في ذكرى ميلاده ووفاته.. محطات من حياة «قيثارة السماء» الشيخ محمد رفعت

الشيخ محمد رفعت
الشيخ محمد رفعت

تحل، اليوم ذكرى ميلاد ووفاة الشيخ "محمد رفعت"، "قيثارة السماء"، أشهر قراء القرآن الكريم في العالم العربي والإسلامي، والذي ولد في 9 مايو 1882، وتوفي في مثل هذا اليوم أيضا عام 1950.

ورغم مرور 70 عاما على وفاته؛ لا يزال صوته جزءا من الطقوس الرمضانية التي تسبق رفع الأذان عند صلاة المغرب، إذ اتسم بتعدد طبقاته، واتساع مساحته، وقدرته على اختراق القلوب والاستقرار فيها.

منذ أن بدأ مسيرته مع التلاوة، وضعه المصريون في مرتبة لم يبلغها أحد من القراء بعد رحيله، وحين افتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934، تحول بعدها إلى عنوان وهوية، فقد كان صعوده وانتشار صوته جزءا من صعود مواهب وقامات ثقافية ارتبطت بثورة 1919، وكان جزءا من صعود شمل آخرين، منهم الشيخ سيد درويش، والنحات محمود مختار، والأدباء طه حسين وتوفيق الحكيم ويحيي حقي.

ولم تخلُ سيرة الشيخ محمد رفعت من نزعات درامية؛ فقد ولد بدرب الأغوات بحي المغربلين بالقاهرة، لعائلة من عائلات الطبقة الوسطى، وكان والده ضابطا بقسم الجمالية.

وكعادة أبناء تلك السنوات، تلقى تعليما دينيا في أحد الكتاتيب، وبدأ حفظ القرآن الكريم في كُتّاب "بشتاك"، الملحق بمسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب، تمهيدا لالتحاقه بالأزهر الشريف قبل ظهور الجامعة المصرية 1908.

وبعد 6 سنوات، رشحه شيخه لإحياء الليالي في الأماكن المجاورة القريبة، فدرس علم القراءات والتجويد لمدة عامين على الشيخ عبدالفتاح هنيدي، صاحب أعلى سند في وقته، ونال إجازته.

وحين توفي والده محمود رفعت، مأمور قسم شرطة الجمالية، وكان حينها بعمر الـ9، وجد الطفل اليتيم نفسه مسؤولا عن أسرته المؤلفة من والدته وخالته وأخته وأخيه "محرم"، وأصبح عائلها الوحيد.

وبعد أن كانت النية تتجه إلى إلحاقه للدراسة في الأزهر، بدأ وهو في الـ14 في إحياء بعض الليالي في القاهرة، بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن في الأقاليم.
 لكن شهرة "رفعت" بدأت حين تولى القراءة رسميا بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب، سنة 1918، وكان في سن الـ15، فبلغ شهرة كبيرة، وكان الالتفاف حول صوت الشيخ رفعت ملمحا من ملامح أيام ثورة 1919.

اقرأ أيضا:الأعلى للشئون الإسلامية يكشف اللحظات الأخيرة في حياة الشيخ محمد رفعت

وكان "رفعت" وهو يقرأ يبكي تأثرا؛ حتى إنه انهار مرة وهو في الصلاة عندما كان يؤم المصلين، إذ كان يتلوا آية فيها موقف من مواقف عذاب الآخرة.

وبعد موت الزعيم سعد زغلول، حرص مصطفى النحاس باشا على الصلاة في المساجد التي كان الشيخ رفعت يقرأ القرآن فيها، ومع بدء بث الإذاعة المصرية الرسمية سنة 1934، كان صوت رفعت الصوت الأول الذي خرج منها، بعد أن تم الحصول على فتوى من شيخ الأزهر آنذاك الشيخ محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم، فافتتحها "رفعت" بالآية الأولى من سورة الفتح "إنا فتحنا لك فتحا مبينا".

وبعدها طلبت منه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" العربية تسجيل القرآن الكريم بصوته، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي، فشرح له الأمر، وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم.
وعندما تولى الملك فاروق عرش مصر، نصحه الشيخ المراغي الذي كان محبا لصوت الشيخ رفعت بالتواجد في الليالي التي كان الشيخ يقوم فيها بقراءة القرآن الكريم، وكان من تقاليد تلك الأيام أن تنقل الإذاعة احتفالا يوميا في قصر عابدين، لقراءة القرآن الكريم خلال ليالي رمضان.

وعلى الرغم من الشهرة التي حققها؛ فإنه استمر في قراءة القرآن في مسجد الأمير مصطفى فاضل حتى اعتزاله، من باب الوفاء للمسجد الذي شهد ميلاده في عالم القراءة منذ الصغر.
أصابت حنجرة الشيخ محمد رفعت في عام 1943م زغطة أو فواق تقطع عليه تلاوته، فتوقف عن القراءة. وقد سبب الزغطة ورمٌ في حنجرته يُعتقد أنه سرطان الحنجرة، صرف عليه ما يملك حتى افتقر لكنه لم يمد يده إلى أحد، حتى أنه اعتذر عن قبول المبلغ الذي جمع في اكتتاب (بحدود خمسين ألف جنيه) لعلاجه على رغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكان جوابه كلمته المشهورة "إن قارئ القرآن لا يهان".

فارق الشيخ الحياة في 9 مايو عام 1950م وكان حلمه أن يُدفن بجوار مسجد السيدة نفيسة حتى تقرر منحه قطعة أرض بجوار المسجد فقام ببناء مدفنه عليه، وقد كان من عادته أن يذهب كل يوم اثنين أمام المدفن ليقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم.