جمعوا 30 مليون جنيه| مبادرة تنقذ مصريين من الإعدام في السعودية بدفع الدية

مبادرة تنقذ مصريين من الإعدام
مبادرة تنقذ مصريين من الإعدام

محمود صالح

خلال ١٢ يومًا فقط، استطاع «محمود شكل» وفريق عمله إنقاذ اثنين مصريين من القصاص في المحاكم السعودية بعد أن جمع مبلغ الدية المطلوب وهو ٧ ملايين ونصف المليون ريال، هذا المبلغ كان فيه حياة أثنين مصريين، وعلى صعوبة الموقف بل وصوله إلى الاستحالة استطاع أن ينقذ ابن محافظة المنيا هذين الشابين قبل فوات الأوان، من خلال جهود الكثير من المصريين بالخارج وتبرعهم لإنقاذ أبناء وطنهم. وحتى نعرف تفاصيل هاتين القضيتين وما جرى فيهما، وكيف أنقذهما؟! كان لنا معه هذا الحوار.

 

من المؤكد أنك عانيت كثير لتصل إلى ما وصلت إليه.. هل من الممكن أن تشرح لي كيف كانت البداية؟

البداية لم تكن سهلة على الإطلاق، ولم يكن في مخيلتنا أن نصل إلي ما وصلنا إليه، الحكاية كلها بدأت ببعض الاجتهادات البسيطة مني ومن فريق عملي للتواصل مع المصريين بالخارج من أجل التبرع لبعض الأخوة المصريين المقبوض عليهم في السجون السعودية بسبب قضايا بسيطة، حتى استطعنا أن نفك أسر ٩٧ سجينًا بعدما سددنا المبالغ المطلوبة، هذه الاجتهادات لاقت قبولا فاق توقعي، وفتحت بابًا أخر، ألا وهو المصريين المقبوض عليهم في قضايا كبرى تصل أحكامها إلى القصاص أو دفع الدية، ومن المعلوم أن الدية في مثل هذه الجرائم لم تكن كـ التعويضات التي استطعنا جمعها في القضايا الأخرى. 


وهنا ظهرت إشكالية كبيرة، حول إمكانية استطاعتنا أن نمضى قدما في هذا الطريق الشائك، ويمكنني القول بأن الأرضية التي اكتسبناها من القضايا الأولى جعلتنا ننجح في هاتنين القضيتين الكبيرتين.

 عن تفاصيل تلك القضيتين.. ما الذي لفت انتباهك إليهما وكيف استطعت أن تفك أسرهما بعد دفع الدية؟

البداية كانت منذ عام ٢٠١٦ يوم أن صدر الحكم على «أحمد محمد المنسي» من مواليد ١٩٩٢ في محافظة كفر الشيخ، بالقصاص أو دفع الدية، في القضية رقم 40245161 دائرة مكة المكرمة، بعد مشاجرته مع زميل له فلبيني الجنسية توفي على أثرها نتيجة ارتطام رأسه بحائط، المهم أن القضية اعتبرت قتل خطأ، وعقوبته في القضاء السعودي القصاص أو دفع الدية، وقتها نشرت عبر حسابي الشخصي أدعو الناس إلى التبرع لدفع الدية عن «المنسي» لكن لكي أكون صادقًا، لم أعر الأمر اهتماما يذكر.

 

قدم أهل «المنسي» استشكالا لإعادة نظر القضية، وأرجأت أكثر من مرة للنظر فيها، حتى تم تحديد موعد تنفيذ حكم القصاص في أواخر شهر إبريل الماضي. إن لم يسدد مبلغ الدية، وقتها عرفت تفاصيل الواقعة ونشرتها باحثًا عن متبرعين يستطيعوا دفع فدية هذا الشاب، والتي كانت تقدر بـ ٣ ملايين ونصف المليون ريال، وقبل أن أدخل في تفاصيلها أكثر جاءت أمامنا قضية «محمد محمد حسن»، المولود في محافظة المنوفية والذي يبلغ من العمر ٣٤ عامًا، وهذا القضية كانت أكثر صعوبة، من ناحية المبلغ المطلوب لدفع الدية ٧ ملايين ريال، ومن ناحية أخرى أنه محبوس منذ عام ٢٠١٢، وأنه استنفذ كافة درجات التقاضي وموعد القصاص يقترب أكثر. تحديدًا في نفس موعد القصاص من المنسي.


وقتها تواصلنا مع أهل المجنى عليه، وعرضنا عليهم تخفيض مبلغ الدية، واستطعنا أن نصل إلى رقم ٤ ملايين ريال بدلا من ٧ ملايين، وهذا إنجاز كبير، وقتها شرعنا في العمل على القضيتين في وقت واحد، والحمد لله وفقنا الله إلى جمع ٧ ملايين ونصف المليون ريال، والذي يقدر بنحو ٣٠ مليون جنيه مصري في أقل من ١٢ يوم ودفعنا الدية.


يُخيل للكثير أن جمع مبلغ كهذا يُعد أمرًا بالغ الصعوبة.. أشرح لي كيف تمكنت من ذلك في وقت قليل؟

طبعا صعب، وصعوبته كانت في أمرين، أولهما جمع مبلغ كهذا وثانيهما في المدة القصيرة قبل أن يتم تنفيذ القصاص عليهما، لهذا بدأت القصة بمعرفة تفاصيل القضيتين، والموقف القانوني لكل قضية، والحصول على كافة التصاريح اللازمة لإتمام المفاوضات، منها حصولنا على تفويض رسمي وبتوكيل عام من الشهر العقاري حتى نقف على أرضية صلبة من خلال الطرق القانونية والشرعية في إنقاذ أثنين من أبناء الجالية المصرية بالسعودية من حكم القصاص، وكيفية التعامل معها وحلها، من خلال خبراء قانونيين مصريين وسعوديين، وحصلت على أرقام الحسابات التي سيُحول عليها أموال الدية، ونشرتها في كافة مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بي.

استطاع فريق العمل عرض القضيتين على الكثير من المصريين العاملين بالمملكة، وغيرهم العاملين في الإمارات والكويت وقطر، بالإضافة إلي رجال أعمال سعوديين، ومستثمرين عرب، من كل الجنسيات، بجانب هيئات وشركات استثمارية وغيرها، منها الشركة السعودية للحديد والصلب والشركة الدولية للنقل الجماعي، ومجمع مدارس خاصة، والذين ساهموا بمبالغ كبيرة ساعدتنا إلى أن ننجح في جمع ٧ ملايين ونصف في أقل من ١٢ يوما.

هل هذه المبادرة مكتوب لها الاستمرارية؟

أتمنى ذلك، يكفيك أن تعرف أنه بمجرد فتح هذا الملف اصطدمنا بواقع أشد قسوة، وحقيقة مؤلمة، هناك مصريين في السجون السعودية، حاولت أسرهم التواصل معي لتولي قضيتهم، والحقيقة أنه في كل قضية تعرض على أزداد خوفا من الإخفاق فيها، خصوصا وأن البدايات - من وجهة نظري - تحمل اندفاعة لحظية للناس تدفعهم إلى التبرع، لكن عندما يكون الأمر بصفة مستمرة فإن الأمر من الممكن أن يزداد صعوبة، لكن مع ذلك، فكل قضية ولها طريقتها، وكل حكم وله حيثياته، ولا علينا إلا العمل لمواصلة ما بدأناه، وأن نكون العون لكل مصري تعرض ابنه أو شقيقه أو أبيه للسجن وهو يبحث عن لقمة عيش بالحلال في غربته.

ما العراقيل التي تواجهك في طريقك خصوصا وفدية المحكوم عليه بالإعدام تختلف باختلاف الجريمة؟

العراقيل كثيرة، لكن أكثرها هو الكلام المحبط، ينخر في عزيمتنا ويصيبنا بالإحباط، خصوصا وأننا نأمل منذ أن بدأت مبادرتنا أن ننهي عقوبة كل مصري مسجون في غربته، وأن نساهم في عودته إلى أهله سالما بعد أن نتولى عنه دفع الدية من خلال جمع التبرعات، ولا أخفيك سرًا، معنوياتنا هي أهم شيء نمتلكه لمواجهة هذه الأمور، منها ما يدفعنا إلى استمرار ما بدأناه، ومنها ما يجعلنا نفكر في التراجع، لكن كلنا كـ فريق عمل وضعنا أمام أعيننا حلم نريد أن نصل إليه، ألا وهو أن نرى بأعيننا لحظة خروج السجين المصري بعد دفع الدية له وإنقاذه من الإعدام.

 

من ضمن تلك العراقيل التي تواجهنا هي محاولتنا في إقناع ذوي المجني عليهم في قبول الدية، لأنهم - وهذا حقهم - لا يريدون إلا القصاص لذويهم، ونحن نتفهم هذا الأمر، ولا نلوم عليهم، لكن نحاول قدر استطاعتنا في أن نقنعهم بقبول الدية، ونحن نعلم أن محاولتنا تلك التي هدفنا فيها إنقاذ حياة مصري، تُقابل في أحيان كثيرة بالرفض لكن هذا ما نستطيع فعله.


من ضمن العراقيل التي تواجهنا هي ملابسات القضية، وحيثياتها، من المعلوم أن هناك قضايا خطيرة، وخطورتها في تفاصيلها، لذلك نحاول أن نقف على أرضية مشتركة مع أهل المجنى عليهم نحاول بالتفاوض معهم أن نصل لحل وسط، وفقا لمبدأ «لا ضرر ولا ضرار».

كيف تتواصل مع المصريين بالخارج وإقناعهم بالتبرع لفدية مصري محكوم عليه بالإعدام؟

التواصل مع المصريين في الغربة لا يعد أمرًا صعبًا، ولا أجد فيها مشكلة، بالعكس، المصريين في الغربة يحاولون بقدر استطاعتهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا يدخر أحد منهم وقتًا أو جهداً في مساعدتنا إلى نصل إلى حلمنا. بل أن منهم من يتواصل معنا محاولا التبرع بكل ما يستطيع، وعلى هذا يُشكرون، لأنني بدونهم لم أستطع وفريق عملي الوصول إلى ما وصلنا إليه.

 

هذا الملف فيه الكثير من القضايا المعلقة، هل ترى أن من واجبك الآن السعي فيه قدمًا كي تصل إلى فدية كل سجين مصري في السجون السعودية؟

دعني ألفت نظرك إلى أمر أجده من وجهة نظري مهمًا، بمجرد الشروع في تنفيذ هذا الأمر، استطعنا أن نشكل فريق عمل كامل مكون من 27 شـاب جامعي، وعلى رأسهم المستشار القانوني أحمد حسـين، والمستشار القانوني أحمد حسـن، بداءنا جميعًا كـ فريق عمل واحد في فتح التواصل مع الجهات المعنية والمختصة للوقوف على كافة الأمور التي تمنع تعطيل إنهاء القضية، وحاليا بعد أن انتهينا من قضيتي «احمد المنسي» و «محمد حسن» استطعنا جمع مبلغ الدية المطلوب، بدأنا فورا في فتح قضايا آخرى، وصل عددها حتى الساعة التي أحدثك فيها ما يقرب من ثلاثمائة قضية، ونحن عازمين على إنهائها على أكمل وجه.


كل ما نطلبه الآن هو الدعم، وأن تؤخذ مبادرتنا بعين الاهتمام، وأن يكون هناك توجيه رسمي بتعميم الأمر والشروع في تنفيذه فور دراسة القضية المطروحة.