فاينانشيال تايمز: فنلندا والسويد تندفعان نحو الانضمام للناتو بدعم شعبي وبرلماني 

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سلطت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية الضوء على مساعي فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، واعتبرتها "تحولًا تاريخيًا" عن مسار تجنب لعقود طويلة من الزمن الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية.

وقالت الصحيفة، في مستهل تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني في هذا الشأن، الصادر بتاريخ اليوم الاثنين 16 مايو، إن الأمر تغير كليًا بعد 81 يومًا منذ أن بدأت روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لدرجة أن هذه المساعي تنال دعمًا كبيرًا من الرأي العام والبرلمان على حد سواء.

اقرأ أيضًا: الصين تعلن احتواء فيروس كورونا في شنجهاي

ونقلت الصحيفة عن الوزيرة الفنلندية المختصة بشئون الاتحاد الأوروبي، تيتي توبوراينن، قوله:" إنها خطوة كبيرة في تكاملنا الغربي، ونحن نضع اللمسات الأخيرة على ذلك، نعم بالنسبة لفنلندا، فهذا تغيير في المسار". لكنها أضافت أيضًا:" يمكنك تفسيرها على أنها عملية طبيعية جدًا أيضًا، ولا عجب أن الرأي العام الفنلندي تحول في مثل هذا الوقت القصير ليروي قصة عقود من التحضير وعندما أصبح الوقت مناسبًا، تجلى الاستعداد لذلك".

وأبرزت الصحيفة حقيقة أن فنلندا تمتلك تاريخًا في استغلال الفترات التي تكون فيها جارتها الأكبر في الشرق مشتتة أو ضعيفة لاتخاذ قرارات كبيرة، مع الإشارة إلى أن هلسينكي أعلنت استقلالها في عام 1917، بعد أسابيع من استيلاء البلاشفة على السلطة في روسيا.
بدورها، قالت إلينا فالتونين، نائبة رئيس حزب الائتلاف الوطني المعارض، وهو مؤيد لعضوية الناتو منذ فترة طويلة: "لقد حاولنا دائمًا التكيف، وعندما تكون هناك فرصة سانحة، حاولنا استغلالها".

واتخذت حكومة فنلندا، مع الرئيس سولي نينيستو، قرار التقديم لنيل عضوية الناتو في يوم أمس الأحد. ومن المرجح أن يصادق البرلمان على هذه الخطوة في وقت لاحق بأغلبية كبيرة، ويمكن إرسال الطلب بالاشتراك مع السويد يوم غد الثلاثاء أو الأربعاء على أقصى تقدير عندما يقوم نينيستو بزيارة دولة إلى ستوكهولم.

وفي هذا، تابعت "فاينانشيال تايمز" تقول إن حجم التغيير أكبر بكثير في السويد، التي أنهت 200 عام من عدم الانحياز العسكري تركت آثارا لا تُمحى من ذهن السويديين، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الحاكم، لتقرر الدولة بأكملها التخلي عن هذا النهج والسعي للانضمام إلى الناتو. وقالت رئيسة الوزراء ماجدالينا أندرسون:" سينتهي الأمر بالسويد في وضع ضعيف للغاية إذا اخترنا وحدنا عدم التقدم بطلب لعضوية الناتو".

وتوقع السياسيون الفنلنديون "مطبات سريعة" على طريق العضوية - مثل معارضة تركيا المحتملة - لكنهم أعربوا عن يقينهم بإمكانية التغلب عليها سريعًا، وأنه في غضون 4-12 شهرًا سيكونون والسويد أعضاء داخل الناتو، الذي وعد بعملية سلسة وبأن كلا البلدين يمكن أن يكونا مدعوين رسميين، وقادرين على حضور جميع الاجتماعات، في غضون أسبوع أو أسبوعين فقط.

وعلى الأرض، تتواصل العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية ، منذ بدايتها في 24 فبراير المنصرم.

واكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا جديدًا فارقًا، في 21 فبراير، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" و"لوجانسك" جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لقت غضبًا كبيرًا من كييف وحلفائها الغربيين.

وفي أعقاب ذلك، بدأت القوات الروسية، فجر يوم الخميس 24 فبراير، في شن عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، ما فتح الباب أمام احتمالية اندلاع حرب عالمية "ثالثة"، ستكون الأولى في القرن الحادي والعشرين.

وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش "أجواءً أكثر سوادًا" منذ الحرب العالمية الثانية، فيما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزمة عقوبات ضد روسيا، وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها "الأقسى على الإطلاق".

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يصران حتى الآن على عدم الانخراط في أي عملية عسكرية في أوكرانيا، كما ترفض دول الاتحاد فرض منطقة حظر طيران جوي في أوكرانيا، عكس رغبة كييف، التي طالبت دول أوروبية بالإقدام على تلك الخطوة، التي قالت عنها الإدارة الأمريكية إنها ستتسبب في اندلاع "حرب عالمية ثالثة".

وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في وقتٍ سابقٍ، إن اندلاع حرب عالمية ثالثة ستكون "نووية ومدمرة"، حسب وصفه.

وعلى مسرح الأحداث، قالت وزارة الدفاع الروسية، في بداية العملية العسكرية، إنه تم تدمير منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وقواعدها وباتت البنية التحتية لسلاح الطيران خارج الخدمة.

ولاحقًا، أعلنت الدفاع الروسية، يوم السبت 26 فبراير، أنها أصدرت أوامر إلى القوات الروسية بشن عمليات عسكرية على جميع المحاور في أوكرانيا، في أعقاب رفض كييف الدخول في مفاوضات مع موسكو، فيما عزت أوكرانيا ذلك الرفض إلى وضع روسيا شروطًا على الطاولة قبل التفاوض "مرفوضة بالنسبة لأوكرانيا".

إلا أن الطرفين جلسا للتفاوض لأول مرة، يوم الاثنين 28 فبراير، في مدينة جوميل عند الحدود البيلاروسية، كما تم عقد جولة ثانية من المباحثات يوم الخميس 3 مارس، فيما عقد الجانبان جولة محادثات ثالثة في بيلاروسيا، يوم الاثنين 7 مارس. وانتهت جولات المفاوضات الثلاث دون أن يحدث تغيرًا ملحوظًا على الأرض.

وقال رئيس الوفد الروسي إن توقعات بلاده من الجولة الثالثة من المفاوضات "لم تتحقق"، لكنه أشار إلى أن الاجتماعات مع الأوكران ستستمر، فيما تحدث الوفد الأوكراني عن حدوث تقدم طفيف في المفاوضات مع الروس بشأن "الممرات الآمنة".

وقبل ذلك، وقع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 28 فبراير، مرسومًا على طلب انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، في خطوةٍ لم تجد معارضة روسية، مثلما تحظى مسألة انضمام كييف لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقال المتحدث باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف إن الاتحاد الأوروبي ليس كتلة عسكرية سياسية، مشيرًا إلى أن موضوع انضمام كييف للاتحاد لا يندرج في إطار المسائل الأمنية الإستراتيجية، بل يندرج في إطار مختلف.

وعلى الصعيد الدولي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 2 مارس، على إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، بموافقة 141 دولة على مشروع القرار، مقابل رفض 5 دول فقط مسألة إدانة روسيا، فيما امتنعت 35 دولة حول العالم عن التصويت.

وأعلنت الأمم المتحدة فرار أكثر من 3 ملايين شخص من أوكرانيا منذ بدء الحرب هناك، فيما كشفت المنظمة الأممية، يوم السبت 19 مارس، عن مقتل ما يقرب من 850 مدنيًا في الحرب حتى الآن. 

وفي الأثناء، تفرض السلطات الأوكرانية الأحكام العرفية في عموم البلاد منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

وأعلن الرئيس الأوكراني، يوم الأحد 20 مارس، تمديد فرض الأحكام العرفية في البلاد لمدة 30 يومًا، بدايةً من يوم الأربعاء 23 مارس.

وكانت روسيا، قبل أن تبدأ في شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، ترفض بشكلٍ دائمٍ، اتهامات الغرب بالتحضير لـ"غزو" أوكرانيا، وقالت إنها ليست طرفًا في الصراع الأوكراني الداخلي.

إلا أن ذلك لم يكن مقنعًا لدى دوائر الغرب، التي كانت تبني اتهاماتها لموسكو بالتحضير لغزو أوكرانيا، على قيام روسيا بنشر حوالي 100 ألف عسكري روسي منذ أسابيع على حدودها مع أوكرانيا هذا البلد المقرب من الغرب، متحدثين عن أن "هذا الغزو يمكن أن يحصل في أي وقت".

لكن روسيا عللت ذلك وقتها بأنها تريد فقط ضمان أمنها، في وقت قامت فيه واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى أوروبا الشرقية وأوكرانيا أيضًا.

ومن جهتها، اتهمت موسكو حينها الغرب بتوظيف تلك الاتهامات كذريعة لزيادة التواجد العسكري لحلف "الناتو" بالقرب من حدودها، في وقتٍ كانت روسيا ولا تزال تصر على رفض مسألة توسيع حلف الناتو، أو انضمام أوكرانيا للحلف، في حين تتوق كييف للانضواء تحت لواء حلف شمال الأطلسي.