هذا هو مظفر النواب.. ملول لا يصلح للزواج وموقف لا ينساه مع محمود درويش

مظفر النواب
مظفر النواب

الآن أعريكم

في كل عواصم هذا الوطن العربي

قتلتم فرحي

في كل زقاق أجد الأزلام أمامي

أصبحت أحاذر حتى الهاتف

حتى الحيطان وحتى الأطفال

مات مظفر النواب بعد أن قتلوه أكثر من مرة. مرة بالخذلان، ومرة بالسجن. مرة بالشائعات وأخرى بالنسيان. مات اليوم مظفر، وكان في كل يوم يموت بعد أن أذقناه لعنة الحصر في قصيدة واحدة، وهي الشهيرة بـ«لا أستثني منكم أحدًا». 

لا أستثني نفسي، ولا أستثني آخرين مثلي. فالقصيدة قاسية عنيفة على من يقرأها، فمبالك بهؤلاء الذين وصفهم بأقسى الألفاظ. 

في 1 أبريل من العام 2002 نشر في مجلة «ثقافات» البحرينية حوار مع مظفر النواب بمناسبة زيارته للملكة الخليجية الصغيرة، بعد أن كان ممنوعا من دخول دول خليجية عديدة. في هذا الحوار، أخرج مظفر الإنسان من داخله، وتحدث عن نفسه وشعره ورأيه في الآخرين.

لقد بدا أن قصيدة «من باع فلسطين» التي كتبها مظفر في السبعينيات لحظة انفعالية عاد عنها بعد سنوات. لقد بدا أن نظمه لكلمات بهذه القسوة، كان في إطار رياح عاتية كانت تنتاب المجتمعات العربية للإحساس بضياع القدس «عروس عروبتنا» حسب كلماته. في الحوار المنشور في «ثقافات» كان الرجل هادئا متزنا، على نقيض رصاصاته التي أطلقها في قصيدته المهمة.

هو يقول:

- أنا لا أنوي الزواج، الزواج مع ضرورته لاستمرار البشرية، كان سيحرمني من قضايا هامة، كان سيحدد من حريتي كثيرًا ويفرض عليَ ضغوطًا. البعض واجهوا ضغوطًا من خلال عوائلهم، ولذلك فالمرأة يجب أن تعطي أبعادًا هامة لحياة الرجل. أحس أنني لا أصلح للزواج. 

- أنا ملول، صعب عليّ الإقامة مدة طويلة في مكان. ملول رغم حدة شعوري بالحزن لمفارقة الأماكن التي آلفها، والناس الذين أعرفهم.

- أعتقد أن كل عراقي فيه بذرة حزن خلاق، وحزن متجذر، وحزن غير منكسر يشبه وقفة الحسين في كربلاء، ظل وحده أخيرًا، ورفض أن يساوم إلى اللحظة الأخيرة.

- الكتابة بالفصحى فيها ميزات، والكتابة بالعامية فيها ميزات. الفصحى هي منحوتة من حجر رخام. دراسات، كتب بلاغة، نحو، أدب عربي، وشعر. كم هائل، الشغل في الصخر يحتاج إلى أزميل وإلى حفر وإلى فأس، ذلك لأن الشعر العربي بميزانه يجعل الشاعر أسير صور معينة. أما العامية فيها حرية أكبر، ليس فيها كتب بلاغة، ليس وراءها تراث مدروس وكتب مؤلفة وقوانين وأبعاد. هي كالطين المخمر يمكن تشكيله بسهولة.

- عند إلقاء الشعر أجيء مفعمًا بحالة معينة قبل أن أواجه الجمهور، ولدي خشية من الجمهور، وأخشى من أن البعض لم يمر بالتجربة نفسها فيجد صعوبة في التواصل، وأريد أن أصل إليه ويكون عنده استعداد للتجربة، وبعد أن أواجه الجمهور ينتهي الخوف، أحيانا اسمع أثناء الإلقاء ما يشعرني بأن شعري وصل.

- هناك شعراء جيدون، لكن لا يوجد شاعر كل ما يكتبه جيد، كما أنني لا آخذ الشاعر بكل ما كتب، ولا أريد أن يأخذني الناس بكل ما كتبت. أحب قصائد لشعراء معينين. 

- مرة كنت في القاهرة، وتعرفت إلى محمود درويش، وقد عرفتنا إلى بعض صافيناز كاظم، وسهرنا عنده البيت، وقتها نشر قصيدة على صفحة كاملة في جريدة الأهرام، قرأتها فأعجبتني، فذهبت مبكرًا في الصباح إلى منزله وقرعت بابه، وخرج بالبيجامة مستغربًا وقال لي: «خيرًا». قلت له: «أنا جاي أبوسك على هذه القصيدة».

- أدونيس شاعر لا نقاش في ذلك. لديه ثقافة موسوعية، لكن الشعر يثقل حين يثقل بالفلسلفة والرموز.

- رغم كل المآسي والتجارب القاسية أنا متفائل، لأن طبيعتي التفاؤل، حتى وأنا في السجن كنت متفائلاً. حتى في الظروف الحالكة وأنا هارب ومطارد ورجلاي متعبتان، كنت متفائلاً.