رفعت الجلسة | العشق الممنوع

العشق الممنوع
العشق الممنوع

عَلِمت بحقيقة ما حدث، لم تُصدق، ولم تستطع مواجهة أحد، جلست فى حجرتها تبكى، تصرخ كاتمة غضبها داخلها، فمن ارتكب «العشق الممنوع» ليس ببعيد عنها، بل أقرب اثنين إلى قلبها..

أرادت إقناع نفسها أن ما حدث حقيقة، وليس من وحى خيالها، اطلعت على الرسائل، استمعت إلى المكالمات، ودققت بعينيها فى الصور جيدا، لتصمت قليلا، على أمل أن تجد نهاية تحفظ كرامة عائلتها وأبنائها، قبل أن تهدم الجدار الذى يربطها برفيق العمر..

لكنها لم تستطع أن تتحمل، ذهبت سرا وكشفت كل شىء، ثم عادت حاملة ورقة حريتها بيديها.

كان بيتها يملؤه السعادة، تزوجت ممن أحبته، وسكنت المنزل الذى حلمت به، ومارست مهنتها التى طالما سعت من أجلها.. فهى «طبيبة أسنان» ذاع صيتها بين أبناء الطبقة الراقية بالإسكندرية، وأصبحت قريبة من فتح مركزها الطبى فى أرقى مناطق عروس البحر.


جمالها ليس بالجذاب للأعين والقلوب، لكنها تملك شخصية قوية، ووجها مبتسما بشوشا، ولديها عينان تتركان أثرا طيبا فى كل من يتبعهما ببصره، ثقافتها غطت على ثقوب جمالها، وخجلها منحها هالة من الاحترام والتقدير لكل من يتعامل أو يقترب منها.


على جانب آخر، كان زوجها تاجرا فى ثوب رجل أعمال ثري، يبحث عن المال والجمال فى كل شىء، يدفع الكثير من أجلهما، لكن علامة الاستفهام التى طالما بحث الآخرون عنها، تدور فى فلك وتساؤل واحد، لماذا تزوج من هذه الطبيبة الخجولة والتى لا تملك جمالا يساوى جزءا من الجمال الزائل الذى يبحث عنه هذا الشاب؟ سؤال عرفت الطبيبة إجابته مؤخرا، فكان الطريق لمنح حريتها المطلقة.


عاشت الطبيبة مع زوجها حياة عملية بحتة، هى تحبه وتعشقه، تفعل ما تستطيع لإسعاده، لكنها فى نفس الوقت، لم تنس طموحها المستقبلى الذى طالما حلمت به، مارست طب الأسنان، عملت فى أكثر من عيادة ومركز طبى، طورت من نفسها، حصلت على شهادات وشاركت فى ورش كثيرة داخل مصر وخارجها حتى أصبحت استشاريا كبيرا فى عمر صغير، وأصبح المرضى يترددون على عيادتها بالمئات يوميا.


على الجانب الآخر، لم يعط الزوج اهتماما بعمل زوجته، هو شاب حاصل على مؤهل عالى «بكالوريوس تجارة» لكنه هوى تجارة الأخشاب، تفوق فيها وأصبح ثريا من ورائها، لذلك ترك الحرية لزوجته تخرج وتتأخر كيفما تشاء، وتفرغ لتجارته والبحث عن نزواته وشغفه بالجمال والمال.


فى الوقت الذى كان الزوجان يسيران فى طريقين مختلفين، كانت شقيقتها الكبرى تعلن انفصالها عن زوجها دون أى أسباب سوى أنها لم تشعر معه بالسعادة، وأن الفقر يلازمه ليل نهار.


نزل الخبر كالصاعقة على شقيقتها الصغرى طبيبة الأسنان، فليس لها أحد فى الدنيا سواها، ذهبت إليها، وتوسلتها أن تتراجع وتعود إلى زوجها، لكن سبق السيف العذل، انتهى كل شىء، انفصلت الفتاة وزوجها، وذهب كل شخص منهما إلى حياته الجديدة.


علم الزوج بما حدث لشقيقة زوجته، ابتسم وكأنه كان ينتظر الخبر على أحر من الجمر، أسرع إلى زوجته وأخذها من يدها، وتوجها سويا الى شقيقتها فى بيت أبيها للوقوف بجانبها والبحث عن حقها من طليقها الموظف البسيط.


كان ذلك، مشهد البداية الذى قصته الزوجة لقاضى محكمة الأسرة بالإسكندرية فى دعوى الخلع المقامة منها ضد زوجها.


توقفت الزوجة قليلا بعد أن تساقطت دموعها، ولم تستطع استكمال حديثها، ثم عادت، لتخبر القاضى أنها ستكشف لأول مرة سبب طلبها الخلع من زوجها، وهذا الأمر لم يذكره محاميها فى عريضة الدعوى.


قالت الزوجة «سيدى القاضي، انفصلت شقيقتى عن زوجها، شاهدت ابتسامة زوجى وسعادته بعد سماع الخبر، جذبنى من يدى بسرعة، وأدخلنى السيارة ثم توجهنا إلى بيت أبي، حيث تسكن شقيقتى الكبرى التى كانت فى يوم من الأيام خطيبته.


نعم سيدى القاضي، كان زوجى خطيب شقيقتى الكبري، لكن خلافا نشب بين أبى رحمه الله وعمى وهو والد زوجى الحالى، تسبب فى فسخ خطبتهما، وبعد عام تزوجت شقيقتى بموظف بسيط، فى حين سافر ابن عمى للعمل بالخارج لمدة عامين».


.. قبل أن يعود من السفر، كانت الأجواء قد عادت إلى طبيعتها بين أبى وعمي، لذلك عندما تقدم للزواج بي، حقيقة لا أنكر أننى كنت أحبه واستكثرته على شقيقتى الحاصلة على دبلوم تجارة .. المهم سيدى القاضى، أننى وافقت على الزواج منه.. وبدأت معه حياة سعيدة استغرقت ٦ أعوام كاملة.


لكن طلاق شقيقتى سيدى القاضي، حرك المياه الراكدة، اعتاد زوجى على زيارتها بحجة أنه ابن عمها وأنه من يتابع مع محاميها قضايا النفقة المقامة ضد طليقها، حتى فوجئت بشقيقتى تهاتفنى وتخبرنى بسعادة أن زوجها قرر تعيينها سكرتيرة له فى شركته الخاصة.. دون أن يخبرنى بذلك الأمر.


منذ هذه اللحظة وبدأ الشك يساورنى حول علاقة زوجى بشقيقتي، فقد كنت شاهدة على قصة الحب العظيمة بينهما قبل أن تحدث الخلافات ويتم فسخ خطبتهما، وخشيت أن يسترجع الاثنان حبهما، على حساب حياتى الأسرية.


لكننى غضضت البصر، شعرت أن هذه وساوس يحب ألا أضعها فى عقلي، حتى لا أهدم حياتى الأسرية بيدى، قررت مع نفسي، أن أمنح بيتى وقتا أكبر، وأن أتقرب من زوجى كثيرا فقد أكون أنا السبب، وبالفعل قمت بذلك، لكننى شعرت أن زوجى دائما مشغول عنى، يتأخر ليلا فى شركته، وشقيقتى كذلك، والسبب أنها مديرة مكتبه ويجب أن تظل معه حتى يغادر إلى بيته، هكذا كانت تخبرنى.


حقيقة سيدى القاضى ساورنى الشك، قررت مراقبة زوجى من بعيد، حتى اكتشفت أنه من يقوم بتوصيل شقيقتى إلى بيتها وسط ضحكات وسعادة من الطرفين.
كل ذلك لم يقطع الشك باليقين عندي، حتى وقع هاتف زوجى بيدي، قرأت رسائل صادمة بينه وبين شقيقتي، واكتشفت حذفه لمئات الرسائل الأخرى، قررت سيدى القاضى أن أتأكد من ذلك.


ذهبت الى شقيقتي، أخبرتها اننى سأبيت معها يومين هربا من العمل والبيت، حتى أمسكت بهاتفها، وتأكدت من الصور بينهما، والرسائل التى لم تحذفها شقيقتى والتسجيلات الصوتية التى أعاد فيها ذكريات حبهما القديم.


ما أحزننى سيدى القاضى أن شقيقتى تجاهلت وجودى ولم تحترم حياتى الأسرية، وكذلك زوجي، كل ما كان يهم الاثنين هو أنهما لم ينسينا بعضهما، وأننى من يقف عائقا لتحقيقها، هكذا كانت تقول الرسائل المتبادلة بينهما.


كانت الصدمة قوية، كتمت السر بين نفسي، شهور وأنا وحيدة فى حجرتى، أتهرب من أسئلة الجميع عن سبب حزنى الدائم، زاعمة أن الإرهاق فى العمل هو السبب.


كنت أشاهد الاثنين أمامى، بمجرد أن أدير ظهرى يتقربان من بعضهما البعض، لذلك لم أتحمل ذلك الأمر كثيرا، قررت أن أحمل سرى وأذهب به إلى القضاء، لعلى أستطيع أن اجد من يسمعنى، ويمنحنى حريتي، لذلك أقمت دعوى خلع، وأخبرت زوجى بسبب الدعوى، وطلبت منه الا يخبر احد، حرصا على سمعة عائلتي، ليس ذلك فقط سيدى القاضى بل باركت له ولشقيقتى إذا إرادا أن يكملا حياتهما معا، فقد يكون ذلك هو السيناريو الذى رسمه القدر لهما وأنا من كنت أعيق تنفيذه، هذه ليست سذاجة أو ضعفا، لكنها النهاية التى تحفظ كرامتى . .

بعد أن انتهت الزوجة من سرد مأساتها، أصدر القاضى حكما بخلع الزوج.

اقرأ أيضاً|رفعت الجلسة | لايسألون الناس إلحافا (٢)