من وراء النافذة

رب رمضان رب كل العام

هالة العيسوي
هالة العيسوي

سعدت سعادة مضاعفة من التزام بعض المخابز الإفرنجية بإعلان التسعيرة التى قررتها وزارة التموين لبيع الخبز الفينو بأوزانه المختلفة فى مكان ظاهر، وكانت سعادتى لا توصف لإدراج سعر بيع الخبز بالكيلو، فقد كان هذا مطلبى فى أحد مقالات ما قبل رمضان لتحقيق عدالة توزيع الخبز وضمان الالتزام بالأوزان المقررة. فى الحقيقة كنت أقصد الخبز البلدى الذى يعتمد عليه المصريون كافة فى غذائهم، لكن لا بأس من التجربة على العيش الفينو لعلنا نخرج بمؤشرات تفيد جدواها من عدمه. للأسف لم تتم فرحتى بعدما رفض المخبز البيع بالكيلو بحجة ان وزارة التموين منحته حق الاختيار بين طرق البيع المختلفة وأنه اختار البيع بالرغيف، ولا إلزام عليه بالبيع بالكيلو. ولإغرائى بالشراء قال: لوحسبتيها هتلاقيها واحد! وتساءلت: إذا كانت واحدًا فلماذا رفض البيع بالكيلو؟  ولو كان اختياريًا دون إلزام فما الجدوى من التجربة، وكيف نتمكن من تقييمها ؟.

لم استطع تجاهل الربط بين هذا التصرف وبين النفحات الرمضانية  المعتادة فى سلوكيات العامة  التى تتعلق بالشهر الفضيل التسابق فى فعل الخيرات والفوز بثواب الرحمن،أرقى أنواع التكافل من كافة الطبقات الاجتماعية حتى أبسطها، تسامح فى البيع والشراء، القسط فى الميزان وربما السخاء والتطفيف الطوعي؛ فالكيلو فى رمضان أبرك من الكيلو فى غيره، اتقان الصنعة خاصة فى الأطعمة الجاهزة أو سابقة التجهيز، المذاق فى رمضان ألذ وأحلى من يد نفس الطاهي. حتى تلك الابتسامة الشحيحة من الموظفين فى وجه المواطنين تتوفر فى الشهر المبارك، وبدلًا من التعقيدات الروتينية تجد السعى لإنجاز المعاملات والتسهيل على الناس والرغبة فى مساعدتهم. حتى إنى أنصح كل من له معاملة حكومية ألا يؤجلها لما بعد شهر رمضان وأن يستغل ستائر الروحانيات التى تسود فيه لإنجاز مصالحه.

أكد الطيبون على ملاحظاتي، وأضافوا أنه يندر أن تجد موظفًا يرتشى فى رمضان، أو أن تجد بائعَا غشاشًا، وكأن مجتمعًا آخر فاضلًا قد هبط علينا من السماء، سرعان ما يعود أدراجه مع رحيل آخر أيام الصيام.

وحين تعجب من عدم دوام هذه الظاهرة الموسمية معنا، طالما نستطيع أن نكون أفضل وأهدأ بالًا، وها نحن نعرف كيف نكون أكثر تسامحًا، وإجادةً العمل،  يكون الرد الساخر: «أن سلاسل الشياطين تنفك مع رحيل رمضان».مع أن رب رمضان هو رب كل المواسم وكل الشهور. والثواب فى غير رمضان لن يقل عن ثواب رمضان.

بالطبع لكل ظاهرة استثناءات، كالمثال الذى بدأت به المقال على الرغم من انه لا يرتبط بالشهر الكريم بقدر ارتباطه بالانضباط واحترام القانون.  لكن بعد أن انكشفت مؤخرًا أيضًا تفاصيل أكبر عملية غش تجارى بتحويل كراتين البيض بعد معالجتها كيميائيًا، إلى لحوم صناعية وحشو أرغفة الحواوشى بها وبيعها بأسعار زهيدة للجمهور البسيط.  ربما يجعل الجريمة هنا مزدوجة، إذ لا تقتصر على الغش التجارى وحسب،إنما تُعرًض صحة وحياة المصريين للخطر.تيقنت اننا لسنا سوى أهل التقوى وأهل المغفرة الموسمية.