خواطر الإمام الشعراوي.. الفتنة ابتلاء واختبار

خواطر الامام الشعراوي
خواطر الامام الشعراوي

يواصل الشيخ الشعراوى تفسيره للآية (191): من سورة البقرة:«وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ».

موضحا أن الله هو الذى شرع الشهر الحرام فكيف يُفتن المؤمنون عن دين الله ويُحملون على الشرك به ثم تقولون بعد ذلك إننا فى الشهر الحرام؟ إن الشهر الحرام لم يكن حراماً إلا لأن الله هو الذى حرمه، فالفتنة فى الله شرك وهو أشد من أن نقاتل فى الشهر الحرام.

ولذلك فلا داعى أن يتحرج أحد من القتال فى الشهر الحرام عندما يفتن فى دينه. وحينئذ نعلم أن القتال إنما جاء دفاعاً. وبعد ذلك هل يظل القتال دفاعاً كما يريد خصوم الإسلام أن يجعلوه دفاعاً عَمّن آمن فقط؟ أو كما يريد الذين يحاولون أن يدفعوا عن الإسلام أنه دين قتال ويقولون: لا، الإسلام إنما جاء بقتال الدفاع فقط. نقول لهؤلاء: قتال الدفاع عَمَّن؟ هل دفاع عَمَّن آمن فقط؟ أم عن مطلق إنسان نريد أن ندفع عنه ما يؤثر فى اختيار دينه؟ هو دفاع أيضاً، وسنسميه دفاعاً.

ولكنه دفاع عَمَّن آمن، ندفع عنه مَنْ يعتدى عليه، وأيضاً عَمَّن لم يؤمن ندفع عنه من يؤثر عليه فى اختيار دينه لنحمى له اختياره، لا لنحمله على الدين، ولكن لنجعله حراً فى الاختيار؛ فالقوى التى تفرض على الناس ديناً نزيحها من الطريق، ونعلن دعوة الإسلام، فمَنْ وقف أمام هذه الدعوة نحاربه؛ لأنه يفسد على الناس اختيار دينهم.

وفى هذا أيضاً دفاع. «وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ» لأنكم أحرى وأجدر أن تحترموا تحريم الله للمسجد الحرام، لكن إذا هم اجترأوا على القتال فى المسجد الحرام فقد أباح سبحانه لكم أيها المسلمون أن تقاتلوهم عند المسجد الحرام ما داموا قد قاتلوكم فيه. «فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم كَذَلِكَ جزاء الكافرين فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

وما أسمى هذا الدين. إننا لا نؤاخذهم بعد أن انتهوا إلى الإيمان بما قدمت أيديهم من الاجتراء على أهل الإيمان ما داموا قد آمنوا، ولذلك نرى عمر بن الخطاب وقد مر على قاتل أخيه زيد بن الخطاب: وأشار رجل وقال: هذا قاتل زيد. فقال عمر: وماذا أصنع به وقد أسلم؟ لقد عصم الإسلام دمه. لقد انتهت المسألة بإسلامه، فالإيمان بالله أعز على المؤمن من دمه ومن نفسه وحين يؤمن فقد انتهت الخصومة.

وهذا وحشى قاتل حمزة، يقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل ما يصنعه رسول الله هو أن يزوى وجهه عنه، لكنه لا يقتله ولا يثأر منه. وهند زوجة أبى سفيان التى أكلت كبد حمزة، أسلمت وانتهت فعلتها بإسلامها. إذن، فالإسلام ليس دين حقد ولا ثأر ولا تصفية حسابات، فإذا كان الدم يغلى فى مواجهة الكفر، فإن إيمان الكافر بالإسلام يعطيه السلامة، هذا هو الدين.


ويقول الحق فى الآية 191: «فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» أى ما داموا قد كفوا عما يصنعون من الفتنة بالدعوة والشرك بالله وَزُجِروا بالدين الآمر فانزجروا عن الكفر، بعدها لا شيء لنا عندهم؛ لأن الله غفور رحيم، فلا يصح أن يشيع فى نفوسنا الحقد على ما فعلوه بنا قديما، بل نحتسب ذلك عند الله، وما داموا قد آمنوا فذلك يكفينا. والحق سبحانه وتعالى بعد أن أعطانا مراحل القتال ودوافعه قال: «وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ...». والحق سبحانه وتعالى بعد أن أعطانا مراحل القتال ودوافعه قال: «وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ...».


ويقول فى الآية 193 :«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ».


وعرفنا أن الفتنة ابتلاء واختبار والحق يقول: «أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ» «العنكبوت: 2».
إن الحق يختبر الإيمان بالفتنة، ويرى الذين يُعلنون الإيمان هل يصبرون على ما فيه من ابتلاءآت أم لا؟ فلو كان دخول الإسلام لا يترتب عليه دخول فى حرب أو قتال ولا يترتب عليه استشهاد بعض المؤمنين لكان الأمر مغريا لكثير من الناس بالدخول فى الإسلام، لكن الله جعل لهم الفتنة فى أن يُهزَموا ويُقتل منهم عدد من الشهداء.

وذلك حتى لا يدخل الدين إلا الصفوة التى تحمل كرامة الدعوة، وتتولى حماية الأرض من الفساد، فلابد أن يكون المؤمنون هم خلاصة الناس.
لذلك قال سبحانه: «وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ». معنى أن يكون الدين لله، أى تخرجوهم من ديانة أنفسهم أو من الديانات التى فرضها الطغيان عليهم، وعندما نأخذهم من ديانات الطغيان، ومن الديانات التى زينها الناس إلى ديانات الخالق فهذه مسألة حسن بالنسبة لهم، وتلك مهمة سامية. كأنك بهذه المهمة السامية تريد أن ترشد العقل الإنسانى وتصرفه وتمنعه من أن يَديِنَ لمساو له؛ إلى أن يدين لمن خلقه. وعلى صاحب مثل هذا العقل أن يشكر من يوجهه إلى هذا الصواب.

 

اقرأ ايضا | إبراهيم عيسى: الإخوان والسلفيين لا يعتبروني مسلماً .. فيديو