عصر الرعامسة منها أوستراكا (شقف الفخار المكتوب) عليها إسم مدينة بر رعمسيس، ورأى محمود حمزة أن هذا القصر هو الاستراحة الملكية فى الدلتا أثناء عصر الرعامسة، وأن هذا القصر قد تم بناؤه فى عهد سيتى الأول لكى يستريح فيه أثناء التجهيز لحملاته المتواترة على آسيا.