معابد كاملة وتوابيت بمومياتواتها.. آثار مصر فى بلاد العالم

من معبد دندرة بعد نقله إلى نيويورك
من معبد دندرة بعد نقله إلى نيويورك

كتب: رشيد غمرى

تعرض آثار مصر فى حوالى أربعين متحفا على مستوى العالم، ويزين بعضها شوارع مدن وعواصم غربية، بخلاف مجموعات خاصة معلنة، وسرية، يحتفظ بها جامعو التحف. لا يوجد إحصاء دقيق حول عددها، لكن التقديرات تشير إلى أنها تتراوح بين مليون إلى عدة ملايين، بعضها أوانٍ وتماثيل صغيرة وعملات، وبعضها معابد كاملة، ومسلات، وتماثيل ضخمة، والكثير منها نادر، وبعضها لا يقدر بثمن.

 

على مدى أكثر من قرنين، كانت مصر مقصدا للمغامرين وهواة التنقيب عن الآثار والمهربين الراغبين فى الثراء. وقد نجحوا بطرق عديدة فى الحصول على أعداد كبيرة من القطع الأثرية، سواء عن طريق الحفر، أو الشراء بأثمانٍ ضئيلة من أشخاص لم يقدروا قيمتها، ولاحقا خرجت بعض القطع عن طريق الإهداء، ثم كان اقتسام حصيلة التنقيب مع البعثات الأثرية أحد أكبر الطرق الشرعية لخروج الآثار. 

 

الأرقام تثير الحسرة، بسبب خروج كل هذا الكم من نتاج الحضارة المصرية إلى أيدى الغير. وتأتى بريطانيا على رأس القائمة، إذ ضم متحفها أكثر من مائة ألف قطعة، حتى عام 2001 قبل أن يضاف لها ستة ملايين قطعة من مجموعة "وندورف"، وهى خليط من الآثار المصرية والسودانية. تاريخ اقتناء المتحف للآثار المصرية يرجع إلى عام 1753، حيث آلت له 160 قطعة من مجموعة الطبيب وجامع التحف السير "هانز سلون" بناء على وصيته. أما بعض المنحوتات المهمة، ومنها حجر رشيد، فقد حصل عليها المتحف خلال مصادرتها من القوات الفرنسية بعد هزيمتها فى معركة أبى قير البحرية. وبعدها توالى الجمع المنظم للآثار المصرية حتى وصلت مقتنيات المتحف منها إلى عشرة آلاف قطعة عام 1866.

 

وفى أواخر القرن التاسع عشر كانت بعثات وجمعيات استكشافية تقوم بعملية نقل منظم للآثار المصرية إلى المتحف البريطانى، حتى وصلت مطلع الألفية إلى مائة ألف قطعة، بخلاف ما أضيف لها من مجموعة "وندورف"، كما يضم متحف "بيترى" فى لندن أيضا ثمانين ألف قطعة، بخلاف متحف "أوكسفورد" الذى يضم أربعين ألف قطعة، ومتحف "فيتزوليم كامبريدج" الذى يضم أكثر من 16 ألف قطعة، ومتحفا العالم "ليفربول"، و"مانشستر" يضم كلٌ منهما 16 ألف قطعة أيضا. كل هذا فى دولة واحدة.

 

وفى ألمانيا يضم القسم المصرى من متحف برلين الجديد ما يزيد عن 80 ألف قطعة، ويضم متحف الدولة للفن المصرى بميونيخ ثمانية آلاف قطعة، ويمتلك كلٌ من متحف "رومر ويبليزيوس" فى "هيلدسهايم"، ومتحف جامعة "لايبتسج" فى ساكسونيا ثمانية آلاف قطعة أيضا لكلٍ منهما. 

 

وفى فرنسا يمتلك متحف اللوفر وحده ما يزيد عن 50 ألف قطعة، بخلاف 1500 قطعة لدى متحف ليون للفنون الجميلة، وفى أمريكا تتوزع الآثار المصرية بين عدد كبير من المتاحف حيث تبلغ حوالى 45 ألف قطعة فى متحف الفنون الجميلة فى بوسطن، 45 ألف قطعة فى متحف "كيسلى" لعلم الآثار، 42 ألف قطعة فى متحف جامعة بنسلفانيا، 30 ألف قطعة بالمعهد الشرقى بشيكاغو، 26 ألف قطعة بمتحف المتروبوليتان فى نيويورك، 17 ألف قطعة فى متحف "هيرست" للأنثروبولوجيا فى كاليفورنيا، و5000 قطعة فى متحف "بيبادى" للتاريخ الطبيعى فى "نيوهافن". ويحتفظ متحف "أونتاريو" فى كندا بأكثر من 25 ألف قطعة، ومتحف تورينو فى إيطاليا بأكثر من 32 ألف قطعة، بخلاف 14 ألف قطعة فى متحف الآثار بفلورنسا، كما يضم متحف فينا أكثر من 14 ألف قطعة آثار مصرية. والقائمة طويلة للدول التى تضم مقتنيات متاحفها آلاف القطع الأثرية من روسيا إلى اليونان إلى هولندا والدنمارك.

 

وبالطبع فإن الكثير من تلك المجموعات قطع نادرة وقيمة، مثل حجر رشيد فى المتحف البريطانى، ورأس نفرتيتى فى متحف برلين، وتسع مسلات فى لندن ونيويورك وباريس وروما والفاتيكان، بعضها خرج كإهداءات من محمد على والخديو إسماعيل، وبعضها خرج فى ظروف غامضة عقب خروج الفرنسيين من مصر، كذلك تمثال "حم أيونو" مهندس الهرم الأكبر، وقد خرج إلى ألمانيا عام 1912، وقبة الزودياك المنتزعة من معبد دندرة إلى متحف اللوفر. وتمثال "عنخ حا إف" مهندس هرم خفرع، وهو موجود فى بوسطن الأمريكية. أما مخطوط التوراة باليونانية، الذى يرجع لعهد "قسطنطين"، فهو موجود بالمتحف البريطانى، وبعض منه فى ألمانيا، وأُخذ بالاحتيال من دير سانت كاترين. 

 

بعض الآثار المصرية تعرض للتدمير فى الخارج مثل سبعمائة قطعة كانت فى المتحف القومى بالبرازيل، وتفحمت خلال حريق سبتمبر 2018، وكان ضمنها تابوت مغنية مهمة بمعبد آمون أهداه الخديو إسماعيل لإمبراطور البلاد عام 1877، بالإضافة لتماثيل لكهنة ولوحات جنائزية وعدد من القطع النادرة، وعلى ذكر الإهداءات، فقد تم إهداء خمسة معابد منها "دابود"، "طافا"، "دندور" إلى كلٍ من أسبانيا، وهولندا وأمريكا وإيطاليا وألمانيا، تقديرا لمشاركاتها السخية فى تمويل وجهود إنقاذ آثار النوبة من الغرق تحت مياه النيل فى بحيرة ناصر. 

 

وما يدعو للغضب هو أخبار بيع الآثار المصرية فى مزادات العالم، التى تتردد بين وقت وآخر، لتلقى الضوء على تراث عظيم تحول إلى سلعة يجنى ثمارها الآخرون. حتى أنه توجد مواقع، ومنتديات تعرض الآثار المصرية المهربة للبيع علنا. وحتى مقتنيات المتاحف والجمعيات العلمية من الآثار المصرية يجرى عرضها للبيع بحجة الحاجة إلى المال. وهى بذلك فضلا عن وجودها خارج مصر، ستحرم من العرض العام، وتصبح قطعا للديكور داخل البيوت والمنتجعات الخاصة. أشهر وقائع بيع مقتنيات المتاحف كان بخصوص تمثال "سخم كا"، حيث أثار بيعه من قبل متحف "تورثامبتون" قبل خمسة أعوام فى لندن ضجة، حتى لدى البريطانيين. وهو قطعة شديدة الندرة والأهمية، بيعت بمبلغ 16 مليون جنيه إسترلينى. ومن المحزن أن بريطانيا سعت على مدى عام كامل وبسبب حملات شعبية لتعطيل تصدير التمثال المباع إلى مالكه الجديد فى أمريكا، وحاولوا إيجاد مشترٍ يدفع السعر نفسه، ويبقيها داخل البلاد. وبعد هذه الواقعة بأقل من شهرين قام المعهد الأثرى الأمريكى بعرض 37 قطعة آثار مصرية للبيع فى صالة مزادات "بونهامز" البريطانية لسداد ديونه، ولحسن الحظ تمكنت مصر من وقف بيع 36 قطعة منها، بعد إثبات خروجها بطريقة غير مشروعة، واستنادا إلى أن امتلاك تلك المتاحف للآثار يجب أن يكون لأغراض علمية، وليس تجارية. 

 

التجارة غير المشروعة فى الآثار المصرية هى بوابة خروج معظم آثارنا، وقد صارت تتم عبر عصابات دولية، تضم أحيانا بعض أعضاء البعثات الدبلوماسية لتهريبها داخل حقائب دبلوماسية. ولعل أشهر الحالات القضية التى تورط فيها دبلوماسيون إيطاليون ونجحوا فى تهريب 22 ألف قطعة أثرية، وتم ضبطها بالصدفة فى ميناء "ساليرنو" الإيطالى، وحكم فيها بالإدانة قبل عامين. 

 

الآن تتجدد المخاوف حول مصير مئات القطع الأثرية المصرية المعروضة بمتحف "أوديسا" الأوكرانى وسط الحرب الروسية هناك. ويقدر عددها بحوالى 650 قطعة، اقتناها المتحف على مدى قرنين. وتضم المجموعة توابيت حجرية وخشبية ومومياوات بشرية وحيوانية ولوحات جنائزية وتماثيل برونزية لأوزوريس وإيزيس وحلى وأوانى كانوبية وبعض ما تم نقله من متحف الدير البحرى بالأقصر. 

 

قوانين حماية الآثار المصرية، وتنظيم التعامل عليها بدأت بالصدور عام 1835 فى عهد محمد على. وفى عام 1874 صدرت لائحة تنظيمية تسمح للمنقبين بالحصول على نصف القطع المكتشفة. وبسبب زيادة أعداد القطع التى خرجت مع أجانب فقد صدر قرار بعدم تصديرها عام 1880. ومنذ ذلك التاريخ توالت القوانين الأكثر شمولا، حتى جاء وقف التعامل بالبيع والشراء على الآثار نهائيا عام 2010. لكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى منظومة متكاملة للتعامل مع "المافيا" الدولية التى تخصصت فى نهب أهم ثرواتنا.