بعد خطوة الاحتياطي الفيدرالي.. الاقتصاد الأميركي يواجه «معادلة صعبة»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

في خطوة لمواجهة أعلى معدلات للتضخم تسجلها الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الأربعاء، رفع نسب الفائدة بنصف نقطة مئوية.

وهذه المرة الأولى التي يلجأ الاحتياطي الفيدرالي لمثل هذه الزيادة منذ عام 2000، بعد أن كان قد رفع سعر الفائدة ربع نقطة مئوية في مارس الماضي.

وأكد محللون اقتصاديون لموقع "الحرة" أن هذه الخطوة هامة جدا لمواجهة "سرطان" التضخم، ولكن التحدي أمام الاحتياطي الفيدرالي يفرض معادلة صعبة جدا تتمثل بإبطاء الاقتصاد لمواجهة التضخم من دون الدخول في ركود اقتصادي.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، قال الأربعاء إن الاقتصاد الأميركي لا يزال قويا رغم تباطؤ النمو، الذي أكد أنه لا يطرح أي مخاطر ركود حاليا.

وقال باول في مؤتمر صحفي "إنه اقتصاد قوي. لا شيء يوحي بأنه قريب أو معرض للركود".

الاقتصاد الأميركي والركود

وقال الخبير الاقتصادي الأميركي، ديفيد باين، إن "الاقتصاد الأميركي ليس في مرحلة ركود اقتصادي على الإطلاق"، مشيرا إلى أن الفكرة الأساسية من "رفع أسعار الفائدة هي إبطاء الاقتصاد، ولكن بما لا يتسبب بركود اقتصادي، وهي معادلة صعبة جدا، أمام الاحتياطي الفيدرالي".

وقدر باول أن سوق العمل كانت في مستوى "غير سليم"، إذ اقترب معدل البطالة من مستواه قبل الجائحة عند 3.6 في المئة في مارس الماضي، لكن الشركات تواجه منذ أشهر نقصا في اليد العاملة واستقالات جماعية شهريا. ولجذب مرشحين للعمل والاحتفاظ بالموظفين، تزيد الشركات الأجور، ما يؤدي إلى زيادة التضخم، بحسب وكالة فرانس برس.

ويرى باين أنه حتى لو حدث نوع الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة، فلن يكون عميقا، وستكون آثاره طفيفة، مرجحا أن يتمكن الاقتصاد الأميركي من تجاوز الركود، ولكنه سيشهد تباطؤا وقد ينكمش النمو الاقتصادي بنسبة لا تتجاوز 1 في المائة.

رئيس معهد جلوبال بوليسي في واشنطن، باولو فان شيراك، قال إن الاقتصاد الأميركي لم يدخل في مرحلة "الركود الاقتصادي، ولكنه واجه نتائج ربعية سيئة في الربع الأول من 2022".

وأوضح في حديث لموقع "الحرة" أن دخول الاقتصاد الأميركي في ركود اقتصادي يحتاج إلى متابعة نتائج قرارات الفيدرالي الأميركي، ومدى تأثيرها على انكماش الاقتصاد.

ورجح شيراك أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في إجراءات رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، إذ إن زيادة واحدة لن تكفي على الإطلاق، ولهذا عليهم اقناع الأسواق الأميركية بأهمية قراراتهم بالنسبة للاقتصاد الأميركي، خاصة وأن ارتفاع التضخم يعني تآكل مدخرات الأميركيين، وارتفاع تكاليف كل شيء، وهو أمر يدفع بالموظفين لطلب زيادات في الرواتب، مما يخلق دوامة من الارتفاعات في كل شيء.

وفي مارس الماضي أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى رغبته في إقرار ست زيادات أخرى هذا العام، خلال ستة اجتماعات بحلول نهاية العام 2022، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وحتى الآن، ما زال مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يعتقدون أن بإمكانهم إعادة التضخم إلى هدفهم البالغ 2 في المائة، مشيرين إلى أنهم لن يحتاجوا إلى رفع أسعار الفائدة إلى أكثر من 3 في المائة، كي لا يؤدي ذلك إلى عرقلة الطلب.

مواجهة التضخم 

واستمر التضخم في الارتفاع في الولايات المتحدة، وتفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا ليصل في مارس إلى ذروة غير مسبوقة منذ ديسمبر 1981 مسجلا 8.5 في المئة، خلال عام واحد وفق المؤشر "سي بي آي".

وقال رئيس الاحتياطي باول، إن "الاحتياطي الفيدرالي سيتحرك بسرعة لرفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم المتصاعد".

ويرى شيراك أن المهمة الرئيسية أمام الاحتياطي الفيدرالي "خفض التضخم، ولهذا الأمر عليهم زيادة نسب الفائدة، وهذه الزيادة التي أعلنت الأربعاء، واحدة من بين عدة زيادة متوقعة، ولا نعرف كم زيادة متوقعة ستحصل، ولكن هذا الأمر عليه بالاستمرار للوصول إلى نقطة تعكس الزيادة في التضخم".

وقال إن "التضخم يشبه مرض السرطان، الذي يضعف الاقتصاد، إذا لم يستخدم الاحتياطي الفيدرالي أدواته لمواجهته، والتي قد تعني على المدى القصير حصول انكماش في النشاطات الاقتصادية، بسبب ارتفاع تكاليف التمويل".

وأكد شيراك أنه في المرحلة الحالية لا يمكن الجزم ما إذا كان الاقتصاد الأميركي قادر على تجنب حدوث ركود اقتصادي، إذا ما نجح في القضاء على التضخم المرتفع.

الحرب الأوكرانية وعوامل أخرى

وقال باين إن آثار الحرب الروسية على أوكرانيا ستدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى "زيادة أسعار الفائدة إلى نسب أكثر مما يريد"، متوقعا أن تشهد أسعار الفائدة زيادتين في الاجتماعين المقبلين بمقدار نصف نقطة كل مرة، وبمقدار ربع نقطة في الاجتماعات الثلاثة التي تلي ذلك، وبما يصل إلى حوالي نقطتين ونصف بحلول نهاية العام.

وشرح أن الحرب الأوكرانية تسببت في زيادة الأسعار، ورفعت أسعار المحروقات بنسبة تصل إلى 35 في المئة منذ بداية العام، ناهيك عن وجود عوامل أخرى أثرت في الأسعار مثل أزمة سلاسل التوريد ونقص العمالة. 

وأوضح شيراك أن الحرب الأوكرانية لها علاقة غير مباشرة في قرار رفع أسعار الفائدة، إذ إذت إلى رفع أسعار الطاقة العالمية التي ساهمت بشكل كبير في التضخم.

وأشار إلى أنه حتى مع عدم شراء الولايات المتحدة أي منتجات تتعلق بالطاقة من روسيا، ما يحصل في أوروبا رفع الأسعار في سوق الطاقة العالمي الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على السوق الأميركية.

وكانت لجنة السياسة النقدية التابعة للاحتياطي الفيدرالي قد لفتت إلى تأثير "غير مؤكد" للعوامل الخارجية، بما فيها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي "يحدث ضغطا إضافيا على التضخم ومن المرجح أن يؤثر على النشاط الاقتصادي".

وأوضح الاحتياطي في بيان صحفي أن عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد في الصين "من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد".

أدوات أخرى لمواجهة التضخم

ووفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس، بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة الرئيسية، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أنه سيبدأ خفض سياسة شراء الأصول اعتبارا من الأول من يونيو.

وذلك يعني أن الاحتياطي الفدرالي لن يعيد شراء الأوراق المالية وسيسمح للسندات بأن تصبح مستحقة، ما سيؤدي إلى خفض تلقائي للحساب الختامي السنوي.

وقال الاحتياطي الفيدرالي في بيانه إن "النشاط الاقتصادي العام انخفض بشكل طفيف في الربع الأول" في الولايات المتحدة. وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1.4 في المئة في الربع الأول من العام.

لكنه اعتبر أيضا أن "إنفاق الأسر والاستثمار الثابت في الأعمال التجارية بقيا مرتفعين"، مشيرا إلى أن "استحداث فرص عمل جديدة كان متينا في الأشهر الأخيرة كما أن معدل البطالة انخفض بشكل كبير".