حقائق وأزمات صادمة في تاريخ مهرجان «كان»

مهرجان “كان” السينمائي
مهرجان “كان” السينمائي

كتب: إنچي ماجد

انطلقت أول أمس الثلاثاء الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان “كان” السينمائي، الحدث الفني الأهم على مستوى السينما العالمية، والذي يتمتع بتاريخ غني من التألق والإبتكار الفني على مر السنين، لكن إلى جانب مكانته الفنية التي لا ينافسه فيها حدث غيره، يحفل تاريخ المهرجان كذلك بسجل ليس بالقصير من الحقائق والأحداث المثيرة للجدل.. وفي السطور التالية نقدم لك بعض الحقائق المثيرة حول أكثر مهرجان سينمائي صاحب شعبية في العالم.

 

هناك أكثر من حقيقة مثيرة جاءت مع فكرة إنشاء المهرجان عام 1939، وهي الفكرة التي ولدت كرد فعل سياسي بعد فوز فيلم “آلهة الاستاد” للمخرجة الألمانية ليني ريفنستال بجائزة “كأس موسوليني” في نسخة مهرجان “فينيسيا” لعام 1938، الأمر الذي جعل بعض وفود الدول المشاركة في المهرجان تحتج، لأن فيلم ليني “عنصري وقح” - على حد تعبيرهم - ويروج للأيديولوجية النازية، ما دعا دولا مثل أمريكا وفرنسا وإنجلترا لمقاطعة المهرجان، والتلويح بعدم حضور الدورة التالية، إذا لم يغير مهرجان “فينيسيا” من سياساته، وهنا تبلورت فكرة إقامة مهرجان بديل لدول “العالم الحر”، على يد الدبلوماسي الفرنسي، فيليب أرلينجر، المسئول عن الجمعية الفرنسية للعلاقات الثقافية الخارجية وممثل فرنسا في “فينيسيا”.
ومن الحقائق التي لا يعلمها الكثيرون أن المهرجان كان سيقام في البداية ببلدة “بياريتز”، لكن جماعات مختلفة قامت بحملات من أجل أن يكون مقره في مدينة “كان”، ليتم إلغاء القرار لصالح ما يعرف في عالمنا بـ”لؤلؤة العالم الريفيرا”.

 

وكان من المفترض أن ينطلق المهرجان في سبتمبر 1939، ولكن تم إعلان الحرب، وتوقفت الحياة من بعدها، المثير للسخرية أن الفيلم الذي كان سيمثل الإتحاد السوفياتي في نسخة ذلك العام، كان يحمل اسم، “إذا جاءت الحرب غدا”، للمخرج لازار أنتسي بولوفسكي، وكان اسمه مناسبا للأحداث الجارية بشدة، كما لو أن مخرجه كان يقرأ “الطالع”، ليتوقف المهرجان طيلة سنوات الحرب ويعود في عام 1946، وخلال تلك النسخة لم يكن هناك مبنى مخصص للمهرجان، وكانت عروض الأفلام تتم في إحدى الكازينوهات الكبرى، لتشهد نسخة المهرجان لعام 2002 إقامة حفل تكريم، سلمت خلالها جوائز للأفلام التي لم تعرض في عام 1939.

 

في نسخة عام 1949، ظهرت واقعة “Affair of Ties - أزمة الكرافتات”، فنظرا للطقس الرائع الذي تتمتع به الريفيرا، ذهب العديد من الحضور للإستحمام على شاطئ البحر بين أوقات عروض الأفلام، ولم يتمكن الكثير منهم من العودة لإرتداء زى مناسب لحضور العروض، مما تسبب في حالة من الإرتباك لدى المنظمين، وبناءً على ذلك، قررت اللجنة المنظمة بالمهرجان أن بعض عروض الأفلام تتطلب إرتداء “كرافتة”، والبعض الآخر لا يتطلب ذلك، مما أدي إلى شعور المشاركين بالإهانة، حيث أعتقد وقتها بعض المخرجين أن أفلامهم تم النظر لها على أنها دون المستوى، إذا كانت من بين الأفلام التي لا تتطلب الحضور بربطة عنق، الأمر الذي تسبب في إثارة جدل كبير وقتها.

 

على الرغم من المبادئ التأسيسية للمهرجان، إلا أنه خلال الحرب الباردة تمت إضافة مادة إلى لائحة المهرجان سمحت بنوع من الرقابة الدبلوماسية، وهو ما حدث بين عامي 1950 و1956، حيث تم استبعاد الأفلام المثيرة للجدل من المنافسة، على الرغم من جودتها السينمائية، مثل فيلم “”Ciel sans étoiles للمخرج هيلموت كوتنر، الذي تم سحبه من المسابقة في دورة عام 1952، حتى لا يثير رد فعل من جانب الاتحاد السوفيتي، أيضا طلبت سفارة ألمانيا الغربية سحب الفيلم الوثائقي”Night and Fog” للمخرج آلان رينيه، من المهرجان في نسخة عام 1956، وبالفعل تم التوصل إلى حل وسط تم بموجبه عرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية.

 

في دورة عام 1953، حصل أسطورة الفن التشكيلي بابلو بيكاسو على إعفاء خاص لكسر قواعد الملابس الخاصة بالمهرجان، بعدما حضر عرض فيلم “The Wages of Fear” وهو يرتدي معطفا من جلد الغنم، بعدها بـ3 أعوام قدم مخرج الفيلم جورج كلوزو، فيلم “لغز بيكاسو”، وهو فيلم وثائقي عن بيكاسو، ونال عنه جائزة لجنة التحكيم الخاصة في دورة عام 1956.

 

يحضر المهرجان كل عام ما يقرب من 4500 صحفي ومصور، وهو ما يجعل “كان” يمتلك ثاني أكبر تغطية إعلامية عالمية بعد الأولمبياد، الأمر الذي يضعه في موقع شديد التميز لإمتلاك صور نادرة وأيقونية، في نسخة عام 1954 أصيب العديد من المصورين أثناء تدافعهم لتصوير الممثلة البريطانية سيمون سيلفا عارية الصدر على شاطئ البحر، وقد نالت سيمون لقب ملكة جمال المهرجان في هذا العام، لكن إدارة المهرجان طلبت منها المغادرة بسبب سلوكها الغريب، والذي أعتبره المهرجان مبتذلا ومتعطشا للدعاية، بسبب ما نتج عنه من إلهاء الحضور عن متابعة المهرجان كحدث فني.


كانت نسخة المهرجان لعام 1968 من المحطات الفاصلة في تاريخ المهرجان، بعدما تضامن مجموعة من المخرجين مع الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت في جميع أنحاء فرنسا، حيث رفض المخرجون الشباب آنذاك جان لوك جودار ولويس مال وفرانسوا تروفو رفع الستار لعرض فيلم “Peppermint Frappe”، لتزداد الأحداث سخونة قبل أن يتم الغاء المهرجان بشكل كامل لهذا العام.

 

النجم الأمريكي الكبير بول نيومان تسبب في أزمة كبيرة خلال دورة عام 1975، فعند وصوله إلى فرنسا كان نيومان متعبا بشدة من رحلته، لكن خانه التوفيق بعدما رفض الوقوف أمام المصورين لإلتقاط الصور له، ليقرر المصورون وقتها الإمتناع عن تصويره بشكل كامل طوال أحداث المهرجان، وعند ظهوره في المساء وضع المصورون كاميراتهم عند أقدامهم إحتجاجا على رد فعله نحوهم. 

 

يحفل تاريخ مهرجان كان بالعديد من الأفلام التي وقع الجمهور في سحرها، وكذلك بالكثير من الأفلام التي أثارت غضب الحضور بشدة، ومن هذه الفئة كان الفيلم الفرنسي “Irreversible” الذي عرض في دورة 2002، فقد أثبت مخرج الفيلم جاسبر نوي أنه قدم أكثر عمل سينمائي صادم قد تراه في حياتك، بعدما تسبب فيه خلال العرض الخاص له، حيث غادر العرض أكثر من 250 شخص لعدم قدرتهم على استكمال الفيلم،  ووصل الأمر إلى أن فقد 20 شخصا وعيهم من دموية وعنف المشاهد، ما جعل الإسعاف تتوافد على القاعة لإنقاذ المصابين.

 

قبل وقت قصير من انطلاق نسخة المهرجان لعام 2013، وقعت سلسلة من حوادث سرقات المجوهرات في الفنادق التي يقيم بها العديد من الأثرياء والمشاهير الحاضرين لفعاليات المهرجان، واللافت للنظر أن آخر تلك السرقات كانت مستوحاة من فيلم”To Catch a Thief”، حيث تم سرقة مجوهرات بقيمة 103 مليون يورو من معرض أقيم في فندق “كارلتون” الشهير بعنوان “Extraordinary Diamonds”، ولم تتمكن الشرطة من الإمساك باللصوص.

 

ويبدو أن دورة 2013 كانت دورة استثنائية في الأحداث الساخنة، بعدما شهدت انتحال رجل لشخصية مطرب الراب الكوري الجنوبي Psy – صاحب أغنية “Gangnam Style” - ، وقيام هذا المحتال بحضور العديد من حفلات المهرجان والتقاط الصور مع المعجبين، ليتم القبض عليه لاحقا بعد أن كشفه مدير أعمال Psy الحقيقي، والمثير للسخرية أن أي مدعو يشارك في المهرجان يخصص له “بادج” خاص به، وهو ما جعل الحاضرين يتساءلون عن كيفية تحرك هذا المحتال دون “البادج”. 

 

على الرغم من عدم وجود قاعدة خاصة بالمهرجان تحدد إرتفاع “كعب” الحذاء، تعرضت عدد من النساء في نسخة 2015، للمنع من حضور المهرجان بسبب إرتداء أحذية “Flat”، وهي الفضيحة التي أطلق عليها” Heelgate”، وردا على ما حدث قام المخرج الفرنسي دينيس فيلنوف والأبطال الذكور لفيلمه “Sicario”، بإرتداء أحذية ذات “كعب”، كرد ساخر على المهرجان، لكنهم للآسف لم ينجحوا في السير بتلك الأحذية، كما قامت النجمات جوليا روبرتس وكريستين ستيوارت بترك أحذيتهن العالية، والمشي على السجادة الحمراء حافيات القدمين.